المواطن/ كتابات – فهمي محمد
المثقف ليس شخص حامل للمعارف فحسب ، ولكنه شخص قادر على بلورت معارفه وافكاره علمياً في رؤى بديلة للواقع السياسي والاجتماعي وحتى الثقافي الذي يعيشه مجتمع ما ، وذلك تعريف المثقف بالمفهوم الدقيق الذي نقصده في حديثنا عن المثقف والدور والمنعطف وتلك ثلاثية تجعل من المثقف ناقد اجتماعي بالمفهوم الانتلجنسي .
فالمثقف بالمفهوم الانتلجنسي كحامل للمعارف وكباحث عن الحقيقة ، غير المثقف بالمفهوم التقليدي اوحتى العضوي الذي صاغه ” المفكر والفيلسوف اليساري غرامشي ” كمثقف يمارس الدور في سبيل هيمنة فئة اوطبقه او حزب او ايديولوجيا ينتمي اليها عضوياً هذا المثقف العضوي ،
فالمثقف العضوي على سبيل المثال كحامل للمعارف يمارس دوره التنويري بسلاح المعرفة في منعطف تاريخي من اجل انتصار مشروع سياسي او ايديولوجي (الأناء على الآخر )، فمفهوم المثقف هنا أقرب إلى مفهوم المناضل السياسي وذلك هو السر في تجنبي استخدام مصطلح المثقف العضوي في بعض كتاباتي .
فما أنشده واقصده هنا من مفهوم للمثقف كحامل للمعارف ومفهوم للدور الذي يقوم به في منعطف ما ، هو في نظري يمثل حالة تجاوز للمفهوم والدور عند المثقف بالمفهوم العضوي الذي ذهب اليه الفيلسوف ” غرامشي ” ، فالمشكل عند ” غرامشي” في نظري انه اثناء صياغة مفهومه للمثقف العضوي كانت اقدامه واقفة بثبات على سطح الايديولوجيا ، وليس على سطح المعرفة بالمفهوم التي تجعل من حاملها باحثا عن الحقيقة ومطارداً لها وليس مناضل سياسي في سبيل هيمنة وإنتصار مشروع الانتماء ، ومع ذلك لا يعني قط ما اقوله هنا إلغاء دور وقيمة واهمية المثقف العضوي في تغير الواقع .
كما ان المثقف بالمفهوم الانتلجنسي الذي اقصده هنا لايعني حامل المعرفة والذي بموجبها يمارس دور مهني تعليمي ، وبالشكل الذي يجعل من المعارف وسيلة لإكتساب الرزق ( مثل اساتذة الجامعات ومن في حكمهم ) لان هذا الصنف من المثقفين غالباً ما يمارس المعرفة بدون موقف نقدي للواقع الاجتماعي ، والذي يجعل منه صاحب رأي وقضية في الشأن العام ومناضل في سبيل المجتمع . فوعيه المهني يجعل منه شخص يقدم علوم مجردة لطلاب دارسين ، كما أن راتبه وموقعه وحتى طموحه الاجتماعي يجعل منه شخص يقف في صف النظام الحاكم غالباً .
فالمثقف الإنتلجنسي هو المثقف الذي يرتبط أساساً بالدور التنويري والنقدي وبالمنعطف التاريخي الحرج ، وهو في الاساس باحث عن الحقيقة وادواته في ذلك هو الوعي المجرد والمعرفة ، وهو بذلك يحول الوعي والمعرفة إلى ثورة مستمرة تستمد قوتها من ذاتها ، فالمثقف هنا كحامل للمعارف هو في حد ذاته صانع ثورة مستمرة .
كما ان المثقف هنا يكتسب ماهيته من الدور الذي يقوم به ، وهو دور ” التنوير والتصدي “
فهو هنا يمارس دوره كناقد اجتماعي لكل ماهو سلبي ومنحرف في الواقع الاجتماعي ، ولكن دوره هذا لا يقف عند حدود النقد ، بل يبلور معارفه وافكاره في رؤية بديل لهذا الواقع ، وذلك مفهوم التنوير والتصدي الذي يسقطه هذا المثقف او يقوم به في منعطف تاريخي معين .
والمنعطف هو واقع اجتماعي موضوعي يمر به المجتمع يحمل مؤشرات سلبية او ايجابية ، تجعل منه مجتمع يعيش على مفترق طرق ، ( كما هي اليمن اليوم ) وفي هذا المنعطف تبرز قيمة وجود المثقف الإنتلجنسي كحامل رسالة تجاه مجتمعه ، فهو شخص يحمل المعرفة ويمارس الوعي ، ويقوم بدور ” التنوير والتصدي ” في منعطف تاريخي يمر به مجتمعه ، بمعنى آخر يغادر حالة السكونية والخوف والصمت ، ويحول المعرفة والدور إلى ثورة مستمرة تبحث عن الحقيقة داخل المنعطف وبشكل يؤسس للمستقبل المنشود .