المواطن/ كتابات – خليل السفياني
اعلم انني لم اكن مشاركا في مرحلة تاسيس الحزب الاشتراكي ولم اكن من ثوار ثورة 14 اكتوبر ولم تربطني بتلك المرحلة وما قبلها وما اعقبها بسنوات الا كتب التاريخ وماكتب فيها ورواية الوالد وحديث القادة عنها.
لقد عشت في كنف الدولة المدنية ، دولة النظام والقانون ، دولة الأمن والأمان، دولة العدالة الاجتماعية ، دولة المؤسسات الوطنية التربوية والتعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية، ربما لم اكن استوعب تفاصيل التفاصيل لأني حينها كنت طفلا غريرا ارعنا، ولدت و وجدت كل شئ امامي معدا، وجاهزا لخدمتي من قبل أن آتي الى الدنيا وفي ساعات ميلادي في مستشفى الأمومة والطفولة إلى حليب الاطفال والرضاعة والأدوية الطبية التي كانت توفرها الشركة الوطنية للأدوية بابخس الاسعار وكلما كبرت سنة وجدت مؤسسات الدولة ترافقني وتفتح امامي الأبواب على مصراعيها، اخص منها على سبيل الذكر مؤسسة التجارة الوطنية، و المجمعات الاستهلاكية المنتشرة في عموم المديريات حتى لا نتحمل عناء العثور على ما نبتغيه ..
لم تتناسى الدولة الفتية التي قادها الحزب الاشتراكي اليمني بان تمنحني طفولتي التي يستحقها جميع أطفال العالم الحر بدءا من رياض الأطفال والحضانات مرورا بمرحلة بناء شخصيتي كمواطن مفيد معطاء له حقوق و واجبات، شخصية تفكر وتتحمل المسئولية وتشارك في الفعاليات الوطنية عبر مرحلة الكشافة التي اخذت مسمى آخر هو منظمة الطلائع ثم منظمة اشيد واتحاد الطلاب الذي يصقل شخصية الشباب وتعلمه دروسا تنمي وعيه وتطور من اساليب القيادة لديه وتهيئه للمشاركة في بناء الوطن عقب تخرجه من الجامعة ..
الحقيقة التي ادركتها بان دولة الحزب الاشتراكي لم تتناسى ايضا بان تمنحني جزءا من وقتي كي اروح فيه عن نفسي واشبع الجانب الروحي في حياتي اما بالقراءة وتشهد على ذلك مكتبة الفقيد عبدالله عبدالرزاق باذيب، رائد الفكر والثقافة الوطنية الديمقراطية بالاضافة الى المكتبات الخاصة أو بالترويح عن النفس في الذهاب إلى دور السينما المنتشرة في مختلف مديريات محافظة عدن وبالنسبة للارياف كانت هناك سينما متنقلة تشرف عليها وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما تجوب مختلف المحافظات الريفية والمناطق النائية..
كذلك المسرح وفرقة الرقص الشعبي وفرقة الإنشاد ساهمت كثيرا في صياغة هويتي و شخصيتي و وجداني.
لن انسى الدور الذي اضطلعت به الأندية الرياضية المنتشرة في جميع محافظات الجمهورية التي منحتني المعنى الإيجابي في المشاركة الاجتماعية وهذبت من أخلاقي في مفهوم الفشل والنجاح .. المكسب والخسارة ومواجهة ذلك بالابتسامة وتقبل الآخر .
المقارنات كثيرة ولن تنتهي لو ظليت احصيها وما لم انسيه تلك المبادرات الشعبية والطلابية في مواسم قطوف الثمار والفل والقطن وتلك الرحلات الجماعية البحرية والبرية على حافلات الدولة لزيارة مختلف المعالم الثقافية و السياحية..
لقد كنت أستمتع كثيرا بزيارة المعارض الثقافية والعلمية ومعرض المعارض الذي يقام سنويا في مديرية المعلا، فتلك جميعها كانت ملتقا لأبناء الوطن يروحون فيها عن أنفسهم ويشترون ما يريدون بأسعار زهيدة جدا جدا ..
سألت والدي ذات يوم من اين له كل تلك المبالغ التي تغطي احتياجاتنا؟؟ رد علي مبتسما بأن الراتب يغطي ويزيد فالدولة تدعم كل شئ تدعم التموين وتوفر كل شئ عبر شركة التجارة الوطنية واضاف قائلا بان تعرفة الكهرباء والماء بسيطة جدا .. والمواصلات العامة أيضا بسعر رمزي لا يكاد يذكر، والمستشفيات والمجمعات الصحية والمدارس جميعها متوفرة ومجانية واكمل حديثه مبتسما: “وفوق كل ذلك هناك وفر في مرتبي احتفظ به لمستقبلكم”..
اعلم ويعلم القاصي والداني ان الحزب الأشتراكي اليمني الذي بفضل قناعاته و نضالاته واصراره تحققت الوحدة اليمنية بل ظل يصارع ويقاوم كل التحديات التي واجهته بعد التآمر عليه محليا واقليميا ودوليا التي انتهت بشن الحرب عليه وعلى الجنوب في صيف ١٩٩٤م .
لقد استطاع الحزب أن يظل متماسكا قويا شامخا بفضل قاداته وكوادره الذين صمدوا أمام أقسى واسوأ الظروف والمعاملات التي واجهوها جراء سياسة الاقصاء والتهميش ابان نظام الهالك عفاش ومن تحالف معه وتمكنوا بجدارة وصبر في تفويت الفرصة عليهم من النيل من الحزب وتدميره رغم رهان الآخر على ذلك وهيهات لهم ذلك والى يومنا هذا خاصة الان فقد اصبحت وابناء جيلي والجميع الذين غيبوا عن تلك الحقائق والمنجزات التي حققها الحزب الاشتراكي في بناء دولة وطنية في جنوب اليمن، أصبحنا ندرك الحقيقة وان الحزب الأشتراكي اليمني ليس حزبا عاديا، وأصبحنا نعلم علم اليقين أنه الحزب الوطني العريق الذي انظوت فيه كافة المكونات السياسية الوطنية ذات الفكر القومي العربي التحرري الذي رفض الاستعمار والهيمنة الاستعمارية وانتصر لحرية وكرامة شعبه وتحقيق وحدته.
جميعنا اصبحنا نعلم – رغم التعتيم الاعلامي السابق وحرب التشويه للحزب التي صرفت فيها المليارات كي تطمس تاريخه أو أن تأتي بجيل يجهل ذلك التاريخ وقد اخطاوا التقدير بذلك فها انا وجيلي اصبحنا نعلم جيدا كيف ولد الحزب وتاريخه و نشأته وتطوره ونعلم ان اصحاب المصلحة الحقيقية التي يضعها الحزب نصب عينيه وفي مقدمة نضاله هي مصلحة الوطن والشعب معا ولا ثالث لهما.
اصبحنا نعلم ان الحزب الأشتراكي هو حزب وطني عريق بنى دولة نظام وقانون له تاريخ وارث كبير وبصمات عظيمه ومن هنا فاني اعاتب قيادات الحزب التي تضع نفسها ومكانتها في وضع يتماهى بتواضع مع بقية الأحزاب الوطنية ..
اعاتبهم لانهم يتركون المجال بدون مسألة لمن فشلوا في ادارة البلاد وإيقاف نزيف فشلهم ..
انني على قناعة تامة بأن مسئولية القيادة والتغيير تقع على الحزب الاشتراكي اليمني اولا لانه الأكثر تجربة وقد سبق له وبنى دولة وطنية ديمقراطية، هذه الدولة التي تم آلتآمر عليها و تدميرها من قبل أحزاب مازالت تصر ان تبقى في مقدمة المشهد السياسي ولو كنت مكان قياداتها وقواعدها لاحترمنا نفسنا وفضلنا التواري خجلا مما أقدمت عليه احزابهم في تدمير الوطن والانسان والارتماء في احضان مشاريع صغيرة ،مشاريع ولاؤها للخارج..
على قيادات الحزب الأشتراكي ان تواجه الجميع بحقها في قيادة المرحلة القادمة بمعية القوى الوطنية الأخرى وكل الوطنيين والشرفاء المهتمين بالشأن السياسي اليمني والكادر الوطني المتخصص من التكنوقراط اخاصة وان من حكم اليمن ما بعد ١٩٩٤م ومن تحالف معهم هم من اوصلوا البلاد إلى ما نحن عليه اليوم وبات عليهم لزاما أن يختفون من المشهد السياسي ويعودون ادراجهم إلى صف المواطن الصالح أو يختارون الخارج كما كان يحلوا لهم دائما.
على قيادة الحزب الأشتراكي ان يعلمو انهم دولة وليس حزب
مثل بقية الأحزاب التي صنعت لأجل مشاريع صغيره
لن يتوقف قلمي وسوف يظل يتنفس ويكتب ما ظل في نفس