المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
في شمال اليمن كما هو في جنوبه مع الفارق الكبير تحضر بين الحين والآخر مشاريع سياسية واجتماعية ماضوية ممانعة لمجي المستقبل الذي يحلم به اليمنيين، وهذا الحضور المكثف – لاسيما عندما نجده يطفو على سطح المشهد ويمتلك بكل سهولة أدوات التحكم – يعبر في الواقع عن حقيقة وجود فراغات وثقوب مزمنه تراكمت بفعل الأخطاء القاتلة فأصابة مجمل البناء السياسية والاجتماعية وحتى النفسية، وهذه الفراغات تظل قابلة على الدوام ليتًسرب ( من خلالها ) كل المشاريع التي تعارض مبدأ الفكرة الوطنية على إختلاف مشاربها وتوجهاتها، السياسية والفكرية، فالمنطق التحليلي يقول حين ينتصر اللامعقول على المعقول بمنطق القاعدة وليس الإستثناء – كما هو الحال في اليمن – فإن ذلك يعني بكل بساطة أن الإختلالات السياسية هي نتيجة لمشكلة بنيوية عميقة، تتجاوز اللحظة الآنية،
اذا جاز لنا التعبير هنا نستطيع القول أن المستقبل في اليمن يصارع ماضيه بدون حامل سياسي مؤهل لحمل أثقال الفكرة الوطنية ومشروعها السياسي، وترجمتهما واقعياً في ترويسة المستقبل، وهذا يقودنا بطبيعة الحال إلى السؤال الكبير المتعلق بنجاعة المكونات السياسية التي تخوض معركة اليوم، وقدرتها على احتواء هذه التشعبات اللاوطنية واللا مستقبلية – في الشمال والجنوب- برؤية سياسية ديمقراطية وطنية تجعل من اليمن دولة ذات سيادة غير متجنحة في معادلات صراع وولأاة إقليمية، كما تجعل منها وطن لكل اليمنيين.
مشكلة المستقبل في اليمن أن شمالها بكتلته الصلبه إنسانياً وجغرافياً حتى القرن الواحد والعشرين مازال في حنيين دائم تجاه الماضي البعيد، بل نجح اليوم في استدعاء أحد النماذج التاريخية المذهبية إذ لم يكن اسوأها إلى ترويسة المستقبل ومخيال الحاضر بانقلاب عسكري، مايعني في النتيجة العمل على إزاحة الفكرة الوطنية ومشروعها السياسي من حاضر اليمنيين بقوة السلاح، وعندما حاول اليمنيين وحكومتهم الشرعية مقاومة هذا الحضور التاريخي وجدوا أن جنوب اليمن الذي لاجئو إليه مستعد للقتال معهم لكنه غير مستعد للحضور معهم في معادلة صراع يمنيه بمشروعه الوطني الذي تبلور في الجنوب منذ خمسة عقود، وأمام هذا التنكر للمشروع الوطني الكبير في اليمن، وجدت القوى الحاكمة في صنعاء من يتلقفها من خارج أسوار الوطن وكذلك الحال مع القوى الحاكمة في عدن، بينما ضلت الشرعية معلقه بالهواء.
بلا شك المشهد في اليمن يبدو اليوم معقد اكثر من اللازم لكنه غير مستعصي عن الحل، لاسيما وأن هذا الأخير يبدأ من النقطة التي يكون فيها الجنوب قادراً على الحضور الفاعل داخل معادلة الصراع بمشروعه الوطني، وهذا ما يجعل بعض القوى داخلياً وخارجياً تعمل على إعاقة حضور الجنوب بهذه الصفه !!
بطبيعة الحال هذا يقودنا إلى سؤال مشروع ومنصف في نفس الوقت، يقول كيف استطاع الحزب الإشتراكي اليمني أن يجعل من الجنوب حاضراً لخمسة عقود من الزمن بمشروعه الوطني، بل في سبيل التغيير في اليمن شمالاً وجنوباً ، في حين عجزت بقية المكونات عن صنع ذلك، وحتى عن حضور الشمال بمشروع وطني ؟؟؟