المواطن/ كتابات – علي عبدالفتاح
الإهداء إلى: ميخائيل غورباتشوف السياسي الاستراتيجي الكبير وإلى رموز البديل الديمقراطي التاريخي اليمني القادر على انقاذ الوطن وتنميته الجادة وعلى رأسهم الرئيس جمال السلال أو من يحمل سماته, ثم نائبيه: الزبيدي والمشاط وترويكته السياسية الجادة والوطنية الديمقراطية الحرة في ظروف تماسك الجبهة المعارضة العريضة الأعرض المتفاعلة الضامنة لنجاح الكونفدرالية فالفيدرالية فالاندماج العضوي الصلب للحمة الوطنية اليمنية المستدامة المزدهرة التي لا تعرف الانتكاسة أو التقهقر فالانحطاط.
أبدأ الحلقة الأخيرة من مقالي حول الحرية الدستورية بالتأكيد بأني في هذه اللحظات وفي هذه المرحلة أنسجم سياسياً مع المثالية الإيمانية كضرورات كبرى انتقالية قائمة على اشتراطات اجتماعية سياسية انتقالية أيضاً وعلى دفعات متسلسلة متدرجة على طريق التحول الديمقراطي السلمي المرتبط بعالمنا المتغير الديناميكي الراهن وأثر ذلك في استعادة المبادرة الراهنة ولو أولياً لدى الشعوب والظهور الأولي الراهن للآمال العراض لدى شعوب الكوكب على هذا الطريق في ظروف التحالف الشيوعي ــــ الديني الموضوعي الممكن من حول الكوكب لدرء الفاشية وإرهابها بنوعيها اليميني واليساري الفارضة قسرياً وتعسفياً لوجودها الشاذ, فالمحاولات لتأبيدها المأزوم المفلس وتساوقاً تالياً مع مجرى الاعلام التقدمي الحر العلني المسؤول والجماهيري الذي ينشد رسمياً متدرجاً الخوض داخل غمار التصورات الدقيقة الجديدة المادية الديالكتيكية المتطورة المبرهنة بعيداً عن الدعاية العلنية للإلحاد بعامة والإلحاد المسفّ بخاصة, وكل ذلك في حالتي إنما هو مقاربة المثالية الإيمانية الجماهيرية لدى المتعلمين أو المثقفين المؤمنين المتوغلين ولو نسبياً في داخل زخم الثقافة المعاصرة والدروس التراثية بخاصة والدينية الإيمانية بصفة أخص ومعاً لا المنعزلين تماماً عنها وذلك أيضاً دون إغماط للأفكار وللآراء المادية الصريحة التي تنأى عن نفسها المس أو المساس بالذات الإلهية المقدسة والذي أرجو أن يكون سلوكاً ونشاطاً بعيد المدى إن لم يكن مستداماً كما أنني أحاول إيقاظ أعضاء حزبنا من غمار التجريبية الديمومية السائدة لدى الحزب منذ أن كان الحزب ولا يزال حيث تستمر الرومانسية والميكانيكية القائمة على عبادة القوة والمتلبسة سراً بالميتافيزيقية راهناً وإغماط الديالكتيك ومجافاة التنظير والنظرية والقذف المبتذل للدين والمتدينيين تحت أوهام الصراع والتنابذ أو باسم الحداثة والمدنية في ظروف أغلبية كاسحة لما يسمى بالتقليديين داخل صفوف شعبنا ونحن نزعم أننا نناضل من أجل الشعب, عموم الشعب… وإعلاء مصالح وشأن المواطن الحر فوق أي حزب من الأحزاب التي تدعي جميعاً أنها تمثل المواطن كما تمثل الوطن.
هذا ونحن جميعاً نعلم أن هذا السلوك الخاطئ المشار إنما هو خدمة مجانية أو مدفوعة الثمن لسياسات (المطابخ) هنا وهناك وهي تستميت في الدفاع عن الكرسي اللاشرعي المنوي الاستمرارية الدائمة لا السيادة السياسية والقيمية المنظومية للوطن والمواطن ـــ الشعب في محاولة لتفعيل (فرّق تسد) و(فرق تسد) لا غير المؤدية إلى الصراعات التي لا تنتهي فالعودة إلى الخلف لعقود لاسمح الله.
