المواطن/ كتابات ـ صدام الجابر
نشأت المناضلة “بشرى المقطري” في كنف أسرة وطنية، كادحة وثورية، وبدأت تنهل من عالم السياسة والنضال منذ نعومة أظافرها، وناضلت من أجل حقوق الفقراء من العمال والفلاحين والكادحين، ومن أجل الفئات المهمشة، وكانت من أشرس المعارضين لنظام المخلوع “علي صالح” وسياساته الاستبدادية وخاضت عدة معارك في سبيل الديمقراطية والحرية ومناهضة الظلم السياسي والتطرف الديني.
في عام 2000م، تخرجت بشرى، من كلية الأداب بجامعة تعز، بتقدير إمتياز مع مرتبة الشرف، الا أن ذلك لم يشفع لها بتعيينها معيداً بالكلية؛ بسبب مواقفها الإنسانية والسياسية والوطنية، وحينما أحيل ملفها للأمن السياسي، حاول أمن صالح ارهاب بعض أساتذتها ولمحاولة تزوير سجلها الجامعي، الا أنها طالبت بمراجعة أوراق امتحاناتها وتشكيل لجنة. وحينما حملَت ملفها الأكاديمي لجامعات أخرى كجامعة الحديدة وذمار، كانت تلحقها مذكرة من فرع المؤتمر الشعبي العام بتعز معترضين فيها تعيين بشرى بالسلك الأكاديمي. كان ذلك الظلم التي تعرضت له، ضريبة دفعتها “بشرى”؛ بسبب مواقفها الإنسانية والسياسية والوطنية.
في عام 2005 وعندما فتحت صحيفة “الثوري” الناطقة باسم الحزب الاشتراكي اليمني، أبوابها لأكثر من قلمٍ شاب؛ للكتابة على صفحاتها وقول كل شيء عن أحوال البلاد التي تذهب مع رياح التوريث، فزادت بشرى المقطري، جرعات النقد والكتابة ضد نظام “صالح” وانتهاكاته بحق الوطن والمواطن، وقبل ثورات الربيع العربي، رفعت صوتها وكتبت أنّ “على هذا الرئيس أن لا يخرج من البلاد سالماً، أنّ عليه الخضوع للمحاكمة”، فتعرضت “بشرى” لمضايقات عديدة من قبل النظام، ووضعها تحت طائلة مقصلة التكفير.
استمرت في كتابتها للمقالات السياسية، تقول”بشرى” إنّ الأدب يفقد قيمته عندما لا يقول تفاصيل الحياة اليومية، ويصبح شاهد زور عندما لا يُشير باتجاه مُغتصب هذه الحياة التي يخوضها اليمنيون كل يوم.
لم يطل الأمر كثيراً حتى اندلعت ثورة فبراير 2011م، فكانت بشرى في صفوفها الأولى، وكانت من مؤسسي ساحة الحرية في محافظة تعز، والمنسق العام لأول حركة شبابية أسست بالساحة “شباب نحو التغيير” وظلت ورفاقها على ثباتهم بمبادئ ثورة فبراير المجيدة.
بعد عشرة أشهر من ثورة فبراير، اكتشفت المناضلة “بشرى” أنّ النيات الطيبة لا تكفي لصنع ثورة بيضاء كما كانت تعتقد، وأنّ شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” صار كالسكين يتجوّل في حلوق الشباب، فما عادوا يعرفون كيف الصراخ ليسمعهم العالم؛ ولهذا رفعت صوتها مجدداً لتكشف عن حالة التسوية التي حدثت لإجهاض الثورة، فنسّقت ونظمت مع رفاقها لـ”مسيرة الحياة الراجلة” التي انطلقت من مدينة تعز باتجاه صنعاء، وبشعارات رافضة للمبادرة الخليجية، ومحاولات منح الحصانة للرئيس المخلوع “صالح”، ومطالبين بعدم إجهاض الثورة، واستكمال التحرّكات حتى تحقيق كامل مطالب ثورة فبراير.
مع اندلاع الحرب التي فجرتها مليشيا الحوثي الإرهابية، قصدت “بشرى المقطري” أهالي الضحايا، ممن فقدوا أقاربهم وأبناءهم جراء غارات التحالف العربي أو قصف المليشيات جميعها، زارت “بشرى”جميع المناطق التي استطاعت أن تصل اليها لتوثيق ما ترتكبه جميع الأطراف، وثقت بشرى معاناة من غابت أصواتهم طيلة فترة الحرب، ودونتها في كتابها “ماذا تركت وراءك.. أصوات من بلاد الحرب المنسية” والذي صدر لها عن “دار رياض الريس للنشر ” بيونيو 2018م، وصدر مؤخراً باللغة الألمانية بتاريخ 30 مارس 2020م.
كانت بشرى شاهدة على جرائم الحرب التي ارتكبتها وترتكبها أطراف الحرب بالبلاد، الإغتيالات، الإخفاء القسري، اعتقال الأصوات المعارضة للحرب وللفساد، وسياسة الحصار، وضحايا الأوبئة بالبلاد كالكوليرا وفيروس كورونا.
تميّزت بشرى بمواقفها الإنسانية والوطنية الجريئة والتي تعتمد فيها على العقل والمنطق قبل العاطفة رغم الرفض الذي قد تجابه به، وحصدت العديد من الجوائز منها فرانسواز جيرو للدفاع عن الحقوق والحريات من باريس والتي فازت بها في يناير 2013 لكتابتها الحاثّة على التسامح السياسي والتعاون المجتمعي، وجائزة قادة من أجل الديمقراطية من واشنطن و التي فازت بها في ابريل 2013 للمدافعين عن الديمقراطية والحريات وحقوق المرأة في الشرق الأوسط، وحصلت على جائزة “حسين العودات للصحافة العربية” في 2017م، وفي 16 مايو 2020 فازت بجائزة “بالم الألمانية” لحرية التعبير والصحافة.
لم تنصفها الحياة السياسية، والحسابات الحزبية، رغم كل ما قدمته بشرى، من أجل الديمقراطية والحرية، لكنها كسبت حب الجميع من مواطنين وسياسيين، سواء كانوا أصدقاء أو خصوم.
بشرى الإنسانة الصادقة، تجسد معاني الحرية والنضال بفكرها المتحرر من التبعية وقيود الإنتماءات الضيقة، منحازة دوماً لحرية التعبير وللقضايا الإنسانية والوطنية، وتمنح المحيطين بها شعوراً بالطمأنينة والثقة المطلقة، وسيخلدها التأريخ كرمز للنضال والتضحية والمرأة القوية التي لم تتخلّ يوماً عن إنسانيتها ومبادئها.