بصورة تدعو إلى الاستغراب يجري تكريس الوضع في اليمن على أنه حرب التحالف القوي والغني جداً على اليمن الفقير، هذه الأكذوبة، منتشرة على نطاق واسع في العالم، وتساهم في تكريسها منظمات دولية ووكالات تابعة للأمم المتحدة وبعض مراكز صنع القرار في الغرب، من خلال التركيز على الأضرار الجانبية للقصف، وتجنب الحديث عن المشكلة الحقيقية في اليمن، وهي انقلاب المخلوع صالح والحوثي على الدولة، والحرب التي خاضها الشريكان ضد اليمنيين.
كأن الآلاف من اليمنيين الذي سقطوا أو أصيبوا منذ ما قبل سقوط صنعاء وحتى اليوم لا يستحقون التوقف أمام مأساتهم، فقط لأنهم قتلوا بسلاح الميلشيا.
لم تعمل الوكالات التابعة للأمم المتحدة على توضيح حقيقة ما يجري في اليمن، فهي تترصد أكثر ما تترصد الأخطاء التي تقع على هامش المهمة العسكرية للتحالف، وهي مهمة مشروعة وتحت مظلة القانون الدولي وتحظى بتفويض من الحكومة الشرعية للبلاد.
حصدت الوكالات الدولية أكثر من مليار دولار، جمعتها في مؤتمر جنيف للاستجابة الإنسانية، باسم إغاثة اليمنيين، والجميع يعرف أن المستهدفين بالإغاثة سينتظرون كثيراً قبل أن تصل إليهم المساعدات وربما ينتظر معظمهم إلى ما لا نهاية، وهم يرقبون حجج الوكالات الدولية التي تتحدث عن عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين.
لا أتوقع أن يحدث هذا فارقاً على صعيد العمل الإنساني والإغاثي، لكنه سيمنح هذه الوكالات المزيد من المال لدعم نفقاتها التشغيلية، وتغطية نشاط خبرائها وتقوية رسالتها الإعلامية التي تتعمد من خلالها الإبقاء على هذه الحالة من الغموض حيال الوصفة الحقيقية للحل.
سيتم تغطية الفشل المتوقع للوكالات الدولية بعد مؤتمر الاستجابة الإنسانية في جنيف، بتكرار الحجة نفسها وهي عدم القدرة على الوصول، بالادعاء بأن الحرب حالت دون القيام بالمهام الإنسانية والإغاثية، وستبقى مصرة على بقاء الحديدة وميناؤها تحت سيطرة الانقلابيين، أيضاً بحجة أن الأعمال الإغاثية سوف تتوقف وستقع البلاد في خطر المجاعة.
منذ أكثر من عامين والمساعدات الدولية تتدفق عبر ميناء الحديدة لكنها تختفي بمجرد عن تغادر أرصفة الميناء، وتذهب إلى دعم المجهود الحربي، لأن الميلشيا تسيطر على معظمها وتمنع وصول قسم منها إلى المتضررين من الحرب.
يا لها من معادلة شائكة، حيث تغض الوكالات الدولية الطرف عن تجاوزات الميلشيا، وتمضي قدماً في الدفاع عن ميناء الحديدة وعن استمرار وظيفته السيئة الحالية، التي تساهم في رفد خزينة الانقلابيين بملايين الدولارات، والأمر لا يعدو كونه إعادة تصحيح للخطأ الذي يجري فيه الميناء لا أكثر، وذلك بإعادته ليصبح تحت إشراف السلطة الشرعية.
الأذرع الناعمة تعمل دون كلل في الدوائر الغربية، ويجري تنظيم رحلات لناشطين محسوبين على الميلشيا في مهمة تتكامل مع ما يطرحه المبعوث الأممي والوكالات الدولية، فالهدف هو منع أي تحرك عسكري حقيقي وحاسم في الساحل الغربي يضع حداً لتأثير الانقلابيين على خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر ويعيد أهم ميناء يمني على الساحل الغربي إلى سيادة السلطة الشرعية.
أحسنت الحكومة صنعاً عندما تقدمت بطلب لمنسق الشئون الإنسانية بأن يتم تحويل خط نقل المساعدات المخصصة لمحافظة تعز عبر ميناء عدن، مع وجود خط آمن يسمع بإيصال المساعدات إلى المستحقين في المحافظة دون تأخير.
أكثر من 180 شاحنة منع الانقلابيون وصولها إلى تعز عبر ميناء الحديدة، فيما جرى مصادرة الأدوات الطبية المخصصة لمركز غسيل الكلى في مستشفى الثورة العام بتعز.
هذه أمثلة بسيطة على خطورة أن يبقى الوضع على ما هو عليه من الضبابية فيما يخص وضع ميناء الحديدة والآلية الحالية لإيصال المساعدات الإغاثية والتي أثبتت فشلها وتحولت إلى أحد أهم مصادر تمويل حرب الانقلابيين على الدولة والشعب اليمني.