هذا ووفقاً للمثاليين المحدثين الإيمانيين فإن الله سبحانه وتعالى قد أوحى من عندياته المقدسة أي من علمه اللدني اليقيني المحفوظ ما استودعه من سنن ونواميس كقوانين موضوعية مبثوثة في حركة المادة أي في حركة كينونة الأكوان المادية اللامتناهية بحراكها الزمكاني المرحلي المتناهي فالممتد الأخلد بهدف الوصول أخيراً لا آخراً إلى صورة الله المتوضحة في أسمائه وصفاته وآياته كما ينبغي أن يتمثله الإنسان الأكرم وهو يعمّر الوجود المادي الكوني على ترابطاته وكيفياته النوعية المختلفة تاريخياً وعلى صورة النتائج السببية المتفاعلة المتبدلة ولذلك كان عموم الصادقين الجادين المعانين من كل لون ووظيفة أو مهنة أقرب أفراد البشر إلى صورة الله تعالى ومنهم وأرقاهم الرسل والأنبياء والأولياء والعلماء فيما كان الماديون السابقون جميعاً وبخاصة فورباخ الفيلسوف الأنثروبولوجي يرون العكس إذ أن الإنسان في رحلته التاريخية الطويلة وتجاربه أو تجربته القاسية بل المعذبة فشبه المنفرجة فالمنفرجة إلخ إلخ قد انعكس في الأذهان البشرية في صورة (فكرة) الله مستعينين بوقائع وحقائق نشأة الأديان الوثنية عند فجر الوجود البشري المتوحش المتأخر كما رصدت ذلك العلوم المختلفة الدقيقة المبرهنة الحديثة فالمعاصرة وقبل ذلك تأملات وتأويلات الفلاسفة والمناطقة الماديين والمثاليين الأقدمين معاً باستثناءات محدودة متأثرة ببقايا التصورات الوثنية حيث كانت نشأة الأديان الوثنية القريبة من مستوى أوضاع وذهنية البشرية البدائية الطفولية الناشئة في القدم البائد وعند المتأخرين الأحياء في عصرنا والمنعزلين تماماً عن علومه وإنجازاته الكبرى ورسالات الأديان التوحيدية الحضارية والتي جاءت على أنقاض الآلهات الوثنية بصفاتها وخصائصها المتعددة المتنوعة بل المختلفة جنسياً ونوعياً وإثنياً ووظائفياً في اتجاه ارتباط البشر المستمر لحركة عموم التطورات الثقافية البشرية ومنها الرسالات الأرقى حضارية حسب السببية, حسب الصيرورات الطبيعية فالاجتماعية البشرية.
إن نشوء ومجيء التوحيد الصمدي الأوحد الموافق لإرهاصات رشد الإنسان ونضجه البنيوي والحضاري حينئذٍ بعد عبادة الأوثان المتدرجة في بحوثاتها المتتابعة نحو فهم كنه وكمال الآلهة والطمأنينية الراسخة لها والتي أي الوثنية قد انزاحت كثيراً موضوعياً أو قسرياً لدى البشرية لصالح كمال صورة الله الإيمانية المثالية الذي ليس كمثله شيء وأثر السببية في تعميم بعض سماته الإله الكامل تعالى على البشرية التي تتقدم وتتطور ومن أجل ذلك ومن أجل هذا التعميم السببي على البشرية الآتية المحتمة لاحقاً ابتدئ الرب الرحمان الرحيم حركة الوجود المادي بقوانينه وصيروراته الشيئي منها والكوني عبر تأكيد العلاقات السببية في حركة المادة كما يؤكد المثاليون المؤمنون وبالتالي عبر الأكوان المادية الفلكية اللامتناهية فالتركيب الجيولوجي المادي لها ككوكبنا فأشكالها الفيزيائية المختلفة المتفاعلة المتبدلة مع نشأة الظواهر الكيماوية معاً وهو ما اكتشفه الانسان لاسيما في مجموعتنا الشمسية وفي كوكبنا المواتي النابغ خصوصاً حتى النشوء التالي الكيفي الجديد في الظواهر البيولوجية, إثر تمهيد مسبق من الظواهر الكيماوية وغيرها المذكورة ككيمياء الشمس وتفاعل الايدروجين أو الهيدروجين بصدد الهيليوم وغيرها