كتاب المواطن – روجيه جارودي
وهكذا فإن ثقافة جديدة، كلاسيكية جديدة ستزهر وتورق عما قريب، بفضل التلاحم الداخلي للنظام الذي هو سمة مميزة لجميع الحضارات الكبيرة حين بلوغها أوجها.
والحكومة تشيد بفخر مشروع بهذا المستقبل العظيم في كل مرة تشير فيها الى حصيلة الازدهار الذي كانت وراءه: معدل النمو أعلى من معدل نمو سائر أقطار العالم، مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج؛ عملة متينة، استخدام تام، ميزان مدفوعات رابح، غزو مستمر لأسواق جديدة لتصدير الأسلحة، إذ أن الحجم الداخلي لإنتاجنا من المسدسات جعل اسعارنا بحق أسعاراً لا تزاحم.
إن الدخل القومي الخام لكل فرد من السكان قد تضاعف خلال أعوام عشرة.
وقد باتت جميع مؤثرات الاقتصاد القوي والسليم متوفرة.
وتحققت جميع أحلامنا باقتصاد دائب النمو.
وفي مستطاعنا اليوم، بملء العدل، أن نتطلع الى الهيمنة العالمية لا بفضل غنانا وقوتنا فحسب، بل أيضا بفضل حكمتنا!
. . . . . .
إن نظاماً كهذا النظام يعجز عن حل أي مشكلة من المشكلات التي أثارها، ويظل عاجزاً عن ذلك سواء تطور من الداخل أم أصلح من الخارج (إن النزعة الاصلاحية هي التصور الذي يرى أن التحول الجذري ممكن بفعل تطور الرأسمالية دونما حاجة الى تدخل يعيد النظر في مبدئها بالذات).
وإن نظاماً كهذا النظام يعجز أيضًا عن تدمير نفسه بنفسه. فلا أزمة 1929 الطاحنة أطاحت به ولا الحرب المدمرة التي نجمت عنها.
ولا مهرب لنا من ضرورة وضع أسس النظام موضع الاتهام، أي تحرير العمل والأرض والمال من ربقة قوانين السوق والربح.
تحرير العمل أولاً، حتى يكف عقد الأجر عن أن يكون عقداً خاصاً بين متعاقدَيْن غير متساويين ملك أحدهما القدرة، بحكم امتلاكه لوسائل الانتاج، على إرغام الآخر الذي لا يملك تلك الوسائل.
وتحرير الأرض ثانياً من ربقة السوق حتى لا يعود في مقدور أحد أن يحرم، بدافع من مصلحته الشخصية، مدينة من المدن من رئتيها، أي من فُسحها الخضر، أو أن يسدَّ المنافذ الى البحر او النهر أو الغابة، أو أن يلوث البيئة ويعيث فيها فسادا باسم ربح أفراد أو جماعات متحالفة.
وأخيراً، فإن المال بدوره لا يجوز أن يكون بعد الآن موضوعاً لمضاربات السوق. أولاً لأن ((حرية المشروع)) أفضت إلى نقيضها، أي الى الاحتكار، بحكم تراكم الرأسمال وتركزه.
وثانياً لأن وظيفة تثمير المال لا يمكن إلا أن تكون وظيفة اجتماعية تتم تحت إشراف المجتمع بأسره وإلا عدنا إلى التثميرات المدمرة للإنسان ولوسطه الطبيعي.
إن هذا التغيير للبنى، هذا التبديل المثلث الذي هو بداية الاشتراكية، يستوجب إعادة النظر في مبدأ الرأسمالية بالذات: الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.
إن ضرورة الاشتراكية ليست محض ضرورة اقتصادية، فهي تنبع من ضرورة وضع حد لنظام بات يتناقض مع الشروط الأساسية لحياة اجتماعية منظمة وبات يهدد الحياة بالانحلال، لا على المدى البعيد، بل في غضون ثلاثين عاماً لا أكثر.
