فهمي محمد
من سلطة صالح إلى شرعية عبدربه
مع تلاشي فكرة الدولة الوطنية من بعد حرب 94 ( دولة الوحدة اليمنية ) أصبحت السلطة الحاكمة في صنعاء غير قابلة للشراكة الوطنية أو حتى للقسمة الغنائمية بين القوى التي تحالفت سياسياً وعسكرياً في 1994/ وفجرت حربها الإنقلابية على المرجعيات السياسية الوحدوية في يمن ما بعد الوحدة، ناهيك عن أن الديمقراطية من بعد الإنقلاب أصبحت غير قادرة على تحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة بين المكونات السياسية = { الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة } فنجاعة الديمقراطية فيما يتعلق بمبدأ التداول السلمي للسلطة يتحقق في ظل الدولة المدنية، والوجود التأريخي والسياسي لهذه الأخيرة تحقق بعد أن شكلت الدولة الوطنية مقدمة سياسية لها = { التراكم السياسي في فكرة الدولة } وإذا كان ماحدث في صيف عام 94 إنقلاب عسكري على مشروع دولة الوحدة اليمنية لصالح حضور السلطة الحاكمة تأريخياً في اليمن، فإن ذلك قد جعل كل الإنتخابات الديمقراطية التي حدثت بعد حرب 94 تزيد من هيمنة وقوة صالح وحزبه الحاكم وتضعف في المقابل من دور وحضور أحزاب المعارضة في اليمن وهذه نتائج طبيعية غير مستغربة عندما تجري في أي بلاد ممارسة العملية الديمقراطية في ظل وجود سلطة حاكمة وليس في ظل وجود دولة ضامنة بالمعنى السياسي لهما .
بعد أن نجحت آلة الحرب في صيف 1994/ م من تحقيق الإنقلاب الشامل على المرجعيات الوحدوية ركز الرئيس صالح بدعم من حزبه – المؤتمر الشعبي العام – جل اهتمامته على مؤسسة الجيش لكونها مصدر القوة في بسط سلطته السياسية، فتم تسريح الكثير من قيادات وضباط الجيش في الجنوب وفي المقابل أقدم على فعل تغيرات جذرية فيما يتعلق بالقوة العسكرية الضاربة داخل مؤسسات الجيش والأمن في الشمال وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بتصعيد ضباط جدد إلى قيادة الألوية العسكرية والأمنية، وقد عمل هؤلاء الضباط الجدد في تغيير العقيدة الولائية / القتالية / للجيش والأمن تجاه الرئيس صالح وأفراد أسرته باشخاصهم بدلاً من عقيدة الجيش والأمن / القبلية / الزيدية جغرافياً وليس مذهبياً / والتي كانت سائدة في الشمال منذ إنقلاب 5 نوفمبر 1967/م.
كان مثل هذا التوجه يهدف إلى تعزيز مفهوم السلطة الفردية والنفوذ الشخصي/ الأسري / العسكري والحزبي / للرئيس صالح، خصوصاً بعد أن تمكن من تعين نجله الأكبر قائد للحرس الجمهوري الذي تحول بفضل عدد ألويته المتزايدة وتدريبها وتسليحها النوعي إلى قوة ضاربة في البلاد وكذلك تعين إبن أخيه أركان حرب الأمن المركزي، والقائد الفعلي للأمن المركزي، وهذا لم يتم على حساب فكرة الدولة فحسب، بل على حساب حلفائه الاستراتيجيين في تحالف الإنقلاب على المرجعيات الوحدوية = { 1- القبيلة السياسية التقليدية التي مثلت منذ إنقلاب 5 نوفمبر 1967/ م عصبية سياسية داخل مؤسسات السلطة المدينة والعسكرية تدين بالولاء لشيخ القبيلة، 2- حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تنامى حضوره بشكل متزايد داخل مؤسسات السلطة والجيش بعد مشاركته الفاعلة في حرب صيف 94 وخروج الحزب الإشتراكي من السلطة } ناهيك عن أن مثل هذه التغيير على المستوى العسكري قد خلق حالة من الإنقسام العمودي في الولاء /الشخصي / الغير وطني / داخل مؤسسات الجيش بين الولاء من جهة أولى للواء على محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع وإلى جانبة عدد من الضباط القدماء الذين لم يتقبلوا فكرة توريث السلطة في أسرة صالح وقد ظل هؤلاء الضباط في حالة تحالف وانتماء مع القبيلة السياسية التقليدية ومع حزب التجمع اليمني للإصلاح، وبين الولاء من جهة ثانية للرئيس صالح والقيادات العسكرية من أفراد أسرته والضباط الجديد، وإذا كان هؤلاء قد عملوا على خلق ولاءآت قبلية جديدة داخل القبيلة السياسية التقليدية إلا أن حزب المؤتمر الشعبي العام ظل يمثل عمقهم الجماهيري والسياسي على المستوى الوطني، خصوصاً وأن الحزب ظل يسيطر على أجهزة ومؤسسات السلطة الحاكمة، الأمر الذي جعل صالح بعد إنتخابات عام 1999/ م في حالة غنى عن تحالفه الإستراتيجي مع حزب التجمع اليمني للإصلاح وفي حالة غنى عن دعم القبيلة السياسية التقليدية التي كان يقف على رأسها الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، أو بمعنى آخر استطاع صالح دون اكتراث أن يقصي حزب الإصلاح لصالح حزب المؤتمر مع أن حزب الإصلاح أعلن أن الرئيس صالح مرشحه في انتخابات 99/ وأن يقصي القبيلة السياسية التقليدية لصالح عشيرته وأسرته وبشكل جعل مصطلح الجيش العائلي يحل محل مصطلح الجيش القبلي الذي كان يتم تداوله في القاموس السياسي قبل حرب 1994/ م .
يتبع….