من الإشعاعات الحرارية الضوئية المغناطيسية الحركية وكيمياء الصخور الجيولوجية والأعماق الصخرية فالمعدنية الناشئة من الضغوطات والتفاعلات الفيزيائية الكيميائية المتبادلة والمتبدلة وبروز الأحواض الانزياحية (التكتونية) قد أفضى إلى نشوء الكيماوية العضوية المادية المختلفة المتفاعلة المتبدلة كأساس لبذور الحياة كما تؤكد العلوم المختصة وبالتالي أساس نشوء البيولوجيا وتطورها عبر سنن وقوانين التبادلات المتبدلة مما مهد عبر التنمية الطبيعية للظواهر الحية ابتداءً من العضويات الدقائقية شبه الحية فالحية ثم النباتات ولاسيما الحيوان فلما يليها تاريخياً وجديداً عبر بعض التوسطات الانتقالية ألا وهو الإنسان الأكرم وأثر نجوم الشكل البيولوجي وتطوره فاكتشاف سنن وقوانين هذا التطور إلى تعمق الخلاف بين المادية والمثالية بتفسيراتهما المتناقضة المتعارضة حولها وحول الكثير من الظواهر أكانت ميكروية جسيمية تموجية أو ماكروية فلكية كبرى ذلك بأن الماديين يرون جازمين لأسباب وبراهين متكاملة أن المادة حركة متطورة ديمومية أبدية فإنها بالتالي لا تنشأ ولا يمكن أن تنشأ كما لا تزول ولا يمكن أن تزول في حدود قدرة وفعالية المادة والإنسان والعلم المتحركين المتطورين أبداً وإنما الولادة والموت للأشياء والظواهر المتناهية كـ(الإنسان الفرد) فيما مادته تستمر في التبدلات في اتجاهات كيفية أخرى أو كـ (الإنسان المجموع) التي يمكن أن يهلك بانطفاء كوكب الأرض أو تذريه جزئياً أو جسيمياً حيث تبقى المادة لها خصائصها الكيفية الأخرى المختلفة وبالتالي يمكن اعتبار مثال انطفاء وظائف بعض النجوم والشموس لصالح كيفيات أخرى خطيرة الفاعلية كدليل على ذلك حيث تسمى حينئذٍ بالثقوب السوداء التي تجذب المجموعات الكوكبية والأجرام والمواد القريبة منها وتدمجها بها كما يؤكد ذلك علماء الفلك بملحديهم ومؤمنيهم. هذا والمصير نفسه تنتظر مجموعتنا الشمسية حيث تستنفذ طاقات كتلتها القائمة ولذلك كان عموم النشاط البشري وعلى العلم بخاصة ما ينبغي التفرغ أبداً له أو لهما لا للصراعات العقيمة بأن يستفيد من تلك وهذه التبدلات الكيفية للحصول على البديل اللامستنفذ أو تمديده الذاتي الموضعي.
وفي الواقع ومقاربة للحقيقة فإن العلماء المثاليين المؤمنين لم يعد يفرضون التقدم و التطور وحتى الصيرورات الديمومية وإنما يشككون ويرتابون في قضية أو مسألة بداية حركة المادة في الزمن التاريخي السحيق الأقدم وهو ما يوصلهم بحمدالله إلى كائن أعلى خالق لهذه البداية وهو ما لا يقبل به الماديون الذي يعتبرون ـــ إلى جانب مسائل أخرى ـــ ديمومة حركة المادة وتبدلاتها وتحولاتها الكيفية الأخرى عبر كل الأزمنة المرصودة والمبرهنة فيزيائياً وفلكياً والمتنبأة بالمسقبل التالي يعتبرون ذلك دليل انتفاء البداية لحركة المادة تماماً كالمؤمنين الذين يتخذون من ديمومة الإله سبحانه دليلاً على وجوده تعالى المنزه من النشوء والولادة يقول القرآن الأخلد: (قل هو الله أحد.. الله الصمد.. لم يلد ولم يولد.. ولم يكن له كفؤاً أحد) صدق الله العظيم ولكن الأهم الآن هو في طبيعة حركة هذه السجالات الذي لم يعد تترتب عليها سوى استواء روح التسامح والنقاش والحوار الحضاري التقريبي لا الحدي القاطع عوضاً عن التوترات والحدية أو التنابزات الصراعية اللعينة.
وبالنسبة للمؤمنين السياسيين وغيرهم وهم غالبية قطاعات شعبنا لم يعد لهم الآن نفساً صراعياً محتداً ضد الاشتراكيين مثلاً لاسيما على الصعيد السياسي طالما لم يعد للاشتراكيين تطلعات لإمحاق المصالح الاجتماعية بدون بدائل موضوعية لائقة أو مع هذه البدائل وذلك للمواطن لاسيما وهذه المصالح أصبحت في أساس متغيرات اقتصادية جارية نحو الافقار العام تحت تأثير انعكاس الأزمة المركبة النهائية للاحتكارات الشائخة وتناقضاتها الانتاجية والاقتصادية السوقية وتضخماتها المالية النقدية والسلعية وتدهوراتها السياسية والقيمية المنعكسة على بلداننا القادرة على أن تدرأ ذلك كما أوضحنا مراراً وتكراراً في حديثنا عن البديل التاريخي الديمقراطي الجاد اليمني, كما لم يعد للاشتراكيين على ضوء التنوير الشامل الجاري للأفهام من حول العالم أي إلحاحات على فرض الالحاد أو فرض التقدم أو الاشتراكية بالمعنى القديم الرمادي لها. بل هم المقترحين العلنيين لاعتبار الشرع المصدر القيادي الأساسي الرئيسي للتشريع وضرورات الانضباط للدستور التوافقي الضامن للحراك الاقتصادي السلمي الحر لسائر مصالح قطاعات شعبنا باستثناء اللادستوريين من الطفيليين والفسدة وهكذا بني وطني فالاختلافات الآن وهي موضوعية لم تعد خاضعة للفرض والقسر والإرغام والتعسف لاسيما والجميع يرفضون حرق أو قطع المراحل من أجل الاحتكام إلى المسار الاقتصادي الموضوعي التراكمي ومكتسبات اقتصاد السوق الحر بمثل ما يحتكمون إلى المسار السياسي السلمي الديمقراطي الحر ونشر البرامج والدعاية والدعوات فالأنشطة المنضبطة دستورياً على سائر المجالات والمستويات.
إن الاختلاف المادي ــ المثالي والتحرري ــ المحافظ إنما هو اختلاف موضوعي لأسباب كثيرة وجيهة راهناً ومرحباً به عند الجميع ولكن الأهم والمهم والجديد الحادث هو التخلي المنهاجي المتنامي للعالم الحضاري الراهن لأي شكل من أشكال الفرض القسري والإرغامي والتعسفي لأي رأي أو مبدأ أكان ذلك للتقدم أو الاشتراكية كما ذكرنا سابقاً وكذا للسياسات والأيديولوجيات والأهداف والبرامج تحت أي مسميات كانت بما في ذلك ما يسمى باحتكار الحقيقة والمبادئ والعقائد لأن لها كنتائج تأثير حتمي في الفرض وعودة الطغيان والاستبداد واستمرار البيروقراطية الفاسدة الذي يعني في المحصلة الراهنة (المراوحة) الاقتصادية ــ الثقافية بل الانهيارات وفقدان المكتسبات التاريخية وإنما على العكس حيث ينبغي أن يكون الاختلاف دائماً وهو الآن يسمى اختلافاً لا خلافاً أن يكون رحيماً وتسامحياً محترماً لمواقف وأفكار وآراء كل الأطراف لأن ذلك يعني تدافعاً قرآنياً رحيماً يفضي إلى استمرار المكتسبات وحركة التطور لا المراوحة فالكوارث لذلك يرى غورباتشوف وهو النظري السياسي الكبير (إن تأجيج الصراعات لم يعد له معنى) وذلك في راهنية عصرنا حيث للنتائج التقدمية العظيمة المتحققة لحركة الاحتكام إلى التوافق الديمقراطي السلمي الحضاري المتتابع وكذا الاحتكام إلى نتائج التقدم العلمي المنظومي لا التكنيكي المهم فقط وفي ظروفنا الراهنة ظروف الضرورة الاجتماعية المفسحة بل المؤكدة للحرية المتعممة أصبح التغير المفتوح السلمي مضموناً كما أصبحت تأثيرات العلوم والوسائل محسوساً فمثلاً حصرياً أصبح تطور العلم التكنيكي والبيولوجي وحدهما وهما اللذان يمثلان نوعياً الحامل المادي للكائن الاجتماعي الغائي التاريخي الهادئ أي الهادف نحو مقاربة الكمال قد أصبح عملياً يساهم في اتجاه إعادة ترتيب ما هو تكنيكي وعضوي بيولوجي لصالح ما هو اجتماعي ثقافي غائي وهادف نحو انبلاج الطاقات الروحية الحرة المهولة للإنسان وقس على ذلك سائر التقنيات المتشعبة وسائر العلوم المتكاثرة وهي التي استهلت الوجود والنشوء من خلال الضغوطات الكلاسيكية الغليظة الأقدم أي ضغوطات الأشياء والظواهر الموضوعية البدائية فالمتشعبة المتضخمة ابتداءً فالضغوطات اللاحقة الأخف والتوترية للعصور الحديثة وصعوداً عبر ومن خلال (الممارسة ــ التفكير) المادية الاجتماعية المخية والعصبية المتفاعلة مع تلك الضغوطات الكاسحة المتبدلة عبر ومن خلال الحواس فالحاسة السادسة المادية الثقافية التي أصبحت لصيقة يومياً بالإنسان العاقل ــ الناطق ــ العاقل والمشتغلة ــ المعالجة للموضوعات وأثر ذلك بعد تسلسلات ممتدة في ظهور الأحاسيس العصبية المخية كصورة اجتماعية ذاتية مخية ناسخة لصور وتركيبات الموضوعات أي الأشياء والظواهر الضاغطة التكرر الناجم عن طبيعة الممارسة الضرورية الاجتماعية حينئذٍ ودائميةً وعبر إلحاح الحاجة والضغط فالاشتغال والمعالجة ـــ (وإن كنت آسفاً على استعمال وتكرار مفردتي الضغط والضغوط لأن ذلك بات يتناقض مع الأهداف النبيلة السامية المنطقية والضرورية للحضارة المتعممة الراهنة والمتطورة) علماً بأن الممارسة البشرية الاجتماعية الانتاجية فضلاً (عن الممارسة العلمية أو الثقافية أو السياسية) بعد ظهور الإنسان العامل الناطق العاقل قد انعكست كما أشرنا في ظهور الأحاسيس الذاتية في الدماغ التي تتطور مع استمرار وتكرر الممارسة المتعمقة داخل الموضوعات ـــ الأشياء ــ الظواهر المتفاعلة المعالجة في نفس الوقت التي تستمر فيها التراكمات الكمية التطورية للأحاسيس في صورة تنامي إدراكات حسية كيفياً فتصورات حسية كيفية أيضاً ببعديها الاستيعادي والتنبؤي حيث سرعان فوراً ما يؤدي طفروياً إلى نشوء المفهوم الروحي الطابع داخل الدماغ وحركته التكاثرية التطورية أيضاً المرتبطة بتلك الأسس الموضوعية المادية وأثر ارتكاسات الدماغ لذلك تواً في انطلاق دلالات المفهوم أو المفاهيم التنبيهية الإشارية النوعية الجديدة عبر الجهاز المادي العصبي الفسيولوجي الناقل لمنتجات الدماغ الروحية إلى ألياف الحواس فالحاسة الجديدة السادسة ألا وهي الأدوات والوسائل التوسطية نحو التفاؤل المعالج للموضوعات ــ الأشياء حيث تنشأ المعرفة وتتطور معضودةً مسنودة بغلاف مادي وهي الحركات والصوت فالنطق فالكلمة فالعبارة مؤكدة اللامفهوم أو عبارة بلا نطق أي بلا مادة ومؤذنة بنشوء نظام التنبيه والتنبه الثاني الأخير الذي يستمر نسقه التطوري الجاري عبر الانعكاسات والتآثرات فالارتكاسات المتبادلة مع نظام التنبيه الإشاري القديم بإشاراته وتنبهاته الخشنة الدالة مما يعمق التفكير ويعمق دلالة الفكر ودقته المرتكزة بدورها في دواخل مضمونيَّ وجوهريَّ كلٌ من الأشياء والتأملات في آن والمستمرة في حدود ديمومة الإنسان بل والتطور المستمر للأتمتة والسبيرنطيقا الراهنتين.
إن انبثاق الوعي, المثالي, الفكر, الروح داخل الدماغ الانساني ومنه على طريق التأثير المادي عبر الغلاف المادي الصوتي والحركي والنطقي فالكلمة فالعبارات قد عُني بداية نفوذ الضرورة الاجتماعية والتراجع الأولي للسيطرة المطلقة للضرورة القديمة الطبيعية.
