المواطن/ كتابات – عيبان محمد السامعي
الحديث عن السياسة بما هي هندسة للمجتمع والدولة, تنتظم من خلالها علاقات الأفراد والجماعات بالنظام السياسي. وحيث أن التنمية السياسية تمثل النظرية التي ترسم توجهات ومضامين الدولة, فإن السياسة لا يمكن أن تتحقق إلا بأدواتها القانونية.
إن ممارسة السياسة خارج شروطها وبغير أدواتها هو عمل اعتباطي وأشبه بمن يريد ” تربيع الدائرة”!! بحسب تعبير الفيلسوف الكبير د. أبوبكر السقاف. فالسياسة لا تكون إلا مدنية فهي لا تتحقق إلا في فضاء من الحرية والحوار الديمقراطي وسيادة القانون والفصل الواضح بين السلطات . فلا حديث عن عمل سياسي في ظل ممارسة الاستبداد العسكري أو الجمع بين رئاسة الدولة كمسئولية مدنية ورئاسة المؤسسة العسكرية والأمنية (د. أبوبكر السقاف, دفاعاً عن الحرية والإنسان, 2010م).
إن تراجع وضعف العمل السياسي في البلد يأتي من “سيادة قانون القوة لا قوة القانون”, وشيوع علاقات الاستحواذ والقوة وانتشار السلاح, وهو إلى ذلك يأتي من حضور طاغي للأشكال غير الرسمية ( العصبويات والسلطة المشيخية والمؤسسة العسكرية والفهم المبتسر للدين) وتدخلاتها التعسفية في الحياة السياسية, في مقابل حضور شكلي للأحزاب والتنظيمات السياسية, وتزييف للعمل الديمقراطي والممارسة المدنية.
ويواجه العمل السياسي في اليمن إشكالات من نوع آخر, مرتبط بالحالة الممارسية للسياسة, التي أتت كتعبير عن ثقافة ترى في السياسة مجالاً خصباً للمناورة والمراوغة و”الإقامة على الكذب”, فضلاً عن ابتكار أساليب للتحايل على الدستور ومنظومة القوانين والقيم, وكذا التنصل عن الاتفاقات السياسية والتعاقديات الاجتماعية. إذ يتضح ذلك ـ وبجلاء ـ في اصطناع فجوة ما بين الدساتير والتشريعات كنصوص ومنظومة القيم كمكتسبات وطنية حقوقية إنسانية, وما بين آليات تطبيقها وتجسيدها على أرض الواقع. إن هذا الأمر لا يتم بشكل عفوي معزول, بل يأتي تلبية لحاجة سياسية للبعض تتمثل في تقويض قوة القانون ومشروعيته في أذهان الناس, من خلال خلق مساحة ذهنية لديهم من عدم جدواه, أو استخدامه في حالات أخرى كأداة لقهرهم أو ترويضهم وتدجينهم بدلاً من تحقيقه للديمقراطية والعدالة.
وليس بعيداً عن ذلك ممارسة حالة من الفساد المعمم, بهدف استكمال حلقات إحكام السيطرة وفرض الاستبداد كأسلوب لإخضاع قوى المجتمع, فالفساد في حقيقته صنو للاستبداد, والحكم المستبد هو حكم فاسد بالضرورة. وما يجدر التنويه إليه في هذا المطاف هو أن الفساد لا يقتصر على صورة أحادية ولا ينحصر فقط في أسلوب الإدارة والحكم, بل هو مؤسسة قائمة على حزمة من السلوكيات والأداءات الممنهجة وأنماط من التفكير والتعاطي مع حاجات الناس والمشروع الوطني.
وحيث تتحول السلطة من مجرد أداة أو آلية رشيدة ديمقراطية لإدارة شئون الناس ومواجهة احتياجاتهم المتزايدة بتنفيذ مشاريع تنموية استراتيجية ومرحلية وإشراكهم في تحديد أولوياتهم ورسم مسارات مستقبلهم, فإنها تستحيل إلى طغمة سلطوية “حكم عضوض” تستنزف الثروات الوطنية وتهدر الكرامة الإنسانية وتنزع عن الناس هوياتهم وتسلبهم إرادتهم, وتحول البلد إلى غنيمة تستحوذ عليها وتتعامل مع سكانها كقطيع وتركة تسعى إلى امتلاكها وتُوريثها..
إن أسلوب إدارة الدولة بالأزمات والحروب كنهج سائد منذ عقود, هو في حقيقة الأمر تعبير عن فشل ذريع لمنظومة الحكم وعجز كامل عن امتلاك هذه المنظومة رؤية وطنية وإستراتيجية تنموية, لذا فهي تجد في افتعال الأزمات وإشعال الحرائق حلاً سهلاً للهروب من الاستحقاقات الشعبية والمسئوليات الوطنية المترتبة عليها.
ليس ذلك فحسب بل إن الطبيعة العصبوية / الأحادية / الثأرية / الطفيلية / …