وليس المطلوب إلغاء السوق، وإنما المطلوب على العكس إنقاذ القيم المتولدة عن السوق، أي حرية المستهلك الفردية. وذلك بأن تُترك في السوق جميع المنتجات الاستهلاكية لقياس التبدلات الطارئة على الطلب، ومن ثم لتحقيق تخطيط لامركزي انطلاقاً من الحاجات المعبر عنها بحرية لا انطلاقاً من الادعاء الذي يزعم أنه محدد ((من فوق))، ومركزياً الحاجات والمخصصات. فالمركزة غير مجدية إلا لإقلاع البلدان المتخلفة. أما في غير هذه الحال فإنها تمسي عقبة في وجه التطورات بالذات.
وإذا ما حُرر العمل والأرض والمال من ربقة السوق، أمكن تفادي التناقض الذي بات ملازماً لها والذي يتمثل في قوة الاحتكارات المدمرة لحرية المستهلك والشغيل على حد سواء. ففي ظل هيمنة الاحتكارات لا يتحدد الانتاج بالسوق وبالحاجات المعبر عنها بحرية، بل على النقيض من ذلك: فالإنتاج ينيط السوق به إذ يخلق من الحاجات – المصطنعة أو حتى الضارة – ما تدر تلبيتها على المنتج أكبر قدر ممكن من الربح.
وهكذا، فإننا إذا ألغينا المقدرة على الاستيلاء دونما حدود على المال والأرض والعمل، أمكن للسوق أن تلعب دوراً مفيداً بتبعيتها للمجتمع بدلاً من التحكم به.
لقد طرح النظام الرأسمالي، بدءاً من اللحظة التي أفلح فيها في دمج مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية بالدفاع عن اقتصادیاتُه وباستمرارها، طرح مشكلة يستحيل حلها بمحض وسائل اقتصادية، كأن يُغير على سبيل المثال تشريع الملكية.
إن المشكلة هي مشكلة وضع حد لدمج الانسان روحاً وجسداً بالمقتضيات الاقتصادية للرأسمالية.
ومن هنا فان الاشتراكية لا يمكن أن تُتصور بدورها على أنها محض نظام اقتصادي.
وحين كان ماركس يعرِّفها بأنها تجاوز تناقضات الرأسمالية المدركة ملء النضج، كان يعطيها أبعادها الانسانية كافة، ولا يخلط غايات الاشتراكية بالوسائل الاقتصادية (تغيير نظام الملكية).
إن الخلط بين الوسائل والغايات، الذي قاد ستالين وأخلافه على سبيل المثال إلى الاعلان عن أن الاشتراكية قد تحققت مع أنه لم يكن قد تحقق منها إلا واحد من شروطها الاقتصادية (ولم يتحقق البتة أي من شروطها على صعيد الديموقراطية الاشتراكية والتفتح الحر للإبداع الثقافي)، إن ذلك الخلط لا يمكن أن يحدث إلا في قطر لم تحقق فيه الرأسمالية المتأخرة ذلك الاندماج.
إن الاشتراكية، في فرنسا على سبيل المثال، وفي عام 1972، لا يمكن أن تكون حل تناقضات رأسمالية القرن التاسع عشر أو تناقضات رأسمالية متخلفة كرأسمالية روسيا في مطلع القرن العشرين.
إن المرمى الأول للاشتراكية هو تحرير الناس الأشد عوزاً من الضرورات المادية للحاجة، لأن ذلك هو الشرط الأول للوصول إلى سائر الحريات. ولكن من وجهة النظر هذه يتوفر في بلادنا من الآن قسم كبير مما كان على لينين وماو تسي تونغ أن يخلقاه مقابل تضحيات لا حصر لها في الأقطار المتخلفة: الشروط التقنية والاقتصادية لتلبية الحاجات الأولية لكل فرد.