وعوداً على بدء كانت الحيوانات الاعلى الأرقى منظومياً أساس انبثاق ونشأة شبه الانسان الانتقالي الوحشي المستفيد من الادوات الخشنة الموجودة موضوعياً في الطبيعة والحياة والتي على أساسها أي الأدوات الخشنة التي تم التقاطها الجاهز واستخدامها أسوة بالحيوانات الأرقى ثم تشذبها عشوائياً عفوياً نسبياً عبر الضرورة ــ الحاجة فالممارسة المتكررة الدائمة مما أفضى إلى نجوم متدرج لحركة الافتراق عن شبه الإنسان الوحشي وعن الأسلاف المباشرة من تلك الحيوانات الاعلى الارقى لتضمحل ظروف تواجدها الطبيعي إلا تلك التي تستمر مع استمرار تلك الظروف ولو حيزاً محدوداً متاحاً متفاعلاً الأمر الذي أفضى إلى نشوء الانسان البشري القطيعي البدائي الأكثر تطوراً الذي استمر لمئات الآلاف من السنين في اتجاه تميز كينونته الناجمة عن تطور علاقاته اليومية بتلك الأدوات التي أصبحت منتقاة ثم مشذبة في اتجاه التصاقه اليومي فالمنظم المنضبط لها وأثر ذلك في ظهور الجنين الأول البدائي للثقافة أي الأدوات المشذبة المهذبة وانعكاساتها على التهذب البدئي الأول للإنسان نفسه فنمو انتاجية عمله ــ عملها علماً بأن العضويات جميعاً كالدقائق الحية ثم النبات ولاسيما الحيوان قد ظهرت مرتبطة ومتأثرة بالتغيرات البيئية ــ الجينية المختلفة المورَّثة والمورِّثة التي كانت أيضاً سبباً لافتراقها عبر صفاتها وخصائصها وعلاقاتها الجينية التشريحية والعصبية فالحواسية فالمخية عن الانسان البدئي الذي سرعان ما تميز بالقوام المنتصب أولياً مقارنة بالانتصابات المتلكئة السابقة بل الاسبق لتلك الحيوانات الأرقى التي التقطت بعض الادوات الطبيعية واستخدمتها والتي عرفت الصرخات والتأوهات المتبادلة بينياً ومع مجموع القطيع ومع الانسان الصارخ المتأوه بدلالة مختلفة نفسياً مع اختلاف البيئات الاجتماعية والتفاعل الانساني ــ الانساني المتربطة باكتشاف تلك الأدوات الانتاجية وبروز العائدات الخشنة فالمحسنة فتحسن النطق الدال المحدود (الفونيم) في اتجاه المزيد من تحسن التقنيات المنتجات في اتجاه تطور جنين الثقافة المذكور وأثرها في نمو وتطور انتاجية العمل.
إن استعمال الانسان لأدوات الانتاج المتحسنة المتطورة قد عني نشوء الانسان النوعي الجديد الذي أصبح عاملاً ــ ناقطاً ــ عاقلاً ودلالة ذلك في نشوء الضرورة الاجتماعية الغائية البشرية المبرهنة على غائيتها واستهدافاتها في اتجاه أولي بدئي جنيني أيضاً لتحدي الضرورة الطبيعية الأسبق والأساس الأول لنشوئها والتي أي الضرورة الاجتماعية الهادفة سرعان ما عرفت تقسيمات العمل البيولوجية في طوايا وثنايا كينونتها ووضعها وحالتها الاجتماعية الغائية ــ من تقسيمات عمل عضوية حيث عمل (الإناث) وعمل (الذكور) و(ناشئة) و(رجال) (فشيوخ حداة) (فقيادي المرحلة طوعياً) ثم نشوء تقسيمات العمل الاجتماعية التخصصية من صيادين ورعاة فمزارع ثم حرفيين فتجار وربويين إلخ, ثم تقسيمات العمل المعاصرة القطاعية منها والمهنية.
وعلماً بأن الحرية ليست في معرفة الضرورة فقط وإنما في استخدام الضرورة المعروفة علمياً فعملياً لصالح الانسان ودرء الجوانب السلبية للضرورة السيارة بجهد البشرية المادي والعلمي التكنيكي فالمنظومي المجموعي لآفاق مفتوحة وهو ما حققه ويحققه عصرنا ابتداءً من أواسط القرن التاسع عشر الميلادي حتى راهنية عصرنا فابتداءً ألح من البيروسترويكا الأخيرة وأثره في انفتاح رحب للتعددية الفكرية والسياسية البالغة التسامح والاعتراف بكل العقائد المنضبطة للدستور والتي ترى بالضرورة عن الارهاب فصلاح الفضاء الديمقراطي في اتجاه التدافعات والتغيرات التراكمية الموضوعية الحرة من أجل السيادة الأكيدة وتقدمها المفتوح فتقدم الوفرة الزاخمة أبداً على أساس التقدم المدهش للعلم منظومياً لا تكنيكياً فحسب وهكذا نرى بأن المسار الموضوعي التراكمي الذي لا يعرف الفرض القسري أو التعسفي في إطار مكتسبات اقتصاد السوق الحر الممكن راهناً والمرتبط بالتخطيط الالكتروني في بلداننا المسماة بالمتأخرة والممكنة تماماً للتطور في اطار وداخل الديناميكا المتسارعة ضداً لتطورات نضج البنية الكونية وعبر الشراكة النزيهة المبدئية المعضدة للاقتدار الوطني لا المكتسحة لها والمتحققة عبر توفر عاملي ومقومي الجدية الرجولية الرسمية والوضوح الايديولوجي السياسي المبدئي الوطني وأثرهما في حل مشكلة الطغيان والاستبداد والبيروقراطية والفساد والافساد ورموزها الذين لا يستشفون ولا يستطيعون استشفاف الضرورات المتلاحقة المذكورة بل يستمرأون العكس انطلاقاً من ارتباطاتهم بالبيئة السياسية الطاردة الاستبداد والبيروقراطية والفساد والديماغوجية وهو ما يعميهم وما يتسرب من تحت أقدامهم إثر حركة ميلاد المواطن الراهن باحساساته ومصالحه وتفكيره وغاياته ففرديته الناشئة التبلور والمعضدة من التعبئة الاعلامية الكونية في ظل ارتباط تلك الاقدام بالتوترات المزمنة المحتكمة بالمصالح المتقادمة مباشرة أو غير مباشرة للبعض الاحتكاري الاطلسي المأزوم المفلس بدوره ومحاولاتها لتعميم الفوضى الخلاقة تعطيلاً للصيرورات المفتوحة بل تدميراً للمكتسبات التاريخية وإن كان الواقع في وادي آخر إذ ان موازين الحركة الحضارية اللجبة لصالح الصيرورات الموضوعية والمستدامة بإذن الله ومشيئته..
وتذكيراً فإن ظهور ذلك الانسان العاقل قد عني مع التطورات اللاحقة لانتاجية العمل المثمرة جداً للمعيش إنما يعني نمو وتقدم الحرية والوفرة والانتقال الكبير إلى الضرورة الاجتماعية الهادفة إذ أن الشيوخ الحداة المذكورين أصبحوا في وضع قيادي إداري سرعان ان تحولوا إلى طلائع الطبقة ونشوء الطبقية والتحالفات الطبقية السائدة الكامنة في أساس الدويلة والدول التي لم تكن لتنشأ بدون تلك الوفرة النسبية وبدون استعباد المنتجين الذين حولوا مع الجشع المستشري المتوحش بدون ضوابط حينئذٍ إلى عبيد فمصادرة حقوقهم بل وكنههم البشري الاجتماعي كله وأثر ذلك في كفاحهم العنود والمستميت بدوره بحثاً عن الحرية والوفرة حيث أخيراً حققوا ذلك نسبياً بما يسد الرمق والحاجات التناسلية ثم فتقدماً.
