فهمي محمد
يحدثنا التاريخ السياسي أن لويس الرابع عشر قال في وجه شعبه المحكوم وفي وجه النخب السياسية التي تتحدث عن فكرة التغيير السياسي والإجتماعي في فرنسا ={ أنا الدولة ! } وعلى أثر خُطاه في سبيل احتكار السلطة والثروة ، بالشكل الذي يعني أن أظل حاكماً والجميع محكومون تحت قدمي، أو يذهب الشعب للجحيم قال لويس السادس عشر ={ أنا وبعدي الطوفان ! } هكذا أراد الحكام من آل لويس أن يحكموا فرنسا وأن يكون مصير الشعب الفرنسي مرهون ببقائهم على كرسي السلطة والحكم.
خلال الزمن السياسي الممتد ما بين مقولة الاستبداد السلطوي الأولى وحتى تهديد الفرنسيين بالفناء والموت في زمن المقولة الثانية كانت فرنسا تحمل جنين المستقبل ={ الثورة الفرنسية الخالدة } التي منحت شعب فرنسا الحرية والعدالة وسلطة النظام والقانون ورمت أسرة لويس وحدها في جحيم طوفانها الموعود تجاه الأمة الفرنسية، بدليل أننا نتحدث اليوم عن ثورة لم تغير واقع فرنسا، بل غيرت وجه القارة الأوروبية وصدرت قيم الحرية والعدالة والمساواة إلى دول العالم، بعد مخاضات وانكسارات وطنية عاشتها فرنسا الثورة والحرية، مع الثورة المضادة التي تلقت دعمها اللامحدود من الحكام الأوروبيين – المستبدين- والمجاورين لمحيط فرنسا الثورة آنذاك.
انتصرت فرنسا الثورة والحرية والعدالة ، بل تحولت الثورة الفرنسية إلى حدث تاريخي على مستوى العالم ={ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان } وفي المقابل أخذت مقولة “أنا الدولة” ومقولة “أنا وبعدي الطوفان” شهرتهما السياسية الاستهجانية ومكانتهما الدلالية في قاموس الفكر السياسي الحديث، بحيث أصبحت المقولتين لا تعبر عن فراسة قائلها من الحكام الواقفين على رأس السلطة ولا تعبر في نفس الوقت عن تنبؤاتهم الوطنية ، وتحذيراتهم الحصيفة ، التي يجب الاستسلام لها ، بل أصبحت المقولتين تعبر عن عدم صلاحيات قائلها في مسألة تولي مقاليد السلطة والاستمرارية في قيادة الشعب حتى لا تتسع مساحة الطوفان السياسي الذي يصنع أسبابه هذا الصنف من الحكام الطغاة .
الفرنسيون بوعيهم السياسي قرؤوا في دلالة أنا الدولة وفي دلالة أنا وبعدي الطوفان أن فرنسا تحتاج يومها إلى ثورة تنقذها ومستقبل الأجيال من عبث العقل السياسي -اللويسي- ، كما أن الفرنسيين وهم يخوضون معركة الثورة لعقود طويلة لم يقولوا أن لويس السادس عشر كان قد حذرنا من مغبة الطوفان والفوضى التي ستحدث لنا في فرنسا بعد سقوطه من على عرش السلطة، كما هو حال المتحننين من اليمنيين على الرئيس صالح وخطاباته السياسية التي كانت تتحدث عن مصير اليمن بعد رحيله.
كان الفرنسيين يدركون أن الطوفان هو من صنع حكامهم المستبدين والطغاة وليس قدرهم الحتمي مع فكرة التغيير السياسي والإجتماعي نحو المستقبل الذي يجب أن يكون في فرنسا، ما يعني في حقيقة الأمر أن الإبقاء على الحاكم الذي يجاهر في وجه شعبه بالقول أنا الدولة أو أنا وبعدي الطوفان، لا يعني سوى منح هذا المستبد المزيد والمزيد من إمكانية تدمير مقومات الشعب السياسي وحتى الشروط الممكنة في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية ، خصوصاً وأن هذا الصنف من الحكام هو من يستخدم سلطته السياسية في تنفيذ مشاريعه الصغيرة اللاوطنية التي تفخيخ الواقع السياسي والاجتماعي حتى يظل المجتمع مع فكرة الثورة، مخير بين الاستبداد والفوضى وبين الفقر والمجاعة وبين واقع السلطة وواقع اللا سلطة، بدلاً من أن يخير مع فكرة التغيير السياسي والاجتماعي بين الاستبداد والحرية وبين الفقر والرفاهية وبين السلطة والدولة.
ذات مرة قالها الرئيس صالح بالحرف الواحد في وجه أحد المعارضين له، انا القانون وانا الدولة كما يذكر هذا الأخير في مقابلة معه على قناه الجزيره قبل ثورة 11 فبراير ، وقد قولها الرئيس صالح عندما حاول هذا المعارض أن يعترض على توجيهاته بنقل أحد المرشحين المنافسين لمرشح حزب المؤتمر في انتخابات مجلس النواب من دائرته الانتخابية إلا دائرة أخرى داخل العاصمة صنعاء دون أن يكون اسمه مسجل في سجلات الناخبين في الدائرة الجديدة، وأكثر من ذلك قول صالح مراراً وتكراراً في معظم خطاباته السياسية أن اليمن سوف تتصومل وسوف يتقاتل اليمنيين من طاقة الى طاقه وسوف تتقسم اليمن وسينفصل الجنوب عن الشمال وسوف تتشطر اليمن الى اربعه، بل اراد ان يختزل المستقبل في شخصه بكونه الحاكم القوي الذي يحكم اليمن على رأس الثعابين، وكلها مفرادات سياسية تندرج في دلالاتها السياسية تحت مقولة أنا الدولة وانا وبعدي الطوفان، بمعنى آخر هل كان صالح في خطاباته السياسية يحذرنا من خوفه علينا؟، ام يخوفنا بالمالات الكارثية التي سوف ندفعها بفعل سياسته في حال أن فكر الشعب اليمني في مستقبله؟ سيما وأن مستقبل الشعوب لا يتحقق إلا في ظل اختفاء السلطات العائلية وعلى حساب اي سلطة قبلية أو سلالية أو مذهبية أو جهوية أو أي سلطة شخصية تحول صاحبها أين كان إلى سيادة مطلقة فوق تاج السلطة الحاكمة، بمعنى آخر سلطة تجعل صاحبها ليس مستبداً سياسياً فحسب، بل قادراً على مجاهرة شعبه بالقول انا الدولة وأنا صاحب السيادة، وأنا وبعدي الطوفان، وذلك ما فعله الرئيس صالح وهندس واقع ومستقبل الشعب اليمني عليه وتحديداً من بعد حرب صيف 1994م.
يتبع….