المواطن/ محمد الحريبي/ اللوحة للفنان: إياد دلة
كان الأمر بالنسبة لرهام أشبه بحاجز مفاجئ بينها وبين الحلم؛ رأت الأبواب مؤصدة، والتحذيرات تملأ الجدران، حتى اعتقدت أنه قتلها، دون أن تصاب به.
ليست رهام وحدها من تأذت منه، فالأبواب التي أغلقت في وجهها أغلقت، كذلك، في وجه أكثر من 160 امرأة أخرى، جميعهن ناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وكن يخضعن لبرامج تأهيل نفسي ومهاراتي في 11 مساحة آمنة للنساء أغلقت؛ بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد كوفيد 19، في محافظة تعز، جنوب غرب البلاد.
تقول رهام: “حزنت كثيرًا عندما أغلقت المساحة، وشعرت بالإحباط، حتى أني ظللت اتصل بمسؤولة التدريب بالمنظمة؛ لأسألها متى سنعود للمساحة مجددًا”.
إغلاق كلي وجزئي
وتسببت جائحة فيروس كورونا المستجد بإغلاق كلي للمساحات الآمنة للنساء، لمدة شهر كامل، قبل أن يعاد افتتاحها مع تقليص الخدمات المقدمة إلى النصف؛ لضمان اتخاذ الإجراءات الاحترازية من الفيروس، بحسب مدير مشروع المساحات الآمنة للنساء بمنظمة ديم ماهر الصبري، مضيفًا: “لجأنا خلال الشهر الأول من الجائحة إلى توفير خط ساخن لتقديم الإرشادات، ومتابعة المستفيدات، والتوعية حول الإجراءات الاحترازية؛ للوقاية من الفيروس”.
ويؤكد الصبري أن حالة الهلع من فيروس كوفيد19 أدت إلى نقص الإقبال على المساحات من النساء الناجيات من العنف إلى أكثر من 70%، مشيرًا إلى أن لتقليص الخدمات وانقطاعها المفاجئ دورًا في ذلك، ويضيف: “رغم استعادة النشاط في المساحات الآمنة بعد شهر واحد فقط من إغلاقها، إلا أن 6 مساحات من أصل 11 أغلقت جزئيًا؛ بسبب خفض التمويل من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان”.
40 مرفقًا صحيًا فقط
من جهتها قالت مسؤولة الإعلام والاتصال بصندوق الأمم المتحدة للسكان فهمية الفتيح: ” في منتصف شهر مايو من هذا العام، عندما وصل فيروس كورونا المستجد لليمن، جف تمويل خدمات الصحة الإنجابية، لصندوق الأمم المتحدة للسكان، المنقذة للحياة؛ ما اضطر الصندوق إلى تعليق تقديم خدمات الصحة الإنجابية في 140 من أصل 180 مرفقًا صحيًا مدعومًا منذ بداية العام، وفقط يدعم الصندوق 40 مرفقُا صحيًا، اليوم، في جميع أنحاء البلد”.
وتضيف: “مع الأسف لا يزال التمويل يمثل تحديًا كبيرًا؛ لتلبية الاحتياجات المتزايدة على أرض الواقع؛ حتى الآن شحة التمويل أجبرت صندوق الأمم المتحدة للسكان على غلق 50% من برامجها في الصحة الإنجابية، ومجال الحماية؛ والذي يندرج تحته دعم المساحات الآمنة للنساء والفتيات، والخدمات التي تقدم للناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتي هن في أمس الحاجة إليها”.
حلول ولكن؟!
وعن الحلول التي قدمت لضمان استمرار وصول الناجيات من العنف إلى خدمات الدعم النفسي، يقول الصبري: “نحن في منظمة ديم لجأنا إلى تقليص الخدمات، وتقليص رواتب العاملين في 6 مساحات؛ لضمان استمراريتها بتمويل ذاتي من المنظمة، لكنّ ذلك ليس حلًا؛ فالفيروس أسهم في زيادة حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي؛ ما يعني بالضرورة زيادة عدد المحتاجات لخدمات المساحات الآمنة”.
وهو ما أكدته الفتيح بقولها: ” أدى انتشار فيروس كورونا المستجد، هذا العام، إلى زيادة الحالات بشكل ملحوظ”، موضحة: “الكثير من الأفراد خسروا أعمالهم، وزادت الأعباء التي يواجهونها بالفعل؛ نتيجة للصراع، وتفككت الأسر وارتفعت معدلات العنف، وحالات الطلاق؛ ليس فقط للناس من المناطق النائية، ولكن أيضًا لأشخاص من مختلف الطبقات الاجتماعية، بما في ذلك أطباء، وأكاديميين، وطلاب ماجستير، وغيرهم الكثير”.
وتضيف الفتيح: “مع بداية انتشار فيروس كوفيد19، عملنا على زيادة الخطوط الساخنة إلى 18 خط ساخن في الجمهورية، سواءً في المساحات أو في مراكز تقديم الخدمات النفسية؛ لأنه في ذلك الوقت أغلقت الخدمات وحتى المساحات؛ لمنع التجمعات، وكإجراء احترازي، كما قام صندوق الأمم المتحدة للسكان بزيادة عدد المستشارين المتاحين؛ لتقديم خدمات الاستشارة المجانية عن بعد من خلال الخطًوط الساخنة؛ لمساعدة أولئك الذين يسعون للحصول على دعم، وتقديم المعلومات اللازمة للوقاية من فيروس كورونا”.
تأثير سلبي
وترى الناشطة الحقوقية سمر العبسي أن “إغلاق المساحات الآمنة؛ يؤثر سلباً على تمكين شريحة الناجيات من العنف من العودة لحياة آمنة مستقرة وربما يكون سببًا بمزيد من التعنيف لمثل هؤلاء النساء”.
وتضيف: “إغلاق المرافق والمراكز التي تقدم خدمات للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي؛ سيؤدي أيضًا لزيادة أعداد النساء الغير قادرات على الحصول على الخدمات الصحية والنفسية والحماية القانونية”.
نقطة مضيئة
ويشير الصبري إلى نقطة مضيئة حققتها عودة المساحات الآمنة للعمل، والتي تمثلت في إنتاج المستفيدات، في المساحة الأمنة بمديرية المظفر، 2000 كمامة ومعقم تم توزيعها على المساحات الأخرى والمراكز الصحية، لترتفع لاحقًا حصيلة الانتاج الشهري إلى 66000 كمامة ومعقم.
تقول “ر. ع” إحدى الناجيات من العنف: “عودة المساحة للعمل أعطتنا حافزًا إيجابيًا؛ حيث عملنا على إنتاج الكمامات والمعقمات؛ لضمان توفير الإجراءات الوقائية، وعدم إغلاق المساحة مجددًا”.
التمويل مطلوب
“في حالة تم إعادة تمويل هذه البرامج الحيوية، سيتم بالتأكيد تفعيل المساحات المغلقة، وتقديم الخدمات العديدة التي تحتاجها النساء والفتيات”، تقول الفتيح متفقة مع ماهر الصبري الذي طالب صندوق الأمم المتحدة للسكان، والجهات المانحة، بإعادة النظر في قرار خفض التمويل للمساحات التي ينفذونها في محافظة تعز.
إحصائيات مقلقة
ووصل عدد النساء الناجيات من العنف اللواتي استفدن من خدمات المساحات الآمنة للنساء، والتي تنفذها منظمة ديم في محافظة تعز، إلى 9309 مستفيدة؛ منهن 838 حصلن على تدريب في المهارات الحياتية، و117 حصلن على تمكين اقتصادي، فيما استفادت 59914 امرأة أخرى من جلسات التوعية، بحسب مسؤولة التدريب في المنظمة سلوى أمين.
وتؤكد الفتيح في ختام تصريحها أن “صندوق الأمم المتحدة للسكان وصل إلى ما يقارب من مليون امرأة بخدمات الحماية، خلال هذا العام؛ وتشمل الخدمات الصحية، والمساعدة القانونية، والدعم النفسي، والمشورة، والمأوى، والتمكين الاقتصادي، وفرص سبل العيش”.
* تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج ” الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19″ الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA