المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
وحدها تعز بشبابها ووعيها السياسي نجدها في أحلك الظروف السياسية “قتّامةً” لا تموتُ وراء الجدار، ولا تصمت صمت القبور لكنها تفتحُ ثقبةً للنورِ في صلب الجدار!
قبل عقدٍ واحد فقط ، كان الرئيس صالح يعتقدُ “جازماً” بأنه نجحَ بشكلٍ كبير في استكمال بناء جداره السياسي والعسكري الممانع لفعل التغيير السياسي والديمقراطي في اليمن؛ يومها بدأ لبعض رموز نظامه من فرط هذه الثقة بالنفس (المقرونة بالرغبة الدائمة والجامحة في الإمعان بالتمجد الولائي للحاكم ) ممارسة شيءٍ من الإستعراض لفائض القوى بمنطق سياسي يقول لليمنيين : أن عداد العملية الديمقراطية الإنتخابية في اليمن أصبح غير ملزم بالضرورة ، وأنه قد حان الوقت للإقدام بكل بساطة على قلع العداد دون اعتبار للفرقاء السياسيين ــ الذين أظهروا موقف متصلب في التعاطي مع مراوغة الرئيس صالح وحزبه الحاكم في اليمن ــ وكأن لسان حال هذا المنطق المتعالي سياسياً والخالي من الفطنة والذكاء السياسي كان يُكرر منطق فرعون المتأله في الأرض قبل قرون كما يخبرنا عنه القرآن الكريم { أليس لي ملكُ مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي }؟ !!! .
هذا التلويح السياسي السمج بـ { قلع العداد } كان يؤكد استعداد النظام الحاكم في صنعاء على الذهاب بالأزمة السياسية مع المعارضة إلى أبعد مدى؛ بدلاً من التعاطي الإيجابي مع مطالبها التي بدت يومها بلاشك تعدُ من المسائل الضرورية في السياسة والديمقراطية وفي العملية الإنتخابية التنافسية.
فالنظام الواثق من سماكة جداره أصبحَ بمنطق الأغلبية العددية وبمنطق القوة العسكرية والسياسية والمالية ــ غير مؤهل سياسياً وأخلاقياً للتعاطي والتواضع في الحوار مع المعقول السياسي والديمقراطي ــ لذلك بدا له من فرط جهله الثقافي والفكري بسنن وقوانين التأريخ ، أنه قادر على إلغاء فكرة الحساب “الجوهرية” في صيرورة العملية الديمقراطية في اليمن ، وهو ما أدى إلى تجميد المشهد عند نقطة الترحيل السياسي لقانونية الإستحقاق الإنتخابي { أزمة سياسية} وبشكلٍ أصبح معها أن سنن وقوانين التغيير الديمقراطي بدت قابلةً للتعطيل أمام منطق القوة العابثة والحاكمة في اليمن ، ما يعني في النتيجة : أن الأزمة السياسية بين السلطة والمعارضة حتى مشارف عام 2011 كانت تدور بطريقةٍ حلوزنية دون أفق سياسي ناجح يَبعثُ الأمل !
على إثر هذا الإنسداد وتحديداً في 11/ فبراير 2011/م، قررت تعز أن تثور بشبابها وحلمها المتعثر منذ انقلاب 5/ نوفمبر1967/م، وحين ثارت تعز الحالمة ثارت جل محافظات اليمن معها ، وشهدت البلاد أعظم ثورة جماهيرية وشعبية ، في وجه حاكمها الذي بدأ ينقش اسم جده الفلاح على بعض المعالم العامة { جامع الصالح ، مؤسسة الصالح …}؛
ربما حلم توريث السلطة في ابنه الأكبر( قائد الحرس الجمهوري القوة العسكرية الضارية في اليمن) رافقه على نفس الصعيد حلم تغيير اسم اليمن إلى مملكة الصالح “احتذاءً” بالدولة المجاورة؛ لذلك بدأ بترويض الذاكرة السياسية والإجتماعية لليمنيين على قبول هذا المصطلح وتداوله= { الصالح } لاسيما وأن الرجل كان واثقٌ من سماكة جداره الممانع في وجه التغيير السياسي ، لكن تعز الحرية والإنسان فتحت ثقبةً للنور في جداره السميك ، وقالت كلمتها التى أطاحت بحلم الفرد لصالح المجتمع ، ما يعني في النتيجة أن ثورة 11/ فبراير 2011/ عملت في المقام الأول على ضبط صيرورة التغيير والتطور ليس بمنطق القوة والغلبة؛ وإنما بمنطق العدل الذي يقفُ خلفه ملايين من الجموع الثائرة على القهر والإستبداد والفساد …إلخ في طول البلاد وعرضها؛ لكن مشكلتها -أي الثورة- أنها كانت في عام 2011 كتاب مفتوح قرأ في أسفارها ، بل سابقَ في ذلك عدد غير قليل من الإنتهازيين والمتسلقين وعشاق السلطة والفاسدين الذين يعملون اليوم من موقع المسؤولية على تدوير الفساد في سلطة الشرعية ، ومع تدوير الفساد لاسيما في ــ تعز الحالمة ــ يتخلقُ في المقابل فعل تدوير ثوري لمسار الثورة ليس على نظام صالح وحزبه؛ ولكن على حكام الشرعية الفاسدين في تعز أو العاجزين من موقع المسؤولية على تصحيح الفساد.
إنه عشق تعز لمواصلة الثورة .