المواطن/ كتابات ـ قادري أحمد حيدر
الاهداء :
الى الشهيد القائد والمنظر السياسي والوطني الكبير /جار الله عمر، شهيد الديمقراطية، والوطنية اليمنية المعاصرة .
اغتيالك المشهدي الفاجع كان ثمرة مرة وكالحة للعلاقة الكاثوليكية بين المؤسسة الرسمية، والقاعدة (الارهاب) العلاقة التي هندسها زعيم الجريمة المنظمة علي عبدالله صالح، ومحاضر التحقيقات المتوافرة تؤكد بالمكشوف تلك الصلة بين نظام صالح والقاعدة والجماعات الارهابية (بين صالح/وعبدالمجيد الزنداني شيخ التكفير).
اغتيالك رفيقي النبيل كان عملا سياسيا امنيا مدروسا وممنهجا وهو ما يجب أن يفتح ملفه مجددا وباستمرار فقضايا القتل مثل هذه لاتسقط بالتقادم .
كم يفتقدك حزبك العظيم ، كم أنت مقيم في نفوس ووجدان رفاقك وشعبك.
كم الوطن وحزبك بحاجة اليك في مثل هذا الزمن القبيح..حين نجد قامات اصغر من اسمك تتربع المشهد السياسي، قامات لاتشبه اناقة روحك وسمو عقلك ولانبل مواقفك، باختصار لا تشبهك، ولاتشبه تاريخ حزبك .
والأسوأ أنها قامات ليست بمستوى التحديات التي تطرحها المرحلة، وتقدم اجابات مرتبكة وناقصة حول كل ما يعتمل في الوطن، وليس اخرها – قبل سنة – جلوس وزير خارجية بلادنا الى جانب رئيس وزراء الكيان الصهيوني وتبادله معه خطاب مودة، في مرحلة سياسية يتم فيها الاعداد والتجهيز لتصفية القضية القومية العربية الفلسطينية، بعد تهويد القدس ونقل السفارة الامريكية للقدس العربية خلافا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الامن والامم المتحدة وتوسع الاستيطان بلا حدود.
إن ما تمارسه بعض دول الخليج (الإمارات/ السعودية)، ليس عملية تطبيع مع الكيان الصهيوني/ العنصري، بل عمل سياسي يصل حد التحالف مع العدو ضد المقدسات، والحقوق الفلسطينية التاريخية، وهو ما يجب أن يكون واضحاً للجميع.
لروحك الطاهرة جار الله عمر الخلود ولأسمك المجد.
وللقتلة الهوان المستدام
ولقادة التطبيع الخزي والعار.
إن أحداث 11سبتمبر 2001م شكلت التتويج الرسمي والعلني لعشر سنوات في العمل الأكاديمي والنظري ، الذي نجح في إضفاء الشرعية الدولية على ممارسات القبضة الخفية للعولمة، وفي تحويل الشرق الأوسط العربي، والإسلامي برمته إلى ساحة قتال رئيسة تحت شعار “الحرب العالمية ضد الإرهاب”. و”هكذا برزت إلى السطح ليس الخرائط والنظريات فحسب، بل أيضاً حملات التدمير العلني للنظام الإقليمي العربي ، سواء عبر الحروب المباشرة أو التفجيرات المجتمعية الداخلية”(1). وكلنا ما يزال يتذكر الحملة الأيديولوجية والسياسية التي شنت على المفكر روجيه جارودي حين نشر كتابه “الأصوليات” الذي أشار فيه إلى أن جميع الأصوليات صناعة أمريكية – أوروبية على عكس ما يحاول ترويجه الخطاب الأيديولوجي والإعلامي الغربي – الأمريكي ، من أن الإسلام هو حاضنة الأصولية والعنف والتطرف والإرهاب (الإسلاموفوبيا) التي حولت الإسلام إلى فزاعة واضعة الإسلام كدين في مصاف الإرهاب والقاعدة. ويشتغل اليمين المتطرف الصاعد في أكثر من مكان في الغرب الرأسمالي على إيقاع نغمة العداء للإسلام. وحالة العداء “للمهاجرين” هي واحدة من التجليات لصعود ذلك اليمين الأصولي المسيحي/ الصهيوني واليمين السياسي الرجعي بصورة عامة.
فـــِ”القاعدة” منذ بواكير نشأتها هي في جزء كبير من تكوينها، ليست إلاَّ وظيفة أصيلة وواقعية من الحراك السياسي / الأمني والعسكري والاستخباراتي ، وليست شيئاً أصيلاً وفاعلاً في الحراك السياسي والاجتماعي والوطني العام، ومن هنا تبدو سهولة مواجهتها وتحجيمها حتى القضاء عليها بصورة سلمية ودون إطلاق رصاصة واحدة في الجو .
المهم توافر الإرادة السياسية والوطنية والقومية العامة في أفقها الديمقراطي الحقيقي .
إن ما يسهل تمرير مشاريع التطرف والإرهاب: “القاعدة”، “داعش”، “أنصار الشريعة”، في منطقتنا وبلادنا، هو تفكك الحالة السياسية العربية وضعفها، وتبعيتها للخارج الاستعماري، وبالنتيجة غياب المشروع السياسي العربي القومي التحرري الديمقراطي،مشروع العدالة الاجتماعية والحرية والتحرر الوطني، والديمقراطية، والمساواة.. وامتلاء الفضاء السياسي العربي بالفراغ، الذي تملؤه اليوم المشاريع السياسية القومية الخارجية: تركيا، إيران، اسرائيل.
والحقيقة أنه لابد هنا من الوضوح الذي لا يقبل أي التباس إزاء العلاقة مع إيران: فحتى لو كانت إيران تتوسل القضية الفلسطينية لتوصلها إلى قلوب وأفئدة العرب، وأنه ليس في وارد سياستها لا تحرير فلسطين ولا دعم أية قضية عربية أو إسلامية أخرى، فإن سياسة هذا النظام العربي البائس وبتخلّيه العملي الكلي عن فلسطين وشعب فلسطين،والذهاب المجاني للتطبيع مع الكيان الصهيوني، هو الذي أفسح ويفسح “الطريق” سالكة لإيران لتنفيذ سياستها في العالمين العربي والاسلامي.
إنه الأمر الطبيعي في غياب أي وجود مؤثر وفاعل لنا كعرب، ولذلك يجري استتباعنا وإلحاقنا بالمشاريع الاستعمارية الجديدة كتابعين، وكوقود بشرى، وفي استنزاف للمال العربي لأجندات خارجية، كما هو مع “مؤتمر وارسو للأمن والسلام” الذي واحدة من مهماته التطبيع مع اسرائيل، كما ظهر لنا للعلن، ولوضع العدو الصهيوني التاريخي وإيران في كفة واحدة، بل وتحويل إيران إلى عدو استراتيجي، والكيان الصهيوني إلى صديق لطيف ودود.. هي خطوات على طريق تمرير “صفقة القرن ” في محاولة تصفية نهائية للقضية القومية العربية (فلسطين) والذي يجب أن لا نوافق عليه، على خلافنا السياسي القومي مع سياسة إيران تجاهنا كعرب.مواقف سياسية تاريخية رخيصة يتحمل المسؤولية عنها من اقدم عليها رغما عن ارادة الشعوب العربية وسيحاسبهم التاريخ على كل ذلك،لقد ذهب زعيم الاستسلام السادات للتطبيع مع اسرائيل من اربعين سنة وبقي الشعب المصري وكل الشعوب العرببة ترفض وتقاوم التطبيع دون استعادة الحقوق القومية .
إن الهدف السياسي الاستراتيجي لمؤتمر “وأرسو” هو تحويل الصراع في المنطقة إلى صراع ديني / مذهبي، سني، شيعي، وجعلنا كعرب واجهة لحمل راية تصفية حسابات (أمريكية/ وأوروبية) حول الملف النووي، والخلاف حول ترسانة الصواريخ الباليستية الاستراتيجية الإيرانية.. والحصاد المر هو تنفيذ المصالح الاستعمارية الغربية، على قاعدة ” أسلمة” الصراع في كل المنطقة، وهذا هو المدخل السياسي والعملي الذي ينعش ويغذي جماعات التطرف والارهاب في بلداننا، ويهندس فعليا لظهور ” ما بعد داعش”.
إن حالة الخوف من “القاعدة” – وغيرها من التنظيمات التكفيرية والإرهابية- أصبحت ذريعة وفزاعة سياسية وأيديولوجية وأمنية للخارج في كل الأحيان ، وللداخل في بعض الأحيان، شأن تعاطي نظامنا السياسي اليمني معها . فقد ظل الرئيس السابق علي صالح يرفعها حيناً إلى مستوى الإرهاب الأعظم والخطر المحدق ، وحيناً يقلل من دورها وأهميتها حتى الصفر ، أو القول إنها “تحت السيطرة”.
إن خوف نظام صالح الحقيقي لم يكن من الجماعات “الجهادية” أو من “القاعدة” ، وإنما خوفه الحقيقي من الحركة السياسية والشعبية الديمقراطية في الشمال ، ومن الحراك الجنوبي الجماهيري السلمي الذي يرفع شعار “تقرير المصير” و من ثم الانفصال وذلك بسبب سياسته الإلحاقية وتهميش الجنوب في دولة الوحدة ومعروف كيف كان نظام صالح يواجه الحراك الجنوبي بأشرّ أنواع القمع والحصار ، دون تجاهل أو إنكار خوفه العميق والحقيقي من احتمالات أو إمكانية تصعيد “اللقاء المشترك” –في ذلك الحين- كفاحه السياسي المدني بالنزول إلى الشارع ، بعد أن سدت الآفاق أمام أي حوار سياسي ديمقراطي توافقي ، وأمام غياب أي تسوية سياسية وطنية تاريخية تخرج البلاد من ذلك المأزق المستحكم الذي كانت وما تزال حتى اللحظة تعيشه البلاد. ويصبح الأمر أكثر جدية وعملية حين يلتقي ويتوحد الشارع السياسي المنظم ، مع الشارع الجماهيري الشعبي الواسع الذي كنا قد بدأنا نشهد بشائر تحركاته، والذي تجلى وتمظهر عملياً في صورة ثورة الشباب والشعب في فبراير 2011م، وفي صورة ما يجري اليوم في كل البلاد من الشمال إلى الجنوب .
لا يمكننا، حقيقة، فصل وجود وحضور وفعل الجماعات السلفية المتشددة والتكفيرية و”الجهادية” بعناوينها المختلفة بعيداً عن صلاتها التاريخية الحميمة بالمؤسسة السياسية الرسمية ، (الرئاسة/ علي محسن). ولذلك حين كان خطاب الحكم يقول في مرحلة معينة إن هذه الجماعات “تحت السيطرة” ، فهو حقاً كان يدرك ما يعنيه وما يقوله. ويرى الأستاذ ناصر يحيى في كتاب “التطرف والتكفير في اليمن” ، إن تنظيم “الجهاد الإسلامي” نشأ قبل الوحدة من مجموعات من المقاتلين اليمنيين الذين كانوا في أفغانستان ، وقرروا نقل المعركة بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي إلى اليمن لمواجهة النظام الشيوعي الحاكم في عدن آنذاك. ويرى ناصر أن هناك قناعات سائدة في الوسط السياسي والإعلامي اليمني ، أن تنظيم “الجهاد الإسلامي” وجد اهتماماً من السلطة في صنعاء كغيره من قوى المعارضة الجنوبية ، وهو أمر معروف – كما يقول – مقابل الاهتمام والدعم اللذين كان نظام عدن يوليهما للمعارضة الشمالية. وهناك وجهات نظر عديدة تحّمل هذا التنظيم مسؤولية عدد من عمليات الاغتيال الشهيرة التي حدثت في الفترة الانتقالية– للوحدة – وكذلك العمليات التي حدثت ضد القوات الأمريكية التي نزلت إلى عدن على خلفية الوجود الأمريكي في الصومال”(2). و كان تنظيم “الجهاد الإسلامي” قد شن حملات تكفير وتخوين حتى ضد “حزب الإصلاح” بسبب مشاركته في العملية السياسية الديمقراطية والانتخابات وقبوله بالتعددية ، وبداية حواره مع عناصر من الحزب الاشتراكي، وبدفع ودعم من أجنحة سياسية مدنية في “تجمع الإصلاح”. ومن تنظيم “الجهاد الإسلامي” خرج تنظيم “جيش عدن أبين الإسلامي” في العام 1997م بقيادة أبو الحسن المحضار الذي اختطف بعض الأجانب وحاول المساومة أو التفاوض بهم ولكن بشروط سياسية قاسية على السلطة ، وذلك حين “اعتقد زعيم الجماعة الإسلامية “الجهادية” بأنه يستطيع التفاوض مع السلطة من موقع القوة ومن موقع الصديق بحكم علاقته الأمنية بها .. وأن السلطة سوف تلبي مطالبه التي كانت سياسية بحتة ، وليست ذات صفة ومطالب قبلية وحقوقية كغيرها من قضايا الاختطاف التي كانت مازالت تجري في البلاد منذ أوائل التسعينيات وحتى الآن”(3). لقد رفع زعيم “جيش عدن أبين” الإسلامي سقف مطالبه السياسية مما شكل إحراجاً للنظام وهو الذي “اعترف أنه كان في نظر النظام إسلامياً “جهاديا”ً حراً “واليوم أصبح إرهابياً” وهو ما دعا الحكم بعد مطالبه السياسية الكبيرة ومن ثم قتل السياح ، إلى الحكم عليه بالإعدام ، وإعلان إعدامه يوم 7 أكتوبر 1999م. وكانت تلك ضربة قاضية لهذه الجماعة التي كان منها الزعيم “الجهادي” التكفيري خالد عبدالنبي ، وعلي صالح “أبو هند”(4)وغيرهم كثيرون ممن ما زالوا على صلة بالمؤسسة السياسية الرسمية حتى ذلك الوقت وإلى ما بعد خروج علي عبدالله صالح من الحكم. وكانت الولايات المتحدة قد “أعلنت “جيش عدن أبين” في ذلك الحين، ضمن سبعٍ وعشرين منظمة وشخصية وجمعية مستهدفة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية”(5) ، وليس بعد إعلان تجديد حضوره مرة ثانية في أبين أكتوبر 2010م ، حيث كان وما يزال “الجهادي” خالد عبدالنبي يرى في أن “جيش عدن أبين” هو حقيقة دينية شرعية وجزء من الدين وأنه حتماً سيظهر، أي “جيش عدن أبين” ، وهي عقيدة أيديولوجية، و”جهادية” كفاحية عند هذه الجماعات، ومنها خالد عبدالنبي الذي أعلن ذلك قبل سنوات قليلة مع صحيفة الديار.
“وكان طارق الفضلي ، وجمال النهدي ، وخالد عبدالنبي ، وعلي زين العابدين المكنى “أبو الحسن المحضار” عقب حرب 1994م ، وانتصار ما كان يسمى “قوات الشرعية” قد استقروا مع عدد من المجاهدين في مدينة جعار ، عاصمة مديرية خنفر أكبر مديريات محافظة أبين ، ونشوة النصر أوقعتهم – حسب قول ناصر أحمد – إلى أسلمة المدينة ، نحن مسلمون قالها وعيناه تحدقان نحو المسجد الذي بناه “المجاهدون” – بعد ذلك – على أنقاض دار السينما التي دمرها الفتية بعد إحكام سيطرتهم على المدينة ” (6). وفي مقابلة صحفية أخرى مع “الجهادي” خالد عبد النبي أجراها الصحفي خالد الحمادي يقول: “من عام 1992م توجهت إلى أرض الجهاد في أفغانستان ضمن مئات الآلاف من أبناء المسلمين من شتى بقاع المعمورة ، وأخذنا بعض الدورات العسكرية في أفغانستان ، وبعد أن قضينا عدة أشهر عدنا إلى السعودية ومارسنا أعمالنا بشكل طبيعي ، حتى وقعت أحداث صيف 1994م في اليمن ، حيث وقعت تلك الحرب ونحن في أبين ، وشاركنا في تلك الحرب ضد قوات الحزب الاشتراكي”(7) . وكان الشيخ السلفي المتطرف مقبل الوادعي “يهاجم ويكفر الجميع من المملكة السعودية مشككاً في شرعية نظامها ، إلى تكفير الحزب الاشتراكي وأمريكا والغرب. في الوقت الذي كان يمتدح الحكومة اليمنية والرئيس علي عبدالله صالح ويتغاضى في أغلب الأحيان عن توجيه أي انتقادات للسلطة اليمنية –سلطة علي عبدالله صالح- ورموزها ، من جهة وكان من جهة ثانية، يوجه انتقادات “للتجمع اليمني للإصلاح” ، والجماعات الشيعية ، وهو لا يعترف بالانتخابات والأحزاب والبرلمان ، وحقوق الإنسان وحرية الرأي ، ويعتبر الديمقراطية كفراً”(8). وفي السياق ذاته يقول المسؤول الإعلامي للقاعدة أحمد منصور إنه خلال الفترة من 1990م – 1994م “كان أسامة بن لادن يمنعنا من أن نصوب أسلحتنا أو القيام بأي أعمال عسكرية ضد الحكومة اليمنية ، بل أن نصوبها ضد الشيوعيين في الجنوب ، وكان لنا دور كبير في حرب 1994م (…) فنحن أول من دخل “معسكر العند” في لحج ، ومعسكر “مُرة في شبوة ” (9).
وفي تاريخ 16-2-2019م، وتجاوباً مع الحلقة الأولى من هذا الموضوع، وصلتني إضافة تأكيدية لما نشرناه من معلومات مادية حول علاقة المؤسسة الرسمية بالإرهاب، من صديق عزيز وزير سابق في حكومة علي صالح، يشير فيها بالنص أن “12 جهادياً مصريا بقوا في اليمن، بينهم أبو الحسن الماربي سببوا توتراً مستمراً في العلاقات مع مصر. وأن ماليزيا طلبت في بداية الألفية عدم قبول أي ماليزي للدراسة في “جامعة الإيمان” أو غيرها إلا بموافقة الحكومة الماليزية. وأن “ياسر السري” المتهم الرئيس في محاولة اغتيال د/عاطف صدقي دبرها أثناء وجوده في اليمن (تم تدبير سفره إلى لندن بجواز سفر يمني). ومن حاولوا اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا بعض منهم كانوا بحماية “الاصلاح” والجنرال علي محسن. وقد استشعر الرئيس السابق خطرهم بعد عملية احتجاز السواح في مايو ” .
إن علاقة المؤسسة الرسمية في فترة حكم علي عبدالله صالح ، بالجماعات التكفيرية و”الجهادية” والقاعدية ، وصلت إلى حد التحالف الاسترتيجي في المراحل الأولى ، تراجعت إلى التحالف التكتيكي في مراحله الأخيرة ، وهو ما تشير إليه صراحة وبوضوح العديد من التقارير الدولية ، والأبحاث السياسية/ الأمنية الاستراتيجية الاختصاصية في شؤون الأمن والإرهاب . وفي تقرير أخير مطول للباحث ” جيرمي سكايل” تحت عنوان “لعبة الولايات المتحدة الخطرة في اليمن” قال فيه: ” إن صالح – يقصد الرئيس علي عبدالله صالح – نظر إلى تنظيم “القاعدة” كحليف مناسب لبعض الوقت، يمكنه أن يستغله لحمايته من التهديدات المحدقة التي تهدد سلطته ، بما في ذلك الحركة “الانفصالية” في الجنوب ، والمتمردون “الحوثيون” في محافظة صعدة الشمالية . واستعرض التقرير استغلال صالح لـــِ”لجهاديين” بدءاً بحرب صيف 1994م الأهلية ، ثم معاركه ضد “الحوثيين” في الشمال. وبهذا الخصوص أورد الكاتب تصريحات لمسؤول أمريكي كبير عمل في السابق في مكافحة الإرهاب ولديه خبرة كبيرة في اليمن ، لكنه أصر على عدم كشف هويته بسبب حساسية العمليات التي عمل عليها قال: “هؤلاء هم البلطجية الذين كان صالح يستعين بهم للسيطرة على أي عناصر تثير المشاكل ، ولدينا حالات كثيرة جداً ، حيث كان صالح يعمد فيها للإستعانة بهؤلاء الأشخاص من “تنظيم القاعدة” للتخلص من خصومه المعارضين لنظامه. وبسبب قيمة “الجهاديين” بالنسبة لصالح – يضيف المسؤول – فقد تمكنوا من العمل بحرية ، بل كانوا قادرين على الحصول على وثائق يمنية ، والسفر بها وكان صالح بالنسبة لهم المصدر الأكثر أماناً. لقد حاول صالح أن يجعل من نفسه لاعباً مهماً من خلال اللعب بهذه الورقة” (10) .
والكل ما يزال يتذكر أنه بعد “حرب الانفصال” 1994م “نشطت جماعة “الجهاد الإسلامي” التي خرج منها بعد ذلك “جيش عدن أبين الإسلامي” 1997م – الباحث – بشكل علني ، وتم دعمها من قبل السلطة ، وسيطرت على العديد من المواقع كمراكز الشرطة ، والنقاط العسكرية ، وبعض المساكن ، والمواقع التي كانت تابعة للحزب الاشتراكي في المناطق التي تم السيطرة عليها من قبل السلطة في عدن ، وأبين ، ولحج ، والمكلا ، وبدأوا ممارسة بعض مهام السلطة القضائية والتنفيذية ، ومنعوا شرب الخمر ، والتجول في شوارع هذه المناطق وهم يحملون السلاح ، ويلبسون الملابس العسكرية ، ولم يظهر من السلطة ردٌ أو استنكار لهذه الأعمال” (11)، وهو دليل صلة وعلاقة تاريخية حميمة بين الطرفين. ولا يمكننا قراءة أحداث ووقائع “حرب والانفصال” منذ بداياتها الأولى حتى إعلان تفجير الحرب في 1994م بدون إدراك صلة الجماعة السياسية التكفيرية الدينية و”الجهادية” القاعدية بالمؤسسة السياسية والأمنية الرسمية، وهو ما تؤكده جميع الوقائع والاعترافات العلنية للجماعات “الجهادية” ، سواء في المقابلات الصحفية معهم ، أو في ما يشبه المذكرات الصحفية التي ينشرونها في الصحافة بين آونة وأخرى وكان أخرها تقرير “قناة الجزيرة” المصور والموثق الذي جرى نشره وعرضه على شاشتها في بداية عام 2018م. وفيه تحقيق توثيقي واستقصائي حول علاقة نظام علي صالح بالإرهاب والقاعدة. وقد شكلت هذه الجماعات جيشاً جراراً من جميع الجنسيات “الجهادية” المتطرفة التي اشتركت في حرب 1994م.
وهكذا نجد أن اليمن لم تتحول إلى ملاذ آمن للقاعدة بين عشية وضحاها (…) فالقاعدة – تحت التسميات المختلفة – الباحث – كانت حاضرة في اليمن قبل أن تكون الولايات المتحدة قد عرفت الجماعة ، أو أدركت بأنها تشكل تهديداً كبيراً. “فمنذ ديسمبر 1992م حاولت القاعدة قصف “فندق عدن” حيث كان ينزل فيه أفراد من قوات الأمن الأمريكي ، وكان هذا ربما أول هجوم حقيقي للقاعدة (…). كان هذا تقريباً قبل ثماني سنوات من الهجوم على المدمرة الأمريكية “يو. إس. إس. كول” والذي وقع عام 2000م. فالقاعدة كان لها دائماً موطئ قدم في اليمن” (12) . ولا يستطيع أي باحث علمي موضوعي جاد أن يقرأ حرب 1994م دون العودة إلى تلك الخلفية التاريخية التي تم سردها ، كما لا يمكنه القفز على الفتاوى السياسية التخوينية ، والفتاوى الدينية التكفيرية التي أطلقت لتعبيد الأرضية السياسية والسيكولوجية ، والروحية لحرب 1994م. فالفتوى السياسية الرسمية تمثلت في رفع شعار “الوحدة بالحرب” ، و”الوحدة بالدم” ، و”الوحدة أو الموت” ، والفتوى الدينية للشيخ عبدالوهاب الديلمي التي أذاعها بالصوت والصورة تلفزيون صنعاء ، ونشرتها جريدة الإيمان (13)، إنما تتمثل في الدعوة إلى قتال “المرتدين” ، و”المشركين”، و”الكفار”، والدعاية الأيديولوجية الدينية لها جسدتها شعارات من مثل : “من جهز غازياً فقد غزا” “شهداؤنا في الجنة وقتلاكم في النار” …إلخ . والفتوى الدينية هنا ليست مفصولة عن الفتوى السياسية ، فكلاهما يكمل الآخر بعد أن توحد المسجد بالمعسكر، وصار عمل ودور كل منهما يقود إلى نفس النتيجة السياسية العملية ..تبادل وظيفي للأدوار بين المسجد والمعسكر، وبالنتيجة: الهيمنة على
والثروة .
وهنا تتأكد بصورة واقعية وعملية صلة المؤسسة السياسية الرسمية بالجماعات الدينية التكفيرية و”الجهادية” كأوضح ما يكون الاتصال والعلاقة . فالفتوى الدينية جاءت لتضفي “شرعية مقدسة” للحرب ، وكأننا أمام حرب دينية بين مسلمين وكفار ، وهي الحرب التي دعمتها أيديولوجياً و(دينياً) فتاوى بن لادن لمجاميعه “الجهادية” في اليمن لمقاتلة الحزب الاشتراكي. ذلك ما يقوله د. نبيل الرزاقي عن هذه الحرب حيث أشار في كتابه إلى أن “الحكومة غضت الطرف في البداية وأعطت الفرصة لعناصر التيار الإسلامي المناهض للحزب الاشتراكي في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية للقيام بدور محدود في تثبيت الأمن والاستقرار مثل : إدارة بعض مراكز الشرطة والإشراف على النقاط العسكرية في المناطق التي تم طرد قوات الحزب الاشتراكي منها ، خصوصاً في محافظات عدن ، ولحج ، وأبين . إلا أن عناصر هذه الجماعات – كما يقول – د. الرزاقي – قد تمادت وتجاوزت حدودها وأساءت بتصرفاتها الفجة وسلوكياتها المتزمتة إلى النظام والقانون وإلى سمعة الدولة داخلياً وخارجياً ، وأدركت السلطة أن هذه الجماعات قد أقامت نفسها مقام السلطتين القضائية والتنفيذية ، بعد أن قامت بتطبيق الحد الشرعي على بعض المواطنين عقاباً لهم على أعمال (…) مثل السرقة ، وشرب الخمر ، بالإضافة إلى سجن بعض المواطنين دون تهم قانونية (…)، وبالتالي الاستيلاء على بعض المواقع والمقرات والمساكن التي كانت تابعة للحزب الاشتراكي وعناصره ، وقياداته ، والتجول العلني بالسلاح وهم يرتدون الزي العسكري الرسمي” (14) ، وهو التأكيد العملي لصلة المؤسسة السياسية الرسمية بالجماعات التكفيرية ، و”الجهادية” القاعدية المختلفة وهي صلة وعلاقة تاريخية، وعلى خلفية كل ذلك، يمكننا القول أن اليمن تحت حكم على عبدالله صالح، قد تحولت إلى ساحة مركزية لاستقطاب الجماعات المتطرفة والإرهابية .
