المواطن/ شبكة إعلاميون من أجل طفولة آمنة/ قصة: صقر أبو حسن
تحمّل الهم صغيرًا، وبات عليه أن يعيش حياة الكبار، ويعافر الزمن بيدين خاليتين سوى من العلب الفارغة.. “أحمد منصور 13 عامًا”- اسم مستعار- يكابد مرارة العيش بعد أن وجد نفسه بلا أب أو معيل منذ عامين.
يعمل في مهن مختلفة بالأجر اليومي، ويرافق المواسم، ففي موسم حصاد البطاطس يعمل في الحقول المجاورة لمدينة ذمار، وفي موسم الصيف يعمل “مبزغ” – قاطف قات- في مزارع القات في مناطق عنس وميفعة عنس مع الكثير من أطفال الحي، وفي أيام أخرى يبيع البطاطس والبيض المسلوق للمارة في شارع صنعاء تعز – أكبر شوارع مدينة ذمار- وفي جزء كبير من أيامه يكتفي بجمع العلب الفارغة.
مكان أبي
“مات أبي وأنا الآن مكانه” قال عبارته تلك بمرارة، مضيفًا: أبي كان “شاقي”- عامل- عند الناس، وكان يدي لنا كل شيء “يعطينا” لما مات، تغيرت الدنيا ولا يعطينا أحد شيء، إذا أنا عملت أكلنا وإذا ما لقيت عمل ننام بدون أكل.
مرات كثيرة، نام فيها “أحمد ” مع إخوانه ووالدته بلا طعام، يتذكر منها عندما مرض، كان أكلهم “لقمة وشاهي” تعيش الأسرة في حي روما – الضاحية الجنوبية الغربية لمدينة ذمار- وهي منطقة ترتفع فيها نسبة الفقر بشكل لافت، ينتمي أغلب سكانها الى الأرياف ومحافظات أخرى.
قبل خمس سنوات، بنى والد “أحمد ” المنزل بنمط البناء الشعبي، مكتفيًا بباب رئيسي للمنزل وسد النوافذ بالأحجار، على أمل أن يتحسن الوضع ويشتري نوافد وأبواب داخلية للغرف، ومنذ توفي ما يزال المنزل كما هو حتى اليوم لم يتغير، بل اشتد بؤس قاطنيه وكمدهم.
متفوق يترك المدرسة
لدى “أحمد” سبعة إخوة هو أكبرهم، ست بنات وشقيق واحد، من النادر أن يجد من يمد له يد المساعدة، وبالكاد تكفي لأسرة جل أفرادها أطفال، في العام الذي توفي فيه والده ترك المدرسة في أواخر العام الدراسي وذهب للبحث عن عمل.
“كان متفوقًا ويحلم أن يكون طيارًا، لكن مع وفاة والده ترك المدرسة وذهب للبحث عن قوت لإخوانه” – قالت والدته وهي تكفكف دموعها.
من النادر أن تحصل الأسرة على مساعدة من الأقارب، نظرًا للوضع المعيشي العام الذي يعيشه السواد الأعظم من الأسر اليمنية بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، وفق تأكيدات والدة “أحمد”، وأضافت: كل منشغل بحاله واحنا لنا الله، لوما عاد لنا ذيه (هذا) الجاهل (الطفل) كيف سيكون حالنا؟. لم تكمل حديثها فقد دخلت في نوبة بكاء ونحيب متواصل.
ثمانية آلاف يتيم
“أحمد” واحد من المئات من الأطفال الأيتام الذين يتوحشون طريق الحياة وباتوا كبارًا في نظر أنفسهم وعليهم تحمل تكاليف العيش لأسرهم، يقول محمد الغليبي رئيس مؤسسة أيادي الرحمة – مؤسسة خيرية بمدينة ذمار- أن مؤسسته أجرت بداية العام الحالي 2020م، مسح شمل مدينة ذمار وضواحيها، كشف عن وجود ما يقارب “ثمانية آلاف يتيم” بواقع أكثر من ألفين أسرة، بينها ما يقارب خمسمائة أسرة يعولها أحد الأيتام، وجزء كبير من الأسر التي فقدت عائلها، تعيش على عمل أطفالها.
موضحًا أرقام الأيتام والأسر التي تفقد عائلها ترتفع بشكل مستمر وتتوسع قاعدة الأيتام يومًا عن يوم، وبعض الأسر تعولها النساء أو تعتمد على بعض المعونات التي يقدمها فاعلي الخير أو بعض المؤسسات الإنسانية والخيرية.
مشيرًا إن الأطفال الأيتام الذين دفعت بهم الظروف إلى الشارع “أكثر عرضة للخطر من غيرهم، لعدم وجود رجل يبعدهم من الوقوع في الخطأ”. أضاف إلى ما يعانونه من تضاعف ساعات العمل والمخاطر الصحية والنفسية التي يجدونها في المهن التي يضطرون للانخراط فيها.
مؤكدًا أن مؤسسته تكفل جزءًا من الأيتام في مدينة ذمار عبر كفالات محلية، وعجز عن كفل الجميع “لقلة المساعدات والتبرعات التي تتحصل عليها المؤسسة من فاعلي الخير”.
أجر زهيد
تمتد ساعات عمل “أحمد” من السابعة صباحًا وحتى الثالثة عصرًا وأحياناً كثيرة تمتد إلى المساء، مع ذلك يحصل على مبالغ تتفاوت بين “500 إلى 1500 ريال”، بحسب طبيعة العمل، ففي موسم حصاد البطاطس يحصل على نحو خمسة كجم من البطاطس ومبلغ ألف ريال، مقابل ساعات عمل من السابعة صباحاً وحتى الثانية عشر ظهراً، وفي عمل “المبزغ” يعمل فترتين صباحا ومساءً مقابل “علاقية قات” ومبلغ 1500 ريال، بينما الأعمال الأخرى هو من يحدد فيها الوجهة و ساعات العمل” كلما عملت أكثر حصلت على فلوس اكثر” قال، وأضاف: عندما أبيع البطاطس والبيض اتجه إلى أبواب المستشفيات والمدارس وأحاول بيع كل ما لدي.
خلال عمله يحرص “أحمد” أن يبتعد عن المدرسة التي كان يدرس بها، ويتجنب لقاء أصدقائه وزملائه في المدرسة” مشتيني (لا أريد) أحد يضحك عليا، لأني أبيع بيض أو أدور صحات (قناني ماء فارغة)”.
بات يعرف جيدًا الأماكن التي توفر بيئة جيدة للعمل، خاصة عندما يجمع العلب الفارغة أو يبيع البيض المسلوق، ويبتعد عن الأماكن التي يجد فيها المضايقات والتنمر من الأطفال الآخرين أو المراهقين، “أخذ بعضهم مني بيض وهربوا وعندما لحقت بهم تجمع عليا آخرون وضربوني وأخذوا بقية البيض” يومها عاد إلى المنزل بكدمات في جسده، وبدون رأس ماله، وحزن عميق بمدى قسوة أن تكون يتيم.
” تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة إعلاميون من أجل طفولة آمنة التي يديرها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي وبتمويل من اليونيسف (منظمة الطفولة)”.
تنشر هذه المادة بمناسبة #اليومالعالميللطفل وفقًا لتفاهم بين الموقع والشبكة
الصورة تعبيرية: بعدسة / حمزة مصطفى