هكذا تطرقت السبل البشرية بعد هذا الظهور للانسان المستنير الذي أصبح يتوفر له الظروف الاجتماعية لكي يبدع على الأسس الاجتماعية الثقافية المحسوسة حركة التصورات الاستيعادية فالتنبئوية ذي الدلالة الاكبر في اتجاه التركز المنضبط لدلالة النطق من طريق انبعاثات المفهوم والمفاهيم وأثر تفاعلات تلك المفاهيم التي عنيت نطقاً فمنطقاً أي بغلاف مادي منعكس عن تلك الاسس الموضوعية المحسوسة المذكورة وتراكيباتها المفاهيمية في طريق نشوء الأحكام ثم ترابط وتراكب الاحكام المتفاعلة في اتجاه الاستدلالات الاستنتاجية بدلالتيها وفرعيها الاستنباطية فالاستقرائية البالغة الاهمية وذلك كله إثر الاوهام والاحلام والذكريات شبه الوحشية والذي يتجه عبر توافر المجال الحيوي الاساس أي عبر عمل العبيد المتركز القاسي ثم عمل الفلاحين ثم العمال نحو التفرغ الحتمي للبعض من البشر للتنظير المادي التقدمي والمثالي الميتافيزيقي معاً خاصة المثالية التي لم تكن لتخلو من أبعاد جزئية تقدمية حيث سادت التاريخ حتى القرن التاسع عشر خاصة في ظروف ذلك الزمكان القديم والوسيط.
واستطراداً فإن هذه الضرورة الاجتماعية الطبقية كانت أكثف وأسرع تأثيراً في صيرورة البشرية حيث توسعت الثقافة وتكثفت ونشأت الحضارات الأولى الزاهية والوسيطة حين ظهرت الاديان السماوية لتمارس دورها العظيم في الكيان البشري المتنامي المتضاعف المتعاظم ولتنبثق منها مبررات عودة التراث البشري بمجمله بما فيه التراث الديني للعصر الوسيط في الظروف والمهمات الجديدة الناجمة عن تبلور الثقافة الكبير والناجم بل الكامن في حركة الازدهار الكبير للزراعة وتوسعها العريض ثم نشوء وتطوير الحرف فالتكنيك فالتجارة فالمواصلات ثم تقاربت القارات وتفاعلت كثيراً وفي اتجاه الشراكة راهناً وقبل ذلك كان الولوج إلى العصور الحديثة فالمعاصرة فراهنية العصر المتشاركة المستفيدة جداً من تقسيمات العمل العادلة المتخصصة والتكاملية معاً إلا أن بعض الاحتكارات الشائخة تحاول الحفاظ على الانسان ذي البعد الواحد والأحادي الجانب ضداً من تكامليته المتحققة من خلال إلحاحات وتطورات الأتمتة والسيبرنطيق المتأتية نشأة من ذات الاحتكارات نفسها حيث تصبح الاتمتة المثمرة بالمقابل الآن تسود العالم شيئاً فشيئاً على أنقاض الجتمعة البيروقراطية في اتجاه بناء أسس العوالم الجديدة إثر التفتح الحر للضرورة الاجتماعية الكلاسيكية المبدعة للإنسان المبدع الحر للتاريخ الابداعي الجديد للأنسنة البالغة النوعية الحضارية وهو ما يحققه عصرنا ابتداءاً أولياً من أواسط القرن التاسع عشر وبتحديد اكبر مع وبُعيد البيروسترويكا الاخيرة التي أفردت المجال الحيوي لتفتح فردية الطبقات المسودة المنتجة تدريجياً بعد التفتح المبكر القديم لفردية الطبقات السائدة المتتالية تاريخياً علماً بأن هذا التفتح الشامل للفرديات عموماً سيستكمل النشاط التاريخي للطبقات المفعلة انسانياً جميعها في اتجاه تأسيس واستمرار التطورات الديناميكية اللامتناهية بعنفوان حر وثري مبدعة أشكال التسامح النافذة مع سائر العقائد الرافضة للفرض والارغام والداعية للاستقرار والسلام والكارهة المنكرة للارهاب في ظل تعددية فكرية سياسية متبادلة التفاعل والعطاء الحضاري ودلالة ذلك في الصلاح الأكيد للفضاء الديمقراطي المزدهر والتدافع القرآني الحميد إلى الآفاق الوضاءة, وعلماً أيضاً فإن الماديين والعياذ بالله يرفضون استيداع السنن والقوانين الموضوعية في الاشياء والظواهر لأنهم يعتقدون أن حركة هذه الظواهر وتطوراتها إنما ناجمة عن تضادها الداخلي وتناقضاتها وبالتالي حركتها الموضوعية المستقلة حتى على الانسان في الوقت الذي اكتشف الانسان هذه السنن والقوانين ذلك لأنه أي الانسان كان ولا يزال عملياً تأملياً وهو اساس ومنبع اكتشاف الجدل وعليه كان الانسان أكثر الاشياء عملاً وجدلاً… والله الموفق..