ومكافأة لهذه المجاميع الكبيرة من هؤلاء التكفيريين و”الجهاديين” المتشددين، فقد تم استيعابهم بعد حرب 1994م في الأجهزة المدنية ، والأمنية والعسكرية والاستخبارية –منهم قاتل الشهيد جار الله عمر الذي تحرك من المعسكر بإجازة لاغتيال الشهيد جار الله عمر- وهو الأخطر هنا ، كاستحقاقات سياسية ومادية ووظيفية لأدوارهما السياسية والأمنية التاريخية ، والتي لم تتوقف نسبيا إلا بعد قيام ثورة فبراير 2011م . ومن هنا شعور بعض الجهات الأمريكية ، والأوروبية بعدم جدية نظام علي صالح في مكافحة القاعدة والإرهاب ، وهو ما دعا الباحثة الأمريكية آلين نيكماير إلى القول في مجلة السياسة الخارجية الأمريكية “أن لاحاجة لأمريكا لنظام صالح لمحاربة تنظيم القاعدة ، وأنه حتى مع تنظيم القاعدة في اليمن قام صالح ونظامه باختلاق المشكلة بدلاً من السيطرة عليها ، خلافاً لمعظم الحكومات العربية(…) وأن نظام صالح سمح لمقاتلي تنظيم القاعدة بتشييد منازلهم في اليمن ، وأنه برغم تمكنه من جلب مليارات الدولارات من المساعدات الدولية للقضاء على الإرهاب، يجد الأمريكيون تنظيم القاعدة يزدهر أكثر في اليمن” (15). وتشير بعض الأبحاث إلى أن “عدد مقاتلي التنظيمات الإرهابية المشاركة في حرب 1994م تزيد عن 60 ألف مقاتل من يمنيين ، ومصريين ، وفلسطينيين ، وأردنيين ، وسودانيين ، وغيرهم من الجنسيات العربية” (16). وما يؤكد صدقية الرقم القتالي المشار إليه، والمشارك في حرب 1994م ، هو تصريح حسين محمد عرب وزير الداخلية الأسبق، عن ترحيل اليمن ما يزيد عن أكثر من عشرين ألف “جهادي أفغاني” إلى خارج اليمن ، وقبله كذلك تصريح رئيس الوزراء عبدالقادر باجمال بترحيل 14 ألف “جهادي” إلى خارج اليمن (17)عام 1996م ناهيك عن عمليات الترحيل التي جرت دون إعلان وتحت ضغوط عربية ، وإقليمية ودولية والتي لم يعلن عنها . وجميعها أدلة ناصعة على صلة المؤسسة السياسية والأمنية الرسمية بالجماعات التكفيرية و”الجهادية” القاعدية، فقد كانت اليمن نقطة تجمع وانطلاق لهذه المجاميع إلى المواقع القتالية المختلفة، في الداخل والخارج .
واليوم، وبعد كل ما هو حاصل من خراب ودمار، علينا الوقوف بعقل سياسي وطني ديمقراطي مفتوح، وبحزم، ضد كل المحاولات التي تسعى للخلط بين الديني المقدس وبين السياسي المصالحي العابر، ورفض توظيف استخدام الدين لخدمة السياسة والسلطة. هذا أولاً. وثانياً. وهو الأهم، العمل بأفق سياسي وطني استراتيجي لإيقاف تكتيك أو لعبة استخدام الجماعات الميليشوية المسلحة الدينية “الجهادية” المتطرفة في صراعاتنا السياسية تحت التسميات المختلفة، والتي –مع الأسف- تعلن عن وجودها اليوم وفي أكثر من مكان وباسم “المقاومة” أو غيرها من المسميات، وتحت غطاء الشرعية، والتحالف السعودي/ الإماراتي. ثالثاً، نؤكد على ذلك حتى لا ينتصر التكتيك السياسي العابر والفاشل على الاستراتيجية السياسية والوطنية، ونجد أنفسنا لاحقاً، أو بعد ذلك أمام حروب مذهبية طائفية قبلية سلالية، قد تفتح الباب واسعاً أمام ما يمكننا تسميته بالحرب الأهلية المذهبية الطائفية وهو المشروع المعد والمرسوم لكل منطقتنا العربية، وهو البوابة العملية التنفيذية لتمرير “صفقة القرن”، ولمن لا يعي ولا يدرك المخاطر الاستراتيجية لتمرير المشروع الصهيوني تحت مسمى “صفقة القرن” فإنها تقول بالملموس فرض هيمنة أمريكية/صهيونية شاملة رسمية وعلنية وقانونية على كل المنطقة العربية، يمنع معها وبعدها حضور أي تأثير أو تدخل أو دور للمتجمع الدولي في كل ما يخص المنطقة، والقضية الفلسطينية تحديداً، لأنها حينها ستكون رسمياً عبارة عن دويلة كانتونات ممزقة، مبعثرة، وتحت حماية الكيان الصهيوني، وبادارة وتوجيه واشراف امريكي .
ومن هنا تحذيرنا من التطبيع المجاني .. حينها ستدركون ما معنى جلوس الوزير/الموظف خالد اليماني،بجانب اقذر قاتل صهيوني للشعب العربي الفلسطيني .
وكل الخشية أن عودة الوعي تأتي بعد فوات الأوان، وبعد خراب ودمار كل شيئ .
الهوامش :-
1- سعيد محيو ، صحيفة الخليج الإماراتية ، الخميس 13/1/2011م .
2-ناصر أحمد يحيى: “التطرف والتكفير في اليمن : المواجهة بين المؤتمر والإصلاح بعد اغتيال جار الله عمر “، ص 59 -60 .
3- صحيفة الثوري / صنعاء / الخميس 4/10/2001م العدد “1689” تقرير ص 5.
4-وفي مقابلة صحفية مع صحيفة الوسط/ صنعاء الأربعاء 10/8/2005م عدد (164)ص 7، يقول الشيخ “الجهادي” علي صالح “أبو هند” “كنا جماعة متمسكة بكتاب الله وسنة رسوله ، وكنا نرفض أن يكون الجهاد لغير الله وكان أميرنا حينها أبو الحسن المحضار ، أما أمير المعسكر فقد كان خالد عبدالنبي … وما فرق الشباب هو طلوع الشباب إلى صنعاء والتزاحم على أبواب الأمن السياسي ، وأشار قائلاً : كنا نملك العدة التي أمرنا بها الله ومنها صواريخ سام ومدافع الهاون ، والدوشكا ، وألغام مضادة للدبابات والأفراد إضافة إلى الأسلحة الرشاشة والقنابل .. وفي سؤاله عن استلام أموال من السلطة أجاب : بعض من أفراد الجماعة ، أما بالنسبة لي فلا أستلم وكنت قد سجلت اسمي ضمن الأسماء التي رفع بها إلى الدولة كي تعطينا ولكن حدث خلاف مع الشخص المسجل الذي رفع بالأسماء ، فحذف إسمي في صنعاء. وفي سؤاله: هل شاركتم في الحرب إلى جانب الشرعية في 1994م ، أجاب : نعم ، شاركنا مشاركة حقيقية بإسقاط منطقة جعار وإخراج أخ لنا كان مسجوناً في قضية محاولة اغتيال الأمين العام للاشتراكي علي صالح عباد (مقبل) كما استولينا على ما كان يسمى بمعسكر المرأة (الميلشيات). حوار مع الشيخ “الجهادي” علي صالح “أبو هند” .
5- خالد عبدالنبي مقابلة مع صحيفة “الديار” اليمنية / صنعاء – حاوره الصحفي خالد الحمادي ، الأحد 13/7/2008م العدد (57) ، ص 3.
6- صحيفة “المصدر” صنعاء الثلاثاء 28/9/2010م العدد (134) ص 10 .
– خالد عبد النبي ، مرجع سابق.
7 – د. فلاح عبدالله المديرسي كتاب “الحركات والجماعات الإسلامية في اليمن ” إصدار مركز الدراسات الإستراتيجية المستقبلية ، جامعة الكويت العدد السابع مايو 2005م، ص25.
.
8- د. نبيل علي الرزاقي ، مصدر سابق ص ،99 نقلاً عن أحمد منصور المسؤول الإعلامي للقاعدة في اليمن ، لقاء مع صحيفة الوسط 30/1/2008م عدد (181).
9 – جيرمي سكايل صحيفة المصدر / صنعاء ، الثلاثاء ، 5/4/2011م ، العدد رقم (160) ، صفحة الترجمات ، 11، 12، ص10 .
10 – د. فلاح عبدالله المديرسي مصدر سابق ص 31-32
11-تقرير فصلي إستراتيجي يصدر عن مركز الجزيرة للدراسات والبحوث ، العدد الثاني ، يونيو 2010م، ص53 .
12 – عبد الوهاب الديلمي ، صحيفة الإيمان صنعاء الثلاثاء 21يوليو 1994م العدد (24) .
13- د. نبيل علي الرزاقي مصدر سابق ، ص 104 -105 .
14- نقلاً عن صحيفة النداء / صنعاء ، الأثنين 14/2/2011م العدد (265) ص 6.
– د. محمد علي المخلافي صحيفة الثوري صنعاء الخميس 14 يناير 2010م العدد (2082).
15-أحمد علي الزرقة انترنت تحت عنوان “تحولات تنظيم القاعدة في اليمن” نشوان نيوز 6/2/2010م.
16 – د. محمد علي المخلافي صحيفة الثوري صنعاء الخميس 14 يناير 2010م العدد (2082).
17-أحمد علي الزرقة انترنت تحت عنوان “تحولات تنظيم القاعدة في اليمن” نشوان نيوز 6/2/2010م.