ومشكلة ((الإفقار))، تنطرح هي الأخرى بصورة مغايرة: فمنذ عام 1961 عرَّفُت ((إفقار))، الشغيلة بأنه ((استلاب متعاظم)) وليس تناقصاً مطلقا في القوة الشرائية أو في مستوى الحياة كما كانت الحال في فرنسا وانكلترا في مطلع القرن التاسع عشر وفي روسيا في أواخر القرن نفسه بعد إلغاء القنانة.
كذلك فإن الطبقة العاملة لا يمكن أن تُعرَّف، بعد الثورة العلمية والتقنية؛ كما كانت تُعرَّف في أواسط القرن التاسع عشر أو في روسيا في أوائل القرن العشرين، لأن النسبة المتعاظمة من العمل الفكري في الانتاج، كما سنرى ذلك فيما بعد، توسَّع مفهوم العامل إلى أكثر بكثير من العامل اليدوي.
أما على الصعيد السياسي فإن الدولة لم تعد ذلك ((الحارس الليلي)) العزيز على قلوب ليبيراليي القرن التاسع عشر، بل أمست دولة مندمجة بالاحتكارات ودامجة لجميع النشاطات القومية. وفضلاً عن ذلك فإننا لا نواجه، كما في روسيا في مطلع القرن العشرين، دولة لم تعرف قط نظاماً برلمانياً بورجوازياً ولا تمثل فيها الطبقة الحاملة للأمل الثوري غير نسبة 3% من السكان.
والديموقراطية الاشتراكية في بلد كفرنسا لا يمكن أن تكون نفي الديموقراطية البورجوازية، بل ينبغي أن تكون تجاوز حدودها. وعليه فإن الاشتراكية لا يمكن أن ترتد لا الى محض تغيير في نظام الملكية ولا الى محض تحويل للسلطة السياسية.
إنها تتطلب مشروعا جديدا للحضارة.
ولقد بات من المستحيل تصورها على أنها محض تلبية الحاجات التي اختلقتها الرأسمالية.
فما دامت الرأسمالية قد تخطت كونها عن نظام اقتصادي حين دمجت بمتطلباتها جميع أشكال الحياة الاجتماعية والشخصية، فإن على الاشتراكية إذا كانت تريد أن تأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع الجديد (وكيف يجوز لها بدون ذلك أن تتكلم عن المادية والعلم والماركسية؟) أن تقيس الحجم الصحيح للمشكلة الجديدة وأن توجد لها الحل الكامل، أي على مستوى البنى وعلى مستوى الضمائر في آن واحد ومن خلال وحدتهما الجدلية.
إن وعي التشويهات والتدميرات التي تترتب على تطور الرأسمالية بقود عدداً متعاظماً باطراد من الرجال والنساء إلى أن يحلموا بمجتمع لا ينتج من أجل ربح بعض الأفراد وإنما من أجل حاجات الجميع، إلى أن يحلموا كما كتب اوسكار وایلد بـ ((نظام اشتراكي أو شيوعي يحول الملكية إلى ثروة عامة، ويحل التعاون محل المزاحمة، ويحول المجتمع إلى جسم سليم … يحقق فيه الإنسان نفسه على الوجه الصحيح بالكينونة لا بالملك)).
ولقد كان ماركس قد ميَّز، منذ أن كتب ((المسألة اليهودية))، التحرر السياسي المحض (کما حققته الثورة الفرنسية على سبيل المثال) عن التحرر الانساني. ولقد أثبتت تجربة ثورات أُخّر منذ ذلك الحين أنه لا يكفي أيضاً إضافة التحرر الاقتصادي لبلوغ ذلك التحرر الإنساني.
إن الثورة لا يمكن أن تتحدد اليوم بتغيير البنى فحسب، بل بتغيير البشر أيضاً. وليست المشكلة الأساسية مشكلة عنف التغيير أو مشروعيته، بل مشكلة مضمونه واتجاهه، إن الثورة الأصيلة الوحيدة هي تلك التي تتيح للجميع أن يحيوا حياة أغنى، أي أكثر خلقاً وإبداعاً.
