المواطن/ فهمي محمد
مع تعميد الوحدة اليمنية بالدم على قاعدة الغالب والمغلوب أصبح الجنوب قابلاً للتحول إلى حالة نضالية شعبية تجلت بعد إنتخابات 1997/ في تحول الحراك المطلبي إلى حراك سياسي يناضل من أجل الإنتصار السياسي للقضية الجنوبية خصوصاً بعد أن أكمل تحالف السلطة في صنعاء خطواته في مسار الإنقلاب على المرجعيات السياسية الوحدوية حتى وثيقة العهد والإتفاق التي تم التوقيع عليها من قبل أحزاب السلطة والمعارضة أصبحت وثيقة خيانة وتمزيق لليمن على حد وصف رئيس مجلس النواب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الذي كان يشغل منصب رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح .
بلاشك كان الشيخ الذي تولى منصب رئيس مجلس النواب بعد أول إنتخابات نيابية 1994/ يعبر تلقائياً عن الثقافة الإنقلابية المتأصلة داخل العقل السياسي الحاكم في صنعاء تجاه كل المرجعيات السياسية التي تم التوقيع عليها منذ 1989/ حتى وثيقة العهد والإتفاق التي تم التوقيع عليها في 1994/ لاسيما وهو أحد الموقعين على هذه الوثيقة الأخيرة في العاصمة الأردنية قبل أن يتغير توصيفها السياسي على هذا النحو الذي ذهب إليه بفعل نتائج الحرب التي اجتاحت جنوب اليمن وضربت الوحدة والديمقراطية وحتى الهوية الوطنية الجامعة لليمنين في مقتل وعلى وجه التحديد نتحدث عن الوجدان الشعبي للمكون الجنوبي الذي تحول من شريك سياسي ووطني في معادلة الوحدة، إلى غنيمة حرب للفاتحين، ناهيك عن حقيقة أن المكونات الحزبية والنخب السياسية في الشمال انشغلت في مسألة النضال السياسي من أجل الحفاظ على الهامش الديمقراطي والتعددية السياسية دون أن تمتلك الشجاعة في مواجهة النظام الحاكم في صنعاء فيما يتعلق بحقيقة الإنقلاب الذي حدث في 1994/ وعن مخاطره الكارثية على وحدة الشعب اليمني باستثناء الحزب الإشتراكي الذي أعلن بكل وضوح رغم كل الضغوطات التي مورست عليه أن لديه إلتزام سياسي وأخلاقي تجاه الجنوب بل أكثر من ذلك أصبحت القضية الجنوبية أحد القضايا النضالية للحزب وفقاً لقرارات مؤتمرات الحزب التي انعقدت في العاصمة صنعاء من بعد حرب صيف 1994 في ظل ظروف بالغة الصعوبة .
استطاعت قيادات الحزب الإشتراكي التي كانت منخرطة بشكل مباشر منذ بواكير الحراك أن تجعل من مسألة – إصلاح مسار الوحدة اليمنية – شعاراً ومطلباً سياسياً للحراك الجنوبي، وهذا يعني من جهة أولى أن البعد النضالي والوطني للحزب الإشتراكي وكذلك إيمانه التأريخي بالوحدة اليمنية جعلته أكبر من أن يتعاطى مع احداث الإنقلاب بمنطق ردود الأفعال الغاضبة، بل ظل الحزب بعد أن تلقى طعنة الغدر من الشريك في دولة الوحدة قادراً على التعاطي مع مايجري بمنطق المعقول السياسي والوطني لهذا كان فعله السياسي والنضالي يتعاطى مع مألآت الحرب = { القضية الجنوبية } من داخل مربع الوحدة اليمنية ={ إصلاح مسار الوحدة} ومن جهة ثانية فإن النضال السياسي تحت هذا الشعار الوطني “بامتياز” كان يعبر عن الإدراك المبكر لدى قيادات الحزب الإشتراكي عن حقيقة ما جرى في صيف 1994/ وعن ما يتعرض له الجنوب بشكل ممنهج ومستمر حتى بعد أن وضعت الحرب العسكرية أوزارها، لهذا نجد أن إصلاح مسار الوحدة لدى الحراك الإشتراكي في الجنوب – إن صح هذا التعبير – كان يعني أن يعود الجنوب اليمني إلى وضعه الطبيعي في معادلة الوحدة اليمنية التي يجب أن تقوم دائماً على قاعدة الحضور الندي والشراكة الوطنية بين شمال اليمن وجنوبه وليس على قاعدة الغالب والمغلوب وهذا يتطلب بشكل قاطع ضرورت الإحتكام إلى مرجعيات سياسية وحدوية / جديدة / تدين الحرب العسكرية التي اجتاحت الجنوب أولاً وتلغي ثانياً شرعية القوة التي أسست لوحدة الضم والإلحاق التي يحتفل بها تحالف السلطة في صنعاء في يوم 7/7 من كل عام غير مكترث بالمألآت الكارثية للمستقبل في اليمن .