أ.د. محمد أحمد علي المخلافي
تحية للذكرى 62 لثورة سبتمبر، والذكرى 61 لثورة أكتوبر، والذكرى 46 لتأسيس الحزب، والذكرى 85 لميلاد مؤسس الحزب/ عبدالفتاح إسماعيل.
يواجه الحزب الاشتراكي اليمني حملات تحريض من قوى الماضي مجتمعة: ورثة الإمامة في الشمال وورثة حكام ما قبل الدولة في الجنوب ومعهم كل القوى المعادية لمشروع إقامة دولة القانون- الدولة المدنية الديمقراطية: دولة المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويشارك البعض من بين صفوفه في هذه الحملات إما مباشرة بترديد تلاشي الحزب وإما الاصطفاف إلى جانب هذه القوى أو تلك من ورثة الإمامة والسلاطين.
صحيح أن مشروع الحزب الاشتراكي اليمني يتعثر في التحقيق، لكنه لم يتعثر لانتفاء الحاجة له وإنما تشن الحرب لإيقافه كلما شارف على التحقق كحرب 1994م التي أعادت اليمن إلى دولة ما قبل القانون أو استمرار هذه الحرب منذ عام 2014م والتي دمرت جهاز الدولة ورمزية وجودها: الاستقلال والسيادة، وبفعل نتائج وآثار هذه الحرب لم يتلاش مشروع الحزب الاشتراكي اليمني، بل على العكس صار تحقيقه ضرورة وجودية للكيان اليمني ووحدة وسلامة ترابه الوطني ولاستعادة الاستقلال والسيادة الوطنيين.
الحزب الاشتراكي اليمني كان وسيظل الرابطة الطوعية بين اليمنيين والمؤسسة المجتمعية الحاملة لمشروع بناء دولة القانون- الدولة الاتحادية الديمقراطية وعمادها: المواطنة والعدل والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان. فهذا الحزب ليس وريثًا لجمهورية اليمن الديمقراطية التي نقلت الجنوب من إسار السلطنات والمشيخات إلى رحاب الدولة العصرية الحديثة فحسب، بل هو وريثًا للحركة الوطنية في شمال اليمن وجنوبه والتي ساهمت بنصيب وافر في نجاح ثورتي 26 سبتمبر 1961م و14 أكتوبر 1962م: بعث وقوميون عرب واشتراكيون أمميون. وعلى الرغم من كل الحروب التي شنتها القوى التقليدية عليه وعلى مشروعه، استمر الحزب وفيًا مخلصًا لطموحات وآمال الوحدة اليمنية المغدورة وتحقيق مشروعها: بناء الدولة الديمقراطية الحديثة.
لقد نجح الحزب الاشتراكي اليمني، على الرغم من التغلب عليه في حرب 1994م، من تحويل مشروع اليمن الحديث والديمقراطي إلى مشروع وطني توافقت عليه مختلف القوى في مؤتمر الحوار الوطني الشامل والذي كان على مشارف التحقيق من خلال التوافق الوطني على تحقيق الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة الاتحادية، وهي رؤى توافقية أساسها رؤى الحزب الاشتراكي اليمني المقدمة إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل والمتمثلة في اتجاهات وأسس الدستور الجديد، ورؤية شكل الدولة وهويتها، ورؤية حل القضية الجنوبية، وهي رؤى كان جزءًا مهمًا منها قد ضمنه الحزب في دستور الجمهورية اليمنية الذي غُير بعد حرب 1994م، وجسدها في برنامج الإصلاح الشامل الذي أصدرته حكومة دولة الوحدة برئاسة عضو المكتب السياسي للحزب المهندس/ حيدر أبوبكر العطاس، وإلى جانبها ما سميت بالنقاط الثمانية عشر، وهي رؤى حظيت قبل الحرب بتوافق وطني عُبر عنه بتوقيع كافة الأحزاب اليمنية على وثيقة العهد والاتفاق. ولأن القوى التقليدية ممثلة في عسكر القبائل وشيوخها وشيوخ الدين عجزت بالحيلة التي تجيدها عن إعاقة مشروع الحزب الاشتراكي اليمني لجأت لشن حرب 1994م ضد الحزب ومنجزاته في الجنوب وعلى رأسها إنهاء مؤسسات الدولة والقضاء على الحريات الخاصة والعامة.