. . .
هل يمكن لهذه المشكلة أن تجد حلها في ثورة اشتراكية من النمط السوفياتي الراهن، أي في تغيير نظام الملكية (تأميم الملكية الخاصة لوسائل الانتاج) ونقل السلطة إلى حزب شيوعي (والى حلفائه أيضا عند الضرورة)؟
لا ريب البتة في أن إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج شرط ضروري للثورة الراهنة. ولكنه ليس بالشرط الكافي.
ذلك أن استيلاء حزب (أو مجموعة من الأحزاب) على السلطة وقيامه بتلك التأميمات لن يؤديا إلى ديموقراطية اشتراكية، أي الى تسيير ذاتي لرسائل الانتاج، إذا لم تكن الجماهير مهيأة لهذا التحول وإذا كانت تستلب سلطتها وتفوضها إلى قادة يفكرون ويقررون باسمها مهما تكن فضائلهم. إنهما لن يؤديا في هذه الحال إلا إلى ثنائية جديدة: فالحكام هم الذين سيحددون الغايات وسيتحكمون في توزيع فضل القيمة.
وبذلك يتأكد من جديد في هذه الحال القانون الملعون: في جميع ثورات التاريخ وفي جميع الصراعات الطبقية بين الطبقة المضطهدة والطبقة السائدة لم تصل الطبقة المضطهدة قط إلى السلطة. ولقد انتهت الثورة على الدوام بصعود طبقة ثالثة إلى سدة السلطة: فنضال العبيد الطويل ضد سادتهم لم يفض الى انتصار العبيد وإنما الى قيام حكم الإقطاع، ونضال الأقنان ضد الاقطاعيين لم يفض الى انتصار الأقنان وإنما الى انتصار البورجوازية، ونضال العمال ضد البورجوازية لم يفض الى انتصار العمال وإنما إلى سلطة محتكرة من قبل بيروقراطية تقنية.
ذلك أن اقتطاع فضل القيمة من قبل الدولة على الصعيد القومي لا على صعيد المشاريع لا يؤمِّن آلياً الرقابة الشعبية على استعمال فضل القيمة أو دقرطة الحياة السياسية أو تحرير الشغيلة من الاستلاب.
إن التأميم يتيح – وهذا تقدم محقق لا يقبل مماراة – إمكانية الدفاع عن الاستقلال القومي وتحقيق تخطيط حقيقي، أي تخطيط يضع نصب عينيه تلبية مصالح الأمة ولا يكون، كما في ظل الرأسمالية، محصلة علاقات القوة بين الكتل الاحتكارية الكبرى الزائدة عن مصالحها الخاصة.
وليس في مقدور أي أمرئ أن ينكر، من وجهة النظر هذه، أن الاتحاد السوفياتي قد حقق نجاحات مرموقة، ولا سيما فيما يتعلق بالصحة العامة وبنشر التعليم.
بيد أن تغيير الوضع الحقوقي للملكية لا يضع نهاية لاستلاب الشغيلة إذا اقتصر الانتقال على الانتقال من الملكية الخاصة إلى ملكية الجماعات (التعاونيات) أو إلى ملكية الدولة (التأميمات).
ليس التأميم تشريكا، والفارق بينها جوهري: فبين الاثنين يندرج استلاب وتفويض سلطة المنتج القاعدي إلى حاكمه، وبذلك تُزيف لعبة الاشتراكية الديموقراطية.
تُزيف في مبدئها بالذات بنتيجة نظام تفويض السلطة الذي يسلب المواطن استقلاله الذاتي، وهذا النظام هو الذي كان أفضى في الماضي إلى تحويل الديموقراطية البورجوازية إلى ديموقراطية ((شكلية)). وتُزيف مرة ثانية في النظام الستاليني بفعل مسلمات الاستبدال وتطابق الهوية: فالحكام يزعمون أنهم متحدون في الهوية مع الطبقة العاملة، وينزلون أنفسهم في الواقع منزلة البديل عنها. وبناء على ذلك يُفترض أن الديموقراطية تسود متى تربع هؤلاء الحكام على سدة السلطة.
