د. غزوان طربوش
ارتبط الفساد في كثير من البلدان بتسييس القضايا واستخدامها كوسيلة لكسب الولاء السياسي أو تحقيق مكاسب حزبية، خاصة منذ سيطرة الإخوان على مفاصل الدولة بالتواطؤ مع المجلس الرئاسي. إلا أن الوضع في أوساط أبناء الجالية اليمنية في ماليزيا يتجاوز ذلك، حيث أصبح أكثر تعقيدًا وخطورة.
أنا مقيم في ماليزيا منذ 17 عامًا، وأتابع عن كثب المشاكل التي تواجهها الجالية اليمنية هناك، خاصةً فيما يتعلق بملف التعليم. يعد هذا الملف من أكثر القضايا إلحاحًا وتعقيدًا، حيث يعاني أبناء الجالية من تراجع فرص التعليم لأبنائهم، خصوصًا لأولئك الذين لا ينتمون إلى جماعة حزب الإصلاح.
يعتبر التعليم من أبرز القضايا التي يعاني منها أبناء الجالية اليمنية في ماليزيا، حيث يواجه الكادحون تحديات كبيرة في توفير التعليم لأبنائهم، بينما استحوذت جماعة الإخوان على جزء كبير من هذه الفرص. في الواقع، تجاوزت الأوضاع في الجالية اليمنية بماليزيا حدود الاستحواذ الفردي لتتحول إلى شبكة تسيطر عليها قيادة محتكرة، تربطها علاقات نفعية متبادلة مع المؤسسات النقابية مثل اتحاد الطلاب اليمنيين في الجامعات الماليزية، وجمعيات الإغاثة اليمنية الماليزية، والمدارس التابعة للجالية، والتي تُدار تحت إشراف مباشر من مرشد جماعة الإصلاح
يواجه كل مواطن يمني مغترب في ماليزيا تحديات كبيرة عند محاولة تقديم أي مبادرة، سواء كانت تعليمية، مجتمعية، أو إغاثية، وذلك بسبب وجود لوبي فساد متكامل الاركان . عند محاولة إنشاء منظمات بالشراكة مع جهات ماليزية أو الحصول على دعم من البنوك والمنظمات المحلية، تكون هذه المحاولات محظورة ما لم تحصل على موافقة مرشد جماعة الإخوان. هذا الوضع يتفاقم في ظل الغياب التام للمؤسسات النقابية والرقابة الحكومية، مما يعزز من سيطرة هذا اللوبي ويعوق أي جهود إصلاحية.
المدرسة اليمنية التي أسسها الدكتور عبد الرحمن الخرباش ودكاترة آخرون تحولت إلى بؤرة تابعة لجماعة الإخوان بعد أن استحوذ عليها توفيق الحميدي. يُذكر أن الحميدي كان ضابطًا في مليشيات حمود المخلافي. والذي لم يكمل دراسته بعد، فقد تم توظيفه لجمع الأموال. جميع المدرسين والمدرسات في المدرسة ينتمون لجماعة الإصلاح أو هم أزواج وزوجات لأعضاء فيها، دون أن يكون لديهم شهادات أو مؤهلات كافية. ولا يُسمح لأي شخص غير تابع لجماعة الإصلاح بالعمل في هذه المدرسة أو المدارس الأخرى التي تعمل تحت اسم اليمن، والتي تُعد أغلبها مدارس وهمية تهدف إلى غسل الأموال..
في ظل هذا الوضع، لا يمكن تجاهل التأثيرات السياسية على التعليم في ماليزيا. فحزب الإصلاح المسيطر، بحسب العديد من التقارير والشكاوى، يوظف المدارس لتعزيز نفوذه وغرس أفكاره بين الطلاب، تمامًا كما يحدث في مناطق سيطرة الحوثي.
من المثير للقلق أن المدارس أصبحت أداة لنشر الأفكار الدينية المتطرفة وتسييس التعليم، ما يهدد مستقبل الأطفال اليمنيين في ماليزيا. إن غياب الرقابة الحكومية على هذه المدارس يزيد من حدة المشكلة ويضع أجيالًا كاملة في دائرة الخطر. من غير العدل أن في الوقت الذي يتمتع فيه هوامير الفساد وأصحاب النفوذ بقدرة على تعليم أبنائهم في أفضل المدارس، مثل مدرسة “إيماس” التي يملكها فؤاد هائل، يعاني أبناء الفقراء في ماليزيا من عدم القدرة على الحصول على تعليم جيد يلبي احتياجات العصر. وهذا يعكس الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه الجالية اليمنية في ماليزيا، والتي تُعد من أفقر الجاليات اليمنية .
لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته المبادرة المجتمعية في مناقشة السبل الممكنة لحل مشاكل التعليم لأبناء الجالية مع الملحق الثقافي. تم التأكيد على أهمية العمل الجماعي المتكامل بين أبناء الجالية لتعزيز فرص النجاح. ومع ذلك، ورغم هذه الجهود، لا تزال التحديات قائمة. فقيادة الجالية تفتقر إلى خطط مدروسة وتعتمد بشكل كبير على العشوائية في إدارة الأمور. الهدف الحقيقي لبعض الجهات من السيطرة على الجالية هو إبقاؤها تحت هيمنة حزب الإصلاح لخدمة مصالح الحزب بعض النظر عن المؤهلات العلمية.
توجد جمعيات يمنية، مثل جمعية “تواصل” وجمعية “إنسان”، من المفترض أن تكون ملتزمة بدعم التعليم وهو ما تشير اليه الرؤية التي على ضوها تأسست هذه الجمعيات والتي تتبع حزب الإصلاح، لكن للأسف، تذهب جهود هذه الجمعيات لدعم أبناء الإصلاح في الجامعات، على الرغم من حصول معظمهم على منح ومقاعد مجانية. في هذا السياق، قدم فؤاد هائل دعمًا مشكورًا بتوفير 150 مقعدًا لأبناء الجالية، وتم توزيع هذه المقاعد بطريقة شفافة بين أبناء الجالية. هذه الخطوة تمثل نموذجًا جيدًا يجب الاستفادة منه وأخذ الدروس والعبر منه للمستقبل..
إن الوضع التعليمي لأبناء الجالية اليمنية في ماليزيا يحتاج إلى تدخل عاجل من الحكومة اليمنية. لا يمكن أن تستمر هذه الأزمة دون حلول جذرية تحفظ حقوق جميع أبناء الجالية في التعليم، بعيدًا عن التسييس والاستغلال. فالمستقبل التعليمي لأبنائنا هو مسؤولية جماعية، ويتطلب منا جميعًا العمل بجدية لإيجاد حلول تضمن لهم مستقبلًا أفضل.