المواطن/ كتابات – علي عبدالفتاح
الإهداء إلى: الجبهة الشعبية ــ الاسلامية بقيادة حزب الرشاد السلفي وسائر السلفيين في المرحلة التأسيسية والتالية حتى نشوء الأشكال التداولية التعاقبية للأحزاب جميعاً طالما كانت في المعارضة وعلى الأسس الدستورية الديمقراطية السلمية أثناء الأنشطة الجماهيرية الطوعية داخل الأشكال النضالية التنموية المشتركة من أسفل,,, فضلاُ عن ضمانها المكفول والمدعوم عالمياً لحركة حماية وصيانة الدستور التوافقي على طريق تجسيد المسارات الحرة والموضوعية التراكمية الطوعية الشاملة القائمة على التفاؤل التاريخي لاسيما إثر عودة الآمال العظيمة العالمية والوطنية فحركة الابتكارات الحرة للجماهير وكذا المبدعين الأحرار ضداً وتجاوزاً للإشكاليات والمعضلات القائمة أو المعترضة بما يكفل حركة الحيلولة دون السقوط الوطن والمجتمع تحت حكم الحزب العسكري الاستبدادي الجديد غير المستفيد وغير المستطيع من الاستفادة من دورس وعبر الأنظمة الحزبية البنية العربية الراديكالية المأساوية في المنطقة بما فيها اليمن والعاجزة بدورها عن الارتفاع إلى مستوى التفكير المنهجي العلمي الاستراتيجي الحضاري المطلوب الآن بإلحاح من شتى جوانب الواقع في كل مكان والناجم عن أسس وطابع نشاطه البني الكالح في الوقت الذي يكشف فيه مثل ذلك الارتفاع المسؤول باعتباره الوسيلة الموضوعية الوحيدة لإدارة المجتمعات المتأخرة المهددة بالإعاقة راهناً نظراً لتعقد تطورات هذه البلدان داخل المجرى التطويري الجوهري العالمي والعربي والاقليمي المرتهن عاجلاً أو آجلاً لهذه المنهجية الموضوعية واشتراطات النشاط الحضاري الحر المفتوح والتدافع الديمقراطي السلمي وضرورة ارتهان حزبنا الاشتراكي للوثيقة التحليلية النقدية على أساس ذلك إثر تفتحه وتطويره بما ينسجم مع تعمق وتوسع الحرية وأولوياتها المساعدة والكفيلة في الانضاج السريع للأفهام والخبرات المجموعية على طريق عدم التصرف البنيوي المنظومي لحزبنا إلا على أساس مضمون بل جوهر النتائج الكبرى التاريخية له والمتجدد راهناً بمبدئية راسخة أكيدة بإذن الله, كما قد يشير إلى ذلك الأمين العام لحزبنا د/ عبدالرحمن السقاف حين يؤكد (إن الحزب لن يتصرف بأقل من تاريخه).
—————————————————————————
إن تمزّق العلاقات الاقطاعية القديمة وصعود أسلوب الانتاج الجديد بقواه وعلاقاته والمسودة لفترة ممتدة داخل أحشاء التنظيم الاقطاعي للمجتمع القديم باقتصاده الكامن بعلاقاته وقواه وثقافته المتراجعة بل والمهترئة قد انتظم في صورة سلسلة تواليات صاعدة للعلاقات الجديدة الرأسمالية المعزِزة لاضطراد التوافق والتطابق الاجتماعي الانتاجي شبه المصالحي لمجموع الشعب الملتفة شيئاً فشيئاً وراء الطبقة المتكونة المتبلورة الرأسمالية في ظروف تنامي وتعاظم مستمر لصراع الطبقات أفضى إلى الحروب الجديدة المتوالية الصاعدة بمظاهرها الثلاث الفلاحية فالدينية فالقومية ذي الجوهر البرجوازي الناشئ وذي المسار التقدمي الموضوعي التاريخي فالثورات الناجحة, ابتداءً من الثورة الهولندية ذي الأبعاد التحررية الوطنية ضداً من الإسبان في القرن السادس عشر فالثورة الانجليزية الكبرى في القرن السابع عشر ثم الثورة الفرنسية العظمى القارية الأبعاد والعالمية التأثير في القرن الثامن عشر, قرن الثورة الصناعية التكنيكية ثم الثورة الامريكية العظيمة الحرة ذات التأثيرات العالمية في كل الأرجاء في صيغة المزيد من تنامي واتساع وتعمّق السوق العالمية والحضارة الجديدة التي أطلقت الشعوب والموارد والانجازات الكبرى المدهشة من سباتها الاقطاعي البليد فكانت التحولات المستحدثة في الولايات المتحدة ثم التحولات الرأسمالية الناشئة المرافقة للتحرر الوطني والقومي في أمريكا اللاتينية ثم إجهاز المقاومة الاسترالية البدائية لصالح الاحتلال فالسيطرة التامة الأطلسية ثم توالت الثورات والاصلاحات التطويرية في أرجاء العالم كإصلاحات الامبراطور الياباني التي أطلقت النشاط المنظومي الجديد المستقل للبلاد وغيرها الكثير من الاصلاحات الاضطرارية كإصلاحات القيصر الروسي التضليلية التي فتحت مجالاً وإن بطيئاً فجزئياً للتطور الرأسمالي الروسي شبه التابع فالتابع لاحقاً حتى قيام الثورة الاشتراكية.
