تقرير – هيفاء المذحجي
في الوقت الذي تتغنى فيه دول العالم بمجهوداتها الطبية التي لا يمكن تجاهلها في مواجهة جائحة فيروس كورونا (Covid-19)، الذي كانت مخاطرهُ وخيمة على أشد الدول تطورًا في الأنظمة الصحية، فكيف الحال بنتائجه على دولةٍ نظامها الصحي منهار ومتدهور كاليمن، لا سيما إن طال كوادرها الصحية وأهم الفئات العمالية المقاتلة في الخطوط الأولى في مواجهة الفيروس.
وعلى مدى فترة الجائحة لم يتم تسليط الضوء على معاناة عمال نظافة المستشفيات وتم تجاهلهم وإهمال توفير أدوات الوقاية والحماية اللازمة لهم، بالإضافة لعدم تقدير جهودهم التي تستمر لمدة ساعات طويلة في المستشفيات اليمن.
عُمال النظافة في المستشفيات
لم تعُد وظيفة غسل الملابس والأغطية في المستشفى مهنةً عادية، بل باتت وظيفةً محفوفة بالمخاطر في ظل انتشار فيروس كورونا الذي أودى بحياة الآلاف على مستوى العالم.
أم محمد “اسم مستعار”(35 عامًا) والتي تبدو ملامحها أكبر من سنها بكثير بسبب مشقة الحياة والصعوبة البالغة في جمع لقمة العيش، تعمل في نظافة أحد المستشفيات الحكومية بمدينة تعز هي وأطفالها الاثنين، لا تزيد أعمارهما عن عشر سنوات، واللذان يرافقان والدتهما بسبب بقاءها في المستشفى للعمل لساعات طويلة وكذلك لكي يعملا على مساعدتها.
وتقول أم محمد أنها تعمل في المستشفى لما يزيد عن عشر سنوات على التوالي حتى أثناء انتشار فيروس كورونا في موجته الأولى والثانية، في ظل عدم تلقيها هي وزميلاتها في أحد الأقسام أبسط أدوات الحماية للوقاية من الإصابة بعدوى كورونا، بالراغم من مطالبتهم إدارة المستشفى بذلك.
وتضيف في حديثها، “كنا نقوم بمسح أسِرة المرضى والممرات والتخلص من النفايات بدون أي اقتناء أو إستخدام أي أدوات حماية”.
وعندما أصيبت أم محمد بفيروس كورونا، طلبت منها إدارة المستشفى التي تعمل فيه، بمغادرة العمل دون أن تُعطيها مستحقاتها لمدة شهرٍ كامل وعند تعافيها و تأكدُها من خلوها من المرض بعد أن إنعزلت عن أسرتها خوف انتقال عدوى الفيروس لهم، كانت مجبرةً على العودةِ لعملها الذي لا يحفظ لها أمنها وأمن أطفالها.
الكثير من عُمال النظافة بالمستشفيات بمدينة تعز يشاركون أم محمد المصير ذاته، ولا يختلف وضعهم كثيرًا عنها ويعملوا في التنظيف بشكل مضاعف، دون أي حماية تجنبهم من الإصابة بفيروس كورونا، بالرغم من أن الرعاية الصحية من الحقوق الأساسية التي كفلها لهم الدستور اليمني في المادة(52) والتي تنص بأن “الرعاية الصحية حق لجميع المواطنين تكفله الدولة”.
الشريحة الأكثر عُرضةً للخطر
تظل هذه الشريحة هي الأضعف والأكثر عُرضةً للإصابة بفيروس كورونا، والتي تقظي معظم أقواتها بإزالة نفايات المرضى وتنظيف غرفهم بشكل مستمر، وبأجور زهيدة تتراوح رواتبها الشهرية بين العشرة والخمسة عشر آلاف ريالاً بما يقارب 15- 20 دولارًا، وأغلب هؤلاء العُمال يتم التعاقد معها من خلال شركة متخصصة في توريد عُمال الأمن والنظافة، فيما الغالبية المطلقة من هؤلاء تنتمي لفئات إجتماعية وإقتصادية بالغة التواضع، حتى في جانب الالتزام بقواعد النظافة العامة والشخصية، وتحديدًا في ما يختص بالعمل في المستشفيات.
اما العمال العاملين في مركز العزل بمستشفى الجمهوري، والذين لا يزيد عددهم عن 10 عمال فقط، يحصلوا على المستلزمات وأدوات الحماية لهم من قِبَل المنظمات الصحية الدولية كأطباء بلاحدود ومنظمة الصحة العالمية، كما يقول المشرف على العمال بالمركز، الدكتور أصيل شمسان، بينما يتم إهمال بقية العُمال في المستشفى عمومًا.
وفي هذا الصدد، يرى نائب مدير التثقيف والإعلام الصحي بمكتب الصحة بتعز، تيسير السامعي، أن الوضع الصحي داخل المدينة متردي للغاية، وبأنه في أسوأ حالاته، كما يصف، وبأنَّ الكوادر الصحية التي من ضمنها عُمال النظافة تبذل أقصى جهودها للحد من انتشار الفيروس، وبالإمكانيات البسيطة المتاحه لهم، مشيرًا إلى أنه لم يتم توفير لهم أدوات الحماية بقدر توفيرها للأطباء كونهم أكثر عُرضة لخطر الإصابة بالفيروس.
واوضح السامعي أنه لا يقل دور هذه الشريحة أهمية عن الأطباء والممرضين الذين يعملون في الصفوف الأولى للقضاء على الفيروس، مؤكدًا وجود حالات إصابة في صفوف عُمال النظافة في الموجتين الأولى و الثانية منذ تفشي الفيروس بالمدينة واليمن عمومًا العام الماضي.
وتابع تيسير السامعي “الأجور الزهيدة التي يحصل عليها عُمال النظافة مقابل عملهم المضني والشاق في المستشفيات في الأساس لا تكفل لهم ولأسرهم عيش حياة كريمة وآمنة، ناهيك بتوفيرهم للمستلزمات الصحية التي تقيهم من خطر الإصابة يالفيروس، والتي لم تكفلها لهم الدولة كأبسط حقوقهم المشروعة.
تظل هذه الفئات الضعيفة التي تضُم عُمال النظافة مهملة ومنسية من الحقوق من قبل جميع الدولة وسلطاتها الصحية، قبل جائحة كورونا وفي أثناءه بالوقت الحالي خصوصًا مع تفشيه بجميع مُدن البلاد في ظل تواجد نظام صحي متدهور، ولم يتلقى الدعم والإستجابة التي يحتاجها لمواجة هذه الجائحة.
وبحسب تقارير منظمة العفو الدولية، فقد فرض تفشي وباء فيروس(Covid-19) مزيدًا من الضغوطات على نظام الرعاية الصحية المتدهور أساسًا، والذي تعمل المستشفيات والمرافق الصحية التابعة له بنسبة 50% من طاقتها فقط، وأدى زيادة الأثار الضارة للوباء إلى القضاء على ماتبقى من النظام الصحي، بالإضافة للانتهاكات المستمرة لجميع أطراف النزاع في اليمن لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
غيابُ الوعي ونتائج وخيمة
وفي ظل انتشار عدوى فيروس كورونا، يغيب الوعي بين اوساط عُمال النظافة، الذي يعملون في الخطوط الأمامية في مواجهة الفيروس وغياب البرامج التوعوية والارشادية، يقول مدير الصحة البيئية بمدينة تعز، الدكتور جميل الشجاع، أن نسبة إصابتة العُمال أو تعرضهم للإصابة بهذا الفيروس تكون كبيرة طالما يقومون بتنظيف تلك المواقع ولمس أدوات المرضى والدخول إلى غرفهم ورفع مخلفات المستشفيات وقربهم من المصابين.
واشار الشجاع إلى أن الخطر لا يقتصر على العُمال في مركز العزل فقط، بل يضم العُمال في جميع المستشفيات، وذلك نتيجة قلة الوعي لديهم وعدم إخضاعهم لدورات تثقيفية وإرشادية بمخاطر الفيروس وانتشار الجهل بينهم، وهذا يؤدي الى سرعة تفشي العدوى بشكل كبير.
واكد الدكتور جميل الشجاع أن التثقيف الصحي والبيئي بمخاطر انتشار فيروس كورونا هي الوسيلة الأولى لحماية المجتمع من أضراره الوخيمة، بالإضافة إلى رفع الوعي بالنظافة وقواعدها الصحية والطبية.
وتشهد مدينة تعز تزايدًا في عداد الإصابات بالفيروس منذ تفشي الوباء، بمنتصف العام الماضي، وحتى 21 يونيو الجاري، إذ بلغ إجمالي عدد حالات الإصابات فيها فقط، نحو 1484 حالة إصابة مؤكدة، منها 577 حالة وفاة و2892 حالة تعافٍ، بحسب مكتب الصحة بالمحافظة.
وبرغم من ارتفاع أرقام الإصابات بالفيروس، تبقى أحوال هذه الفئة العُمالية التي لا يوجد حصر رسمي لها في ظل تعاقد الآلاف بنظام العمل اليومي دون إجراءات وأوراق رسمية أو التزامات من حيث الحقوق والواجبات، تظل أوضاعها صعبة ومهترئة.
وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في اليمن (أوتشا)، قد حذر من تداعيات عدم توفير تمويل إضافي لتقديم المساعدات الإنسانية لليمن التي تعتبر أكثر دول العالم ضعفًا و هشاشة في النظام الصحي والذي يواجه جائحة كورونا في ظل تلك الأوضاع الصحية المتردية، وأن استمرار الوضع هكذا قد يؤثر على حياة 18 مليون شخص بينهم 6 ملايين طفل.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من اجل حقوق الانسان و الشؤون العالمية في كندا