والمثال النموذجي على هذه المخادعة مثال دستور 1936 السوفياتي.
فحين قدمه ستالين إلى المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي السوفياتي عرَّفه بأنه ((ديموقراطية متماسكة منطقياً ومتطورة إلى الحد الأقصى)). ولقد كان على ملء الصواب: يكفي أن نقرأ نص ذلك الدستور حتى نقر بأنه أكثر الدساتير التي وجدت حتى ذلك اليوم ديموقراطية. بيد أنه على أساس هذا الدستور، وبدون أي خرق له، أمكن أن ترسى أسس أعتى دكتاتورية عرفها التاريخ قط.
ومفتاح هذا اللغز يكمن في مسلمات تطابق الهوية والاستبدال: فإذا ترجمنا في كل مرة الطبقة العاملة والشغيلة والمواطنين بالحزب الذي يمثلهم ويطابقهم في الهوية، وإذا قبلنا بأن القيادة تمثل هذا الحزب وتطابقه في الهوية، يصبح كل شي واضحاً.
فالطبقة العاملة، والشغيلة بوجه عام، والمواطنون مدعوون جميعاً الى ((المشاركة)) في تحديد الأهداف القومية وفي اختيار الوسائل وفي مراقبة التنفيذ. ولكن انطلاقاً من اختيارات الحكام وبوساطة الحكام.
وما دام هدف الاشتراكية ليس تقرير الجماهير الحر للغايات الاجتماعية ولا التسيير الذاتي الذي يضع حدا لثنائية القادة والقاعدة (القادة الذين يعملون إلى القاعدة الوعي ((من الخارج)) و((من فوق)) بوجه خاص) أي ما دام النموذج السوفياتي هو النموذج المقتدى به، فإن برامج مختلف الأحزاب المنتمية إلى الشيوعية لن تكون إلا استنساخاً له مع التكيف بقدر أو بآخر مع «الشروط القومية)) المتمثلة قبل كل شيء في الأوهام البرلمانية المحلية.
إن الثورة في حال سلوكها هذا السبيل لن تؤدي، في أفضل الأحوال، إلا إلى تحويل للسلطة بدون إشراك الجماهير في تحديد اتجاه هذه السلطة وفي ممارستها.
لقد وصف هـ. لابوريت في ((الإنسان المتخيل)) بأجلي صورة السيطرة التي ينبغي علينا أن نتحرر منها، فقال: ((إن السيطرة ظاهرة جلية محددة، تتمثل في استحالة تقرير البروليتاريا لمصيرها الذاتي. فجميع القرارات الأساسية سواء فيما يخص الحياة الفردية ام الجماعية هي في أيدي الآخرين: الاحتكارات وجماعات الضغط الاقتصادي وكذلك التكنوقراطيين والبيروقراطيين في الشرق الأوروبي. والحال أن جماعات الضغط هذه ليست بسيدة مصيرها. فهي غائصة إلى أذنيها في حتمية صارمة، حتمية الربح للربح والسيطرة للسيطرة، أكثر مما هي غائصة في حتمية الربح الذاتي بوصفها المنتفعة بالسلع الاستهلاكية. والنظام البرلماني أخيراً يحقق تلك الخدعة النبيهة، خدعة السماح لإرادة العدد الأكبر بالتعبير عن نفسها، مع أن هذا العدد الاكبر، المسمم بالإعلام الموجه، الجاهل بالعوامل الاقتصادية والسياسية الأساسية، اللاواعي لحتمية أحكامه التقييمية، الجاهل واللاواعي معاً باللعبة التي هو موضوعها، يكتفي بأن يطيع. يطيع في الدرجة الثانية، لأنه يطيع حتمية الطبقة الحاكمة، المحكومة هي نفسها حوافزها الذاتية على نفس النحو اللاواعي)).