إن الغلبة المادية على الحزب الاشتراكي اليمني، لم تهزم مشروعه كما يدعي خصومه أو المثقفين الموالين لهم، وإنما عاد المشروع من جديد إلى الواجهة، إذ أجمعت الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية اليمنية من الشمال والجنوب عام 2009م على مشروع الحزب بتوقيع وإصدار وثيقة “مشروع رؤية للإنقاذ”، وعلى التحضير لمؤتمر حوار وطني شامل من أجل التوافق على التغيير والانتقال الديمقراطي وبناء الدولة المدنية الحديثة وعقد المؤتمر خلال عامي 2013-2014م. والباحث الذي يريد الإنصاف وليس إرضاء خصوم الحزب الاشتراكي اليمني يمكنه المقارنة بين جوهر مخرجات الحوار الوطني الشامل ورؤى الحزب وسيجد أن وثيقة المخرجات قد ارتكزت في جوهرها على رؤى الحزب المقدمة إلى المؤتمر، ولعبت قيادة الحزب ممثلة بالدكتور ياسين سعيد نعمان، أمينه العام يومئذٍ، والدكتور عبدالرحمن عمر السقاف، أمينه العام الحالي، والأستاذ قادري أحمد حيدر عضو اللجنة المركزية للحزب وغيرهم من قيادات الحزب، دورًا هامًا في طرح الرؤى والأفكار وحشد موقف قطاعي المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني لمناصرة الرؤى التقدمية للحزب وكان أهمها: (اتجاهات وأسس الدستور الجديد، هوية الدولة وشكلها، الرؤية حول القضية الجنوبية: الجذور والحلول، والرؤية حول قضية صعدة، الرؤية لضمانات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل).
والمراجع المدقق يجد أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل قد أخذت بمعظم تلك الرؤى عدا رؤية الحزب بشأن ضمانات تنفيذ المخرجات، وكانت كافة رؤى الحزب لا تستهدف حل الأزمة اليمنية بعمومها فحسب، بل كان في جوهر المعالجات حل القضية الجنوبية بتركيز الرؤى على إزالة نتائج وآثار حرب 1994م، وعودة الجنوب معادلًا سياسيًا للشمال وليس تابعًا أو ملحقًا، وبناء الدولة الاتحادية القائمة على لامركزية الحكم وإصدار التشريعات والتدابير المؤسسية لإقامة دولة اتحادية تكفل التوزيع العادل للسلطة والثروة وقوامها: المواطنة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، وسمتها الرؤية: “مرحلة التأسيس”. ونجح الحزب الاشتراكي اليمني في إقناع المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل أن يكون للقضية الجنوبية إطار خاص في المؤتمر ومخرجاته، ويتمثل جوهر حل القضية الجنوبية، وفقًا لرؤى الحزب ومخرجات الحوار الوطني الشامل، في إقامة دولة اتحادية، وجرى استبعاد مقترح الحزب فيما يتعلق أن تكون الدولة الاتحادية من إقليمين: جنوبي وشمالي، وكان الاستبعاد ليس من قبل مؤتمر الحوار وإنما من قبل لجنة شكلت لهذا الغرض. لكن الحزب في الوقت الذي يتمسك فيه بوثيقة الحوار الوطني الشامل، فأنه يتمسك بالإقليمين. ويرى الحزب أن السلام المستدام ينبغي أن يرتكز على المشروع الحضاري والعادل الذي رسمته مخرجات الحوار الوطني الشامل وأن يشمل اتفاق السلام إطار خاص للقضية الجنوبية والتوافق على وضع الحلول للمستجدات التي تسببت فيها استئناف الحرب عام 2014م، وسيعمل الحزب على إعادة طرح رؤيته لمرحلة التأسيس وبما يعالج مستجدات الحرب ويشملها الإطار الخاص للقضية الجنوبية بالبناء على وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل.
كانت اليمن عام 2014م على مشارف الانتقال الديمقراطي وتحقيق مشروع بناء الدولة وفي جوهره المشروع الحضاري للحزب الاشتراكي اليمني، لكن الحرب قد أوقفت تنفيذ المشروع.
