المواطن/ كتابات ـ حمود المخلافي (الحبشي)
تستميت القوى التقليدية في الدفاع عن مصالحها واستمرار هيمنتها على مقاليد السلطة، ولن تتوانى في سبيل ذلك عن استخدام ابشع الوسائل واكثرها وحشية فالمتتبع لمجريات الصراع السياسي بعد ثورة 26 سبتمبر يدرك هذه الحقيقة بجلاء واضح عندما مثلت ثورة سبتمبر خطرًا حقيقيًا على مصالح القوى التقليدية في ظل بروز قوى التغيير ممثلة بالحركة الوطنية الديمقراطية التي تنشد التغير والتحرر، تكالبت القوى التقليدية وتوحدت بشقيها الجمهوري والملكي لتنفذ انقلاب 5 نوفمبر الرجعي على طريق عقد مصالحة بين اطرافها الجمهورية والملكية للقضاء على الثورة السبتمبرية وما مثلته من أمل لليمنيين للخروج من بوتقة التخلف والجهل والانغلاق الي مصاف التحرر والانعتاقوكان لزامًا لتحقيق ذلك القيام بتصفية وازاحة القيادات الوطنية والثورية في صفوف الجيش والسلطة المدنية عبر تفجير احداث اغسطس 1968 م في صنعاء التي بموجبها تم ارتكاب المجازر بحق الثوريين والشرفاء في القوات المسلحة قتلًا وسحلًا في الشوارع ونفذت اعتقالات واسعة طالت العناصر الوطنية حيث امتلأت بهم السجون وملاحقة من تمكن من الهرب عبر تجريد الحملات العسكرية على المناطق الريفية، حتى العام 1970 م، عام المصالحة التي بموجبها عاد الملكيين إلى السلطة واعترفت السعودية بنظام صنعاء.أصبح النظام الرجعي في صنعاء بتحالفه مع النظام السعودي وأنظمة المنطقة المعادية للتحرر والتقدم رأس حربة في مواجهة الحركة الوطنية التقدمية في اليمن ممثلة بالنظام الوطني الديمقراطي في جنوب الوطن والحركة الوطنية في الشمال حيث سادت المواجهة بينهما عبر الصدام المسلح في حرب 1972م بين الشطرين والحملات العسكرية التي قادها نظام صنعاء ضد الحركة الوطنية الديمقراطية في أغلب مناطق الشمال، في المناطق الوسطى وشرعب والعدين والبيضاء وإب وذمار ومناطق واسعة من محافظة تعز فيما بات يعرف بحروب الجبهة والمناطق الوسطي دمرت فيها مناطق وممتلكات المواطنين وتوقفت عملية التنمية وتصفية المئآت والآلاف من ابناء الوطن وزج بالعشرات والمئآت من المناضلين في غياهب السجون ونصبت المشانق والاعدامات في صراع تحالفت فيه القوى القبلية والدينية والعسكرية واستخدمت فيه شعارات الطائفية واستخدم الدين، وتجلت فيه أبشع مظاهر العنف واكثرها وحشية، ورغم ذلك لم تستطع فيه قوى الردة والرجعية تحقيق كامل أهدافهارغم توحد تلك القوى الرجعية برزت خلافات بين اطرافها، بدافع إعادة ترتيب ميازين القوة ضمن اطار النظام، ففي غمرة خلافات اطرافها تمكنت العناصر الوطنية في القوات المسلحة من القيام بحركة 13 يونيو التصحيحية وسيطرتها على السلطة بقيادة الشهيد ابراهيم الحمدي، لتستيقظ بذلك نزعة التحرر والتغيير واعادة الروح لجيش سبتمبر ونفذت عديد من الإجراءات لإرساء الدولة المركزية دولة النظام والقانون وتحققت نهضة تنموية وتغييرات اجتماعية واقتصادية عدة، وسادت علاقات الشطرين أجواء هادئة، وكون الحركة لم تخلو من جوانب قصور استغلتها القوى التقليدية مجددًا لترميم العلاقة بين قواها وتتمكن من الانقضاض علي السلطة في تحالف واضح مع السعودية بعد عملية اغتيال غادرة ذهب ضحيتها الشهيد ابراهيم الحمدي وأخيه، وصعود الغشمي فعلي صالح، على قمة السلطة كرمز لتحالف القوى التقليدية الرجعية، وليستمر فى حكم الوطن أكثر من ثلث القرن بسلطة عسكرية بوليسية لم تنتج سوى خنق التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي شرعه الشهيد الحمدي وإعادة بناء الجيش، ليتحول من جيش للشعب إلى جيش للعائلة، مورست خلال فترة حكمه اعمال قمع وبطش ضد الوطنيين والمعارضين لحكمه واستمرت عمليات الإرهاب والحملات العسكرية لتطال أغلب مناطق الشمال وعودة المواجهة مجددًا بين الشطرين العام 1979 م منفذًا بذلك ماهو مطلوب منه.