كتب/ إياد دماج
إلى توفيق القباطي
كان يدعوه أبي ” العصفور” لفرط عذوبته وغنائية حضوره الذي لا يكون إلا شعراً جيداً للغاية.
ظل “العصفور” رفيق ايامنا التي نقضيها تسكعاً على أرصفة شوارع روتينية في مدينة لا يحبها، ولكنه لم يأنس سواها رغم وحشيتها؛ لا لأنه استأنس الوحشة! بل لأن الافقار و مصادرة الخيارات وسيلة هذه المدينة في اخضاع الأفراد وهدم سيكولوجياتهم.
طالب فلسفة مميز في مقتبل العمر كان توفيق يكتب القصائد : “عام سعيد يا رنا ” التي استحالت ثيمة غزل اثيرية يتبادلها العشاق في نفس المكان منذ ٣٠ سنة.. يالها من لحظة ندية للعصفور قبل أن تنُهش ايام عمره بالقهر وانتظام اجهزة أمن الدولة على التنكيل بالناس وطردهم خارج استحقاقات الجدارة والمغايرة. تلك الممارسات التي خلفت اثار جريمة مصممة بحيث لا يمكن محوها ابداً.
توفيق “الاكسر” سيرة مكثفة عن كلفة الخيارات المرهفة في البلاد القبيحة.
لا اتذكره إلا بهياً حتى في لحظات انتكاساته النفسية كان يفيض بالود و لا يضمر غيره، يخفي شروده فيما يشبه اغفاءة قصيرة، بعدها يرسل صوته نحوي برفق:
“لعل قصيدة نيرودا في وداع لوركا هي اجمل نصاً قرأته في حياتي، سيما ترجمة كميل قيصر داغر ..”
يا صاحبي بحثت عن نسخة كميل داغر لقصيدة نيرودا و لم أجدها.. وها أنا اترجم المقطع الأول من قصيدة (أغنية إلى فريدريكو جارسيا لوركا ) واعلم أنها اغفاءة طويلة هذه المرة يا توفيق.
(أغنية إلى فريدريكو جارسيا لوركا )
“لو أستطيع لبكيت خوفاً في بيتٍ مهجور
لوأستطيع لأقتلعت عينيّ وابتلعتهما
لفعلت ذلك من أجل صوتك البرتقالي الحزين
و لأجل شعرك الذي يعبر هادراً.
فمن أجلك يطلون المستشفيات بالأزرق
و المدارس، و السواحل البحرية تنمو،
و الملائكة تحشو جراحَها ريشاً.
ومن أجلك صارت محلات الخياطة بأقمشتها السوداء الرقيقة متسربلة بالدم
فمن أجلك صار الرفاق يزدردون شرائطهم الحمراء الممزقة،
ويفنون أنفسهم بالقبلات
و يتشحون بعد ذلك بالبياض .”