ينعى بعض اليسار على الحزب الاشتراكي اليمني وأحزاب المعارضة عام 2011م قبولهم الشراكة في الحكومة مع الحزب الحاكم يومئذٍ وعدم التغيير الجذري بالقوة، وهو رأي نحترمه، لكنه لا يدرك مخاطر أن الغلبة كان سيترتب عليها الانزلاق إلى حرب أهلية، وكانت المعارضة سوف تكون مساهمة في الدفع بالبلاد إلى حرب أهلية، وقد بذل الحزب الاشتراكي اليمني وحلفائه يومئذٍ كل جهدهم لمنع انزلاق البلاد إلى هكذا حرب، والحرص على تحقيق التحول الديمقراطي بعملية سياسية سلمية، وبالتالي تتحمل مسئولية الحرب الدولة العميقة ممثلة في القيادات العسكرية للنظام القديم وشيوخ القبائل والدين التي لجأت إلى استئناف حرب 1994م وكان الهدف من هذه الحرب واستئنافها لمنع مشروع بناء الدولة من التحقق مع تغيير بعض مواقع شيوخ الدين والقبيلة؛ إذ تقدم إلى النسق الأول للثورة المضادة شيوخ كانوا ضمن النسق الثاني، وتراجع شيوخ آخرين من النسق الأول شيوخ الدين والقبائل السلاليين أو الموالين لهم من أجل التربح المالي، وهذا يعني أن الحزب الاشتراكي اليمني وحلفاءه لم يخفقوا في مشروعهم وإنما فشلت القوى التقليدية في منع التحول الديمقراطي فلجأت إلى الحرب وسفك الدماء لوقف مشروع بناء الدولة ومحاولة لتوريث الحكم الجمهوري أو استعادة سلطة كهنوتية وراثية والعودة باليمن إلى ما قبل الجمهورية.
إذن الحزب الاشتراكي اليمني يقف ضد الثورة المضادة بنسقها الأول؛ لأنه يرفض اغتصاب الحكم والحكم الطائفي: المذهبي والسلالي، ويتمسك بالدولة ويدافع عنها وعن مشروع المستقبل: مشروع بناء الدولة الديمقراطية الحديثة وقوامها لامركزية الحكم والمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، وهو المشروع الذي يناضل من أجله الحزب الاشتراكي اليمني منذ تشكيل فصائله الأولى في خمسينات القرن الماضي وضحى في سبيله بمناضليه ومناضلاته ومنهم الشهيد جارالله عمر الأمين العام المساعد للحزب عام 2002م.
يؤخذ بعض اليسار على الأحزاب السياسية، ومنها الحزب الاشتراكي اليمني، أنها لم تحايد تجاه الانقلاب والحرب، وهو حديث فيه الكثير من النفاق وعدم الادراك والشعبوية، مع إقرارنا أن النقد السياسي ضرورة حيوية للحياة وللأحزاب السياسية، لكن أصحاب هذا النقد منفصلين عن الواقع ويتجاهلون أسباب أزمة اليمن والحرب ودوافع الصراع في اليمن، وبعضهم ليس مقصده أكثر من الشهرة أو محاباة أصحاب المشاريع الصغيرة أو من استخرج الحوثي العكفي من داخلهم، حسب تعبير الدكتور ياسين سعيد نعمان، وأنا هنا لا أرد على هؤلاء أو أولئك، لأن الرد غير مجدي معهم فمصالحهم تقتضي مواقفهم. والغريب في الأمر أن البعض ممن يزالون ينتمون للحزب الاشتراكي اليمني يذهبون بعيدًا عن الحزب والفكرة التي يعتنقها ويطالبون بأن يكون الحزب حيثما هم وحسب مقتضى مصالحهم، وهؤلاء أدعوهم إلى العودة لشغل مواقعهم القيادية في الحزب واستئناف نشاطهم وفقًا للنظام الداخلي والبرنامج السياسي ومختلف أدبياته. أما عن موقف الحزب من الانقلاب، فأبين هنا لمن يريد الفهم، أن الحزب الاشتراكي اليمني ولأسباب ثلاثة ما كان له أن يقف محايدًا من الانقلاب على الدولة واستبدالها بمليشيات ومتسلطين سلاليين شنت حرب عدوانية على اليمنيين واستدعائهم التدخل الخارجي والحرب بالوكالة، هذه الأسباب هي:
الأول- إن الانقلاب أتى لإعادة اليمن إلى ما قبل الجمهورية اليمنية، ولمنع مشروع بناء الدولة الحديثة واللامركزية، والحيلولة دون تحقيق الانتقال الديمقراطي، أي أن الانقلاب بالأصل ضد المشروع الحضاري للحزب الاشتراكي اليمني المطروح منذ الخمسينات والذي طرح للتنفيذ منذ قيام الجمهورية اليمنية.
الثاني- إن الانقلابيين أعداء التقدم والعدالة، ويسعون لإقامة دولة تسلطية ثيوقراطية متجردة من القيم الإنسانية بدعوى التميز العنصري باعتبارهم من ذرية إبراهيم بن خليل ومفوضون إلهيًا بحكم اليمنيين، ويدعون أنهم من عائلة أيل وذلك مثل يهود أوروبا الذين يحتلون فلسطين بحكم خرافة أن الله منحهم اياها.
الثالث- إن الانقلاب قد تم من قبل متمردين ضد حكومة وفاق وطني وكان الحزب الاشتراكي اليمني شريكًا فيها، وكانت مهمة هذه الحكومة انتقالية لتحقيق التغيير والانتقال الديمقراطي. وكان الحزب الاشتراكي اليمني قد رفع شعار تغيير نظام الحكم والحفاظ على الدولة ومؤسساتها المستمرة، وذلك ثابت في أدبيات الحزب الاشتراكي اليمني الصادرة قبل وبُعيد ثورة 11 فبراير والتي عبر عنه بصيغ متعددة.
هذه هي الأسباب التي تجعل الحزب الاشتراكي اليمني يعمل مع الأحزاب اليمنية الأخرى على إنهاء التمرد والانقلاب وسلطات الأمر الواقع من أجل استعادة الدولة والعودة إلى العملية السياسية، وإنجاز ما تبقى من مهام الفترة الانتقالية، والعمل على إنهاء حالة التهميش التي ألحقتها الحرب بالأحزاب السياسية، ومجابهة صعود الطائفية المذهبية والسلالية والعصبيات المناطقية والقبلية، وهي محاولات تتعثر لكنها تحقق بعض النجاح ومن ذلك اتفاق الرياض الذي بسببه أعيد بعض من الاعتبار للأحزاب السياسية بتشكيل حكومة وفاق وطني مثلت فيها الأحزاب والقوى السياسية الرئيسية، ويعمل الحزب مع غيره من الأحزاب السياسية على تنفيذ المهام الأخرى المطروحة في اتفاق الرياض والتي لم تنفذ حتى الآن بسبب الانقسام بين القوى السياسية الرئيسية والتي تأتلف في إطار حكومة وحدة وطنية ومجلس قيادة رئاسي.
يزعم بعض الصحفيين اليساريين أن الحزب الاشتراكي اليمني تخلى عن تمثيل مصالح العمال والفلاحين والفقراء إجمالًا وأنه صار بدون هُوية، ولعل مثل هذه المجازفة في التقييم ترجع إلى عدم قراءة وثائق الحزب والتخمين أو عدم فهم خيار الحزب: التغيير السلمي الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة والالتزام بالإرادة الشعبية، وهذا فهم مغلوط للهُوية إذ أنها بفهمهم تتساوى مع الخطاب الإيديولوجي، وبالعودة إلى النظام الداخلي والبرنامج السياسي للحزب يتبين أن ما توصل إليه بعض الصحفيين لا أساس له وأن الاستخلاص أتت به الرغبة وليس القراءة لبرنامج الحزب السياسي ونظامه الداخلي وأدبياته المختلفة.
يفسر البعض تمسك الحزب بالدولة بأنه مسعى للحصول على مناصب في الدولة، وهو قول غير صحيح، فعلى الرغم من مشاركة الحزب في الحكومة وامتلاكه كتلة برلمانية وتمثيله في المجالس الاستشارية، إلا أن أعضاءه مستبعدين من الوظيفة العامة منذ حرب 1994م، وأخر دفعة تم إعادتهم، في هذا الشهر، إلى وظائفهم وإحالتهم في ذات الوقت إلى التقاعد شملت أكثر من خمسين ألف، إلا أن استعادة الحقوق الوظيفية اقتصرت على الموظفين والعسكريين من المحافظات الجنوبية، ولازال أمثالهم من المحافظات الشمالية ينتظرون تسوية أوضاعهم المدنية والعسكرية، وتبذل قيادة الحزب جهود شاقة لكي يستعيد منتسبيه حقوقهم المسلوبة منذ عام 1994م، ونأمل أن يتم قريبًا عودة المبعدين من وظائفهم المنتمين للمحافظات الشمالية. وإجمالًا، فأنه من المعلوم أن آثار ونتائج حرب 1994م لم ترفع حتى الآن عن الحزب الاشتراكي اليمني بما في ذلك الاستيلاء على أمواله المنقولة وغير المنقولة من قبل جهات حكومية أو مسؤولين في النظام القديم أو رجال أعمال من قدم لهم الحزب أموالًا على سبيل القراض أو تولوا شراء عقارات للحزب وسجلوها بأسمائهم وفي المحافظات المختلفة: صنعاء، عدن، حضرموت وغيرها، وبدلًا من أن يكون بعض من اليسار سندًا وداعمًا للحزب يعملون على شن الحرب الإعلامية ضد الحزب بما في ذلك اسقاط دعاية خصوم اليسار ضد الأحزاب الشيوعية في المنظومة الاشتراكية على الحزب الاشتراكي اليمني؛ وذلك بالقول بأن أمينه العام يركز كل السلطات في يده، وهذه الاستعارة والإسقاط ليس لها أمثلة ملموسة وحقيقية، وزيادة في الدعاية المضادة يجري الحديث عن أن الأمين العام الحالي غير مقيم في اليمن خلاف للحقيقة ولا يوجد في الخارج من قيادات الحزب إلا عدد قليل ممن لا يستطيعون الحفاظ على حياتهم وحريتهم لا في صنعاء ولا في عدن وهم بعدد أصابع اليد وأنا منهم. صحيح أن هيئات الحزب المتواجد أعضائها في كل محافظات اليمن كاللجنة المركزية أو الهيئات التي يتواجد أعضائها في كل من صنعاء وعدن كالأمانة العامة والمكتب السياسي لا تستطيع أن تجتمع بكامل قوامها منذ اندلاع الحرب بسبب انقسام البلاد وعدم قدرة المقيمين في مناطق سيطرة المتمرد الحوثي عن حضور الاجتماعات، ومع ذلك فأن الهيكل المؤسسي التنظيمي للحزب قائم في كل اليمن من صعدة حتى أرخبيل سقطرى، وتعقد الأمانة العامة والمكتب السياسي اجتماعاتها الدورية بالأعضاء المتواجدين في العاصمة المؤقتة عدن. والكتابة المغرضة تبحث عن أي ثغرات تسببت بها الحرب كقوة قاهرة لتظهر صورة الحزب مشوشة وتهز الثقة لدى أنصاره وأصدقائه كالحديث عن وقائع أو حوادث فردية جزئية مثل الحديث عن خلاف حدث بين مجموعتين حزبيتين في قرية وتعميمه على حالة الحزب، وقد تكون الواقعة المستند إليها كاذبة أصلًا وأن صحت فأمر معتاد حدوث خلافات فردية في أي تنظيم.
ينعى بعض الصحفيين من اليسار اليمني على الحزب الاشتراكي اليمني بأنه تخلى عن خطاب التحرر الاجتماعي، وهي تهمة جزافية فلو هؤلاء كلفوا أنفسهم قراءة المبادئ والأهداف العامة للحزب في الباب الثاني من البرنامج السياسي وديباجة النظام الداخلي ما كان لهم أن يقدموا على هذا القول المجازف، وأنصحهم أن يقرؤا وثائق وأدبيات الحزب للتعرف على منهجه وهُويته، فإذا كان لهؤلاء نقد فليكن بعيدًا عن الوقائع الكاذبة.
كل ما تقدم هو حديث في الإطار النسبي ووفقًا للظروف السائدة في البلاد التي يسيطر على أجزاء هامة منها سلطات أمر واقع، كما أن الحرب والانقسامات السياسية والمجتمعية العميقة قد أضعفت دور الأحزاب السياسية، ومنها الحزب الاشتراكي اليمني، وصارت الأحزاب السياسية خصم رئيس لسلطات الأمر الواقع وأمراء الحرب لأنها تسعى إلى إنهاء الانقلاب والحرب واستعادة الدولة والعودة للعملية السياسية وتحقيق الانتقال الديمقراطي وتأسيس الدولة الفيدرالية وقوامها: المواطنة المتساوية وسيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
أظهرت التجربة والتاريخ أن الحزب الاشتراكي اليمني عصي على الاجتثاث، وأن خصومه ليس بمقدورهم طمس منجزاته وتاريخه، فهو وريث الحركة الوطنية التي فجرت ثورة 26 سبتمبر 1962م وسيحتفل شعبنا بالذكرى الثانية والستين لهذه الثورة في هذا الشهر، ولا يستطيع أحد أن ينكر شراكتها في هزيمة جحافل الإمامة ومرتزقة بريطانيا وإيران في حربهم على الجمهورية، والفصائل التي تشكل منها الحزب الاشتراكي اليمني هي من فجرت ثورة 14 أكتوبر 1963 وحققت استقلال اليمن من الاستعمار البريطاني، وفي الشهر القادم سيحتفل شعبنا بالذكرى الواحد والستين لثورة أكتوبر، وفي ذات الوقت، سيحتفل الحزب وأنصاره ليس بالثورتين فحسب، بل وبالذكرى الخامسة والأربعين لتأسيس الحزب والذكرى الخامسة والثمانين لميلاد مؤسس الحزب الرئيس المثقف عبدالفتاح إسماعيل.