إن الصراع السياسي والعسكري الذي ساد الوطن خلال فترة حكمه وعدم قدرة نظامه على تجاوز أزماته وصراعات أجنحته وفشله في تصفية الحركة الوطنية الى جانب عوامل أخرى عصفت بالساحة الدولية دفعته الى الهرولة باتجاه التنسيق والبحث عن مخرج لنظامه عبر تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 م كنظام يعالج أزمة الشطرين -لسنا في مجال بحثها-مثلت الوحدة اليمنية تحقيقا لحلم شعب وفاتحة تطور، اعتبرتها القوى التقليدية بما فيها صالح خطراً على مصالحها وهيمنتها على السلطة والمركز المقدس في صنعاء بإعادة توزيع السلطة جغرافيًا، لذلك واجهت الوحدة ومنذ لحظتها الأولى تآمرًا ورفضًا تبناه علي صالح والقوى التي تحالفت معه قبلية ودينية؛ تمثل بتكفير دستور الوحدة وإستهداف قيادات وكوادر الإشتراكي شريك الوحدة بعمليات اغتيالات نفذت بمباركة ورعاية مراكز القوي المعادية للوحدةواستمرار تصعيد الأعمال العدوانية ضد الوحدة وشريكها الحزب الاشتراكي حتى تكللت جهود التحالف التقليدي المعادي للوحدة والديمقراطية بتفجير حرب 1994 م وماتبعها من اعمال استهدفت ليس الحزب الاشتراكي الذي تعرض الى أبشع حملة تصفية ومصادرة لمقراته وومتلكاته وتشريد وفصل تعسفي من الوظيفة العامة ولكنها طالت الجنوب ارضًا وانسانًا، في الاستيلاء والنهب للممتلكات العامة والخاصة وتشريد الآلاف من العسكريين والمدنيين من وظائفهم والتعامل مع ابن الجنوب كمواطن من الدرجة الثالثةولم يدر في خلد النظام والقوى المتحالفة في اطاره ان تلك الأعمال العدوانية والقمع والارهاب الذي مورس في الجنوب وفي الشمال انما هو ماوضع النظام نفسه على أولى خطوات زوالهاذ صنعت قوة القمع حركة رفض واسعة شملت كل الجنوب تطورت من حركة مطلبية إلى حركة سياسية سلمية غير آبهه باعمال القتل والقمع والتنكيل التي مورست بحق قياداتها لتهز عرش النظام واركانه بالتوازي مع تطور المعارضة في الشمال الى ثورة أخرجت الشعب في 11 فبراير الي الميادين والساحات العامة للمطالبة بإسقاط النظام الذي لم يستطع ان يصمد طويلًا امام حركة الجماهير التي صنعت ملحمة من ابرع الثورات السلمية في الوطن العربيلذلك كان واضحاً منذ البداية ان القوى التقليدية، قوى التخلف والرجعية لن تصمت أو تستسلم بسهولة رغم صراع اجنحتها داخل النظام، فبادرت إلى العمل على احتواء الثورة عبر إلحاق مراكز القوى القبلية والعسكرية بثورة الشباب، والدفع بمكونات لاعلاقة لها بشعارات الثورة واهدافها، للإنخراط بركب الثورة وتقمص شعاراتها، وكون ذلك لم يجدي في التأثير على مجريات ثورة فبراير وشبابها الرافض أي تفاوض او مصالحة الا بسقوط النظام، سعت القوى التقليدية بإتجاه القضاء على سلمية الثورة تحت مبرر حمايتها من خلال عسكرتها والدخول في صدامات مسلحة، الأخطر في ذلك تفجير حرب الحصبة التي طغت على المشهد السياسي وتفجيرات مسجد دار الرئاسة وابرزت اطرافها إلى واجهة الأحداث والعملية السياسية في ظل تراجع ممثلي ثورة 11 فبراير الى الظل وبات الحوار والصراع تقوده اطراف القوة مع إشراك اللقاء المشترك في حلبة الحوار بهدف إلجام ثورة فبراير ومنح الحوار وماسيتمخض عنه طابع مشاركة جميع القوىإن نتائج الحوارات ومانتج عن المبادرة الخليجية من حفاظ على بقاء النظام وتغيير في تركيبته بضمان مشاركة اطراف جديدة فيه فقط، هي احد وسائل إعادة تمحور القوى التقليدية للحفاظ على هيمنتها، والتي رغم ضمان استمرار تلك الهيمنة الا أنها سرعان ما انقلبت على كل تلك الاتفاقات في محاولة للتفرد بالسيطرة لأنها لاتقبل اي مشاركة لها في السلطة ولتنقلب على مخرجات الحوار الوطني فى تحالف جديد ذو طابع سلالي متخلصة من شركائها التقليدين في محاولة هي الأخيرة حسب المعطيات للدفاع عن المركز المقدسإن المتتبع لمجريات الصراع ووقائعه في الظرف الراهن ونحن ندخل سنة سادسة حرب وبموضوعية يتأكد أن الصراع الجاري رغم مسمياته الى شرعية وخصوم للشرعية.. هو صراع في إطار نفس القوى التقليدية المتحالفة ( العسكر والقبيلة والدين.) .. في صراع محموم حول من يستحق حكم اليمن وتزعم تحالف القوى التقليدية المعيقة للتطور وسط غياب لقوى الحداثة والتقدم ألتي توارت وأنقسمت بين أطراف الصراع لتدلل بذلك على قصورها وعدم قدرتها على النهوض بمشروعها في الحداثة والتغيير بل وإنجرارها للمراهنة في إنقاذ الوطن على الأعداء التاريخيين لليمن في مايسمى بالتحالف السعودي- الإماراتيإن حجم الدمار والخراب الذي يعم الوطن بسبب الحرب وإستمراريتها وفي ظل التدخل الخارجي يتطلب دعم الأصوات المطالبة بوقف الحرب وصحوة فرقاء الصراع اليمني- اليمني لتحمل مسؤوليتهم التاريخية في الدخول بحوار عام وشامل للحفاظ على ماتبق والإتفاق على طريق للخلاص الوطني في ظل القناعة برفض التدخل الأجنبي وأن الحل لايمكن أن يكون إلا يمنيًا.