المواطن/ كتابات – محمد فائد البكري
المحسوبية تنخر جسد ما تبقى من الدولة والمجتمع، و تتوغل في الوعي الجمعي مغلفةً بدعاوى الظرف الاستثنائي. و البعض يفترض أن المحسوبية في الوقت الراهن ضرورة من ضرورات الصراع السياسي لحفظ التوازن بين الفرقاء وتوحيد الجهود ضد الخصم !
نحن في الظروف الراهنة أحوج ما نكون لتطبيق القانون وعدم الاستثناء، فعندما تستنفر الهويات الصغرى يصبح المجتمع أكثر حاجةً للقانون وروح القانون، والتمسك بأهداب القانون؛ ليعبُر على تلك الهويات و يجسّد رؤية جامعة ومتجاوزة لفخاخ التمايزات.
يقال إن بعض الأحزاب السياسية تسعى للتمكين للمحسوبية واستغلال بعض علاقاتها وبعض ثقلها السياسي في فرض أسماء محسوبة عليها، واستقطاع مناصب سياسية وعسكرية وامتيازات مالية. وهذا يستوجب أن نستشعر أهمية المؤسسة فعدم قيام المؤسسة بدورها يسمح باختطافها وتجييرها لجهة على حساب الدولة، فلو أنتجت الشرعية خطاباً عابراً للمحاصصات والمحسوبيات، ومنتجاً لاحترام القانون سواءٌ على مستوى القرار أو مستوى الممارسة، واتخذت اجراءت صارمة تجاه كل طرفٍ محسوب عليها يخالف سياسة الدولة، لو حدث ذلك من الشرعية لما بقي للولاءت الصغرى أن تظهر على حساب الدولة.
وفي السياق ذاته يستغل بعض المتغولين ضعف الدولة ويأبى أن يرقى إلى مستوى الوعي بالمحنة التي يمر بها الوطن، بحيث يغادر ذهنية الصراع، ومربع التوجس. وهذا البعض يبرر لجوءه للمحسوبية باستعادته لحقه الذي نُهب في زمن مضى، كانت فيه السلطة تتغوّل و تمارس التمييز والإقصاء،وهو تبرير متهافت، فليس من القانون تصحيح الخطأ بخطأ.
في المناطق المحسوبة على سلطة عبد ربه منصور هادي ممارسات صارخة للاستحواذ والاستئثار يمارسها النافذون في هذه المناطق بكل استهتار وعنجهية، بل إن كثيراً من قرارات الرئيس و تعييناته قدّمت وتقدّم أدلةً واضحة على غياب روح المسئولية،وتكشف عن استهتار صارخ بالقانون، حيث ما يزال عُرْف أهل الولاء والثقة هو المعيار الحاكم في هذه التعيينات. وحيث لا مكان للكفاءة المهنية أو التخصص أو الخبرة، ولا مكان للرقابة والمحاسبة والمساءلة القانونية.
فالمناصب تمنح كترضيات لمراكز قوى ورشاوى أو تمنح محاباة للأقارب و ذويهم، في ظرف نحن أحوج ما تكون فيه لتسييد القانون و رفع الوعي به واحترام المؤسسية .
وبالمثل تماماً في المناطق المحسوبة على سلطة الحوثي كشفت التعيينات والقرارات عن عدم استشعار الحد الأدنى من ضرورة احترام القانون، واحترام التنوع المجتمعي و أصبح معيار السلالية والمناطقية فوق كل اعتبار، حتى شاع أن لقب” الشامي” و” الحوثي” ، والمتوكل” ـ وهي ألقاب سلالية ـ أهم من أي لقب أكاديمي أو مهني، ومن أي تخصص أو خبرة أو كفاءة.
وهذا النمط من التكتل والتضامن في صميم العنصرية التي ما تلبث أن تكمن في النفوس و تستحوذ على مشاعرها وتتحوّل إلى ثقافة تعمل بطرق متعددة ضمن أجهزة الدولة ومؤسساتها ملغيةً أي معنى للمؤسسية وأي اعتبار للقانون، و تكرّس للمحاصصة والمحسوبية داخل الجهاز الإداري والخدمي، وتعيق كل خطط التنمية، وكل برامج التحديث، وتشل كل أملٍ بدولة المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية من موجبات الدفاع عن المجتمع أن ننقد وأن نرفع الصوت عالياً بالاستنكار، لكن لايجب الخلط بين حقنا في النقد وحق المنقود في احترام شخصه، وحتى لا تكون أقوالنا شططاً وشطحاً ينتقص من مدنيتنا ومن احترامنا للقانون، ولعل أقرب نهجٍ لتحقيق ذلك أن ننتقد بروية وحجاج، وعلينا ما استطعنا أن نتجنب التقييمات الغريزية والتفضيلات الذاتية التي تكوّن الأحكام المسبقة، وتصادر على الغير حقه القانوني.
ومن ذلك أن بعض النقد يصبح شتيمةً موجههةً و بذاءةً وهتك عرض، وافتراءت وأكاذيب وتدليس بغرض التشويه للشخصية المُعيَّنة لا الاعتراض على قرار التعيين وبيان عدم قانونيته، سواءٌ تعلّق الأمر بمخالفة في صيغة القرار أو في ولاية الجهة وحقها في إصدار القرار أم لعدم كفاءة المُعيّن أو أهليته أو شيء مما يحول بينه وبين المنصب لاختلال الشروط مثلاً، فكل هذا مما يعني رقابة المجتمع وممانعته لتغوّل السلطة. وهو اعتراض في سياق الوعي بالقانون وبالمسؤولية تجاه المجتمع.
أما الاعتراض في السياق العاطفي لكون فلان ينتسب للحزب الفلاني، فذلك ما لا يجعل وجهاً للاعتراض إلا إنْ كان التعيين من قبيل المحسوبية. وينبغي ألا يغفل حق المعين في الانتساب لأي حزبٍ يريد ما دام ذلك وفق اعتبارات القانون. وكل الأحزاب اليمنية أحزاب وطنية و كل منتسب لها مواطن يمني موفور الحق بقوة القانون.
كما يجب ألا يغفل حق أي مواطن في أن يطمح لأي منصب ما دام مؤهلا، ويرى في نفسه القدرة على النهوض بأعباء المنصب، وخدمة المجتمع من خلاله، ومادام ذلك ليس على حساب حق أحدٍ آخر في سلم الوظيفة العام والتدرج الإداري، ومادام تعيينه تم وفق الاجراءات التي نص عليها القانون.