إن تلك الصدامات والاصلاحات قد فتحت الآفاق في اتجاه اضطراد النمو والبناء في كل مكان بما فيها الاستيقاظ المحسوس للشعوب العربية تحت تأثير كل تلك العوامل ومنها صدمة أو صدمات الحضارة الرأسمالية الاستغلالية الاستعمارية (الكولونيالية) المتعممة ومنها وأهمها: مصر والشام والعراق وعموم المغرب العربي فالسودان وأخيراً اليمن المستفيدات من الجلاء النهائي للأتراك بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى ونجاح الديمقراطي الثوري الباسل لا الشائخ أتاتورك في إحداث الثورة بشعارات ثورية كبرى أفضت إلى ممارسات متحققة تقوم على البناء البرجوازي الصناعي والزراعي والثقافي منقذاً بذلك تركيا العثمانية من التشظيات المبيتة وواضعاً أسس التطورات الجارية تحت الزعامات الحادثة الجارية,, وفي الصين كان نجاح الديمقراطي الثوري العظيم (صِن يات صن) في الوصول إلى السلطة والتحالف مع الاتحاد السوفياتي الوليد في صراع مع المطامح والتدخلات المتقاطعة مع بقايا النفوذ الانجليزي وتحالف الاقطاع الصيني معها منذراً ببروز الطابع والمضمون المستجد للصين الحديثة التي قادها ماو بتأثر وطني فتي شجاع بالديمقراطية الثورية الفتية المدعومة أممياً بعامة وستالينياً بخاصة وذلك إلى شاطئ الأمان فالبناء الاشتراكي بقيادة حزب شيوعي غلبت عليه فوراً إثر اعتقال وتصفية السلطة السائدة لأمينه العام ومحاولة تصفية المنظمة الشيوعية البروليتارية في شنغهاي حيث الأمين العام الذي كان بمعية القائد الشيوعي البارز رئيس الجمهورية بعد استيلاء الحزب الشيوعي على البلاد حتى أواخر الخمسينات لتسود خط شوين لاي رئيس الوزراء والتي تعود إلى محرابها المنهجي التطويري الوضيء كمركز سياسي لشيوعيي وعمال العالم من جديد في اتجاه العالمية الحضارية.
وعلى هذا المجرى المتوثب إلى العُلا, كانت الأزمات الدورية تستبد بالتطور الرأسمالي العالمي لاسيما بعد الثورة الصناعية وبالذات مع تنامي فظهور الاحتكارات الرأسمالية مع الثلث الأخير للقرن التاسع عشر حين كانت حلقات الأزمات الدورية على صعيد الازدهار المثمر نشوءاً وانتهاءاً تدوم لما يربو عن عشرين عاماً ثم تراجعت سلسلة هذه الحلقات إلى عقد ونيف ثم أقل فأقل فسنين معدودة مختلطة حيث يرتبط الكساد بالتضخم وبالبطالة في آن واحد وسط دهشة مثقفي الاحتكارات التي فعّلت تسلسل الثورة العلمية التكنيكية التي هربوا تقدمياً في اتجاهها في المدى التالي ثم شعروا بخطورتها على استمرار المصالح المالية الطغموية وكذا في وجه التحدي العمالي الداخلي والأنظمة الاشتراكية التي كانت محاصرة والأثر الناجم من هذا التقدم العلمي التكنيكي في السيادة الديموغرافية المطلقة للعمال والشغيلة ثم بروز إمكانات التفرغ الراهن لهم في اتجاه العلم والثقافة في ظروف نشوء البديل الآلي كالأتمتة والانتاج المؤتمت التي تعني التشغيل الآلي الذاتي ثم السبرانتيك التي تعني الضبط المنطقي الآلي والبرمجة الآلية ونتائج ذلك في تحقق الوفرة المطلقة الكمية والنوعية للناتج (المنتجات) ودلالة ذلك في هروب الرأسمالية من نتائج هذا التقدم في اتجاه المضاربات الشاملة الطفيلية عوضاً عن التفعيل أو فاعلية الانتاج بالدلالة البرجوازية لمفهوم الطفيلية هنا لا بالدلالة العلمية العمالية الانتاجية له لذلك كانت اليابان المتقدمة رمزاً للأزمات في التاريخ (الراهن) للاقتصاد والتي تستمر في النشوب والتشبث بها راهناً في ظل تخبطات رسمية حكومية مستمرة.
على أن الدلالة التعريفية لما يسمى بالأزمة الدولية هي النمو التناقضي التنافسي الانتاجي الكبير المؤدي إلى الزيادة المفرطة حتماً للعرض الفوضوي (النمو والازدهار) في ظل القدرة الشرائية الثابتة بل المتراجعة ضعفاً فضعفاً مع الغلبة الديمغرافية (السكانية) للطبقة العاملة والشارين ذوي القدرات الشرائية الهابطة وأثرها في الدمار العام المنظومي للقدرات الانتاجية وحتى الخدمية (الركود فالدمار الافلاسي) على أن ذلك تشابك بثبات مع نتائج الحربين العالميتين حين برز إلى الوجود مفهوم الأزمة العامة الناجمة عن انسحاب سُدس مساحة الأرض من هذا السلوك (الاتحاد السوفياتي) تلاه الصين بسكانه العديد المليارات فالمنظومة الاشتراكية مع تناقضات وصراعات المراكز الثلاث للرأسمالية الاحتكارية الامريكية, الأوروبية, واليابان, فالمراكز الرأسمالية الواعدة كالهند وغيرها وبعض بلدان أمريكا اللاتينية ثم ما كانت تسمى بالنمور حتى أصبح النجاح نجاح مصنع انتاجي كبير في أي بلد تهديداً لهذا السوق وهذا الاقتصاد كما أن ازدهار أي اقتصاد تهديداً للأخريات.
واستطراداً فإن الحرب العالمية الثانية الناجمة عن أزمة تقسيم السوق العالمية لصالح إعادة تقسيمه لصالح الأقوياء الجدد اقتصادياً وعسكرياً بسبب المسار المتفاوت المتباين للتطور الذي يصطفي الأقوى والأسرع تطوراً ويعممه قد أدى إلى اتساع السوق الاشتراكية الوليدة والشمولية الديكتاتورية المقيتة لاحقاً, فنتائج النمو والبناء السياسي التحرري الوطني والقومي كنتيجة أيضاً لهذه الحرب العالمية وتوازن القوى المنبثقة من هذه النتيجة وأثرها في تعميق الأزمتين (الدورية) و(العامة) التي أصبحت مترابطة وما أفضى بدوره إلى وصول رموز التحرر الوطني والقومي المستقلي الارادة إلى سدة السلطة في أهم المراكز السياسية للبلدان المتحررة واسهامها التأثيري المضاد على الصعيد السياسي والتنموي كــ نهرو وسوكارنو وبيرون وعبدالناصر وبن بيلا ونيكروما ولوممبا إلخ إلخ ثم نيلسون مانديلا العظيم الأجد واسهامهم التأثيري المشار في الوقت الذي بدأت فيه أوروبا وحتى اليابان المتقدمة تكنولوجياً والفقيرة الموارد الطبيعية تدخل الأزمة الثالثة هي الأزمة الهيكلية لاستنفادها لهذه الموارد من معادن وفحم ونفط وغاز باستثناء الولايات المتحدة التي ترتبط عضوياً بالأزمتين الدورية والعامة لا الهيكلية نسبياً ولكن في اتجاه تدشينها للأزمة الاحتكارية الخاصة للمجمع الصناعي العسكري والحصائل الفضائية الاستعراضية الاعلامية كتأكيد حضور سبقي لا أكثر لا الانتاجية المثمرة كالنجاحات الفضائية المذهلة الانتاجية, العلمية, الابتكارية, السياسية, العسكرية, التجسسية للسوفيات فيما كان سوق السلاح العالمي يعج بترسانات السلاح المتكافئة بل المتطورة البديلة الأمر الذي يثبّت ويؤكد الطابع الجذري النهائي المركب لهذه الأزمة المعززة باستمرار بل بديناميكية حركة تسلسل الثورات العلمية التكنيكية المستدامة داخل العالم الرأسمالي الاحتكاري المتقدم وإذكائها الشديد لهذه الأزمة النهائية المتنفذة النافذة وذلك منذ أواخر السبعينات ـــ مستهل الثمانينات وصعوداً حين بدت آثاره الفعلية تنسحب وتصدَّر وتؤثر على صعيد ما يسمى بالعالم الثالث في نفس الفترة ومن الثلث الثاني من الثمانينات بعد ذلك داخل شبه جزيرة العرب.
إن نشوء وتطور العلاقات الرأسمالية المتبلورة منذ القرن الرابع عشر الميلادي إنما كانت قائمة على جتمعة أفراد وشخصيات الشغيلة المنتجين عبر السحق الاغترابي القسري لملكياتهم المحدودة وجهودهم أكانوا الصنائع الحرفيين أو الفلاحين المنتجين العاديين أو حتى التجار الصغار الذين تعرضوا للإفلاس المرتبط في الآن نفسه بتحولات تلك الأعمال في اتجاه التطور والتعقد لاسيما على صعيد الأدوات والآلات فظهور الأشكال الأولى للصناعات الأولية التي أسست النسق الصناعي المتوالي التطور والتعقد في اتجاه نشوء وتوطد الثورة الصناعية فتعممها فانتصار العلاقات الرأسمالية المجسدة حينئذٍ في التغيرات السياسية البرجوازية في الوقت الذي يعني ذلك تحويل سائر المنتجين المذكورين إلى عمال معدمين أجّراء يعانون من العلاقات الجديدة فيما تسمى بالتراكم الرأسمالي البدائي الداخلي الناشئ أوائل النهضة ـــ أواخر الإحياء والمرتبط في الآن نفسه بالتراكم الرأسمالي البدائي الخارجي عبر نتائج الاكتشافات الجغرافية السياسية فنهب الشعوب فالمستعمرات المسيجة قسرياً إلى درجة عودة العبودية الصريحة من خلال استجلاب الأفارقة عنوة إلى العالم الجديد والاتجار بهم في سوق النخاسة الأوروبية ثم الأمريكية حتى انتهاء الرقيق نهائياً ورسمياً في السعودية عام 1964م وذلك بعد مرور وقت طويل من نجاح الشمال الامريكي الصناعي في اجتياح الجنوب الامريكي الاقطاعي العبودي وتحرير العبيد.
هذا واكتفي بذلك دون تكرار الحديث عن مآسي الزنوج وتهميش بل ومحاولة إبادة السكان الأصليين الهنود الحمر الذين كانوا قد بدأوا في إنشاء المستويات الأولى لحضارتهم المتنامية نسبياً فالاستيلاء على الثروات من ذهب وغيرها في الامريكتين واستراليا ثم ثروات المستعمرات التي وطئها الاستعمار (الكولونيالي) الأوروبي تجسيداً لهذا التراكم الرأسمالي البدائي الخارجي لكي تؤكد أن الرأسمالية في نشأتها وتمويلاتها إنما ولدت من الإبادات والعذابات والآلام والدموع والعرق والقذر (ماركس) لذلك كانت طريق الآلام كما يؤكد عبدالله باذيب فيما تعتبر الأشكال الراهنة للتطور البرجوازي الجاري في ظروف دستورية توافقية كحالنا أقل وطأة وإيلاماً وفي الاتجاه نحو معالجة معضلات هذا التطور إلى أمام لاسيما في بلداننا المتأخرة حيث تتكون وتتولد الآن الطبقة العاملة عبر مصادرها الثلاث: الحرفيين والفلاحين والتجار المفلسين.
على أن الطبقة العاملة الأوروبية فالعالمية قد واجهت هذه الجتمعة الوحشية وعذاباتها بأشكال المقاومة العشوائية العفوية المستمرة بما في ذلك عبر تدمير الآلات (اللوديون) وعبر النضال العنود من أجل تخفيض ساعات العمل الممتدة إلى منتصف الليل وأزيد فتأسيس الأشكال التعاونية الطوعية للمساعدة المتبادلة أثناء المرض وغيره فالاستهلاكية السلعية ثم الأشكال التضامنية المطلبية النقابية المسندة لذلك النضال مع بعض الهروب من جبهات القتال التي سيق إليها عنوة وتحت تأثير الشعور القومي الشوفيني والطائفي إلخ إلخ في البدايات فتبلور الأشكال المتموضعة وجدانياً للحس الطبقي الاقتصادي المعيشي الذي وصل إلى المجابهة المتفرقة ضداً من الرأسماليين المنفردين وذلك كله في الإطار التاريخي المتكون لنسق التفكير المنطقي العلماني الوصفي التصنيفي الميتافيزيقي لاسيما في إطار المستويين التطوريين له ألا وهما المادي الميكانيكي والأيديولوجي السياسي الناشئتين الفتيتين والقوميتين حينئذٍ والذي شكّل طابعاً متقدماً نافذاً للتفكير البشري الحديث التأثيري قياساً بأشكال التفكير القديمة التي ورثتها في الوقت الذي أسهم فيه انعكاس نضال الفلاحين فالعمال تأثيرات ايجابية تطويرية جادة إلى حد تعزيز الطابع الثوري التقدمي للنضال الصاعد لمجموع الشعب بقيادة البرجوازية الثورية القومية الصاعدة.
إن النظرية المادية الميكانيكية فالأيديولوجية السياسية البرجوازيتين كانتا تفكيراً فتياً ثورياً عاكساً للتعقدات الآلية حتى نهاية الثلث الأول للقرن التاسع عشر حين بدأت التعقدات الاجتماعية الطبقية والثقافية تتجاوز أسس التفكير الوصفي التصنيفي البرجوازي المشار لصالح التفكير الجوهري التاريخي الأجد والأخلد الذي لا يعرف الانغلاق أو أي شكل من أشكال الجمود العقائدي العالقة بجميع أشكال التفكيرات التاريخية السابقة ومنها أشكال الماديات القديمة ومن ضمنها الميكانيكية فيما كانت الأيديولوجية السياسية ولدت كمتحيزة موضوعياً وذلك بأفق مصالح البرجوازية القومية ثم ازدادت تحيزاً إلى حد الخراقة علماً بأن الفلاحين بل أولئك العمال قد شاركوا عفوياً وتحالفياً تحت قيادة البرجوازية الصاعدة وكوقود لها في نفي العلاقات الاقطاعية حتى أثمرت بل أفضت بعد الثورة الصناعية إبان الثلث الأول للقرن التاسع عشر إلى نشوء حركة التبلور الافتراقي الاستقطابي الطبقي الحاد بين العمال والبرجوازية (المثمرتين) في إطار المجتمع المدني الليبرالي الفتي الرأسمالي وإن بدأت بالمقابل الارهاصات الجنينية فالمتبلورة تالياً (للاحتكارات) المرفوضة جماهيرياً والمحرمة شرعاً الأمر الذي أدى إلى نشوء الأشكال الأولى للنضالات السياسية الثورية للعمال ضداً من النظم البرجوازية حيث تفجرت الثورات السياسية العديدة كثورات ليون وسيليزيا إلخ إلخ وكذا بعض النواحي الايطالية والألمانية والتي كانت قد حققت حركة الوحدة القومية والتحول الاجتماعي الرأسمالي كحروب غريبالدي وما يعرف تالياً بالطريق البروسي للوحدة والتحديث بقيادة بسمارك.
وكان عمال بريطانيا المتقدمة الطليعية قد سبقوا جميع الفصائل الأوروبية والعالمية في الانتظام السياسي والحقوقي في مضمار الصراع الطبقي من أجل الإصلاحات السياسية البرلمانية والمطلبية النقابية وأثر ذلك في حركة نشوء النضال الطبقي العمالي التاريخي السياسي الاوروبي فالعالمي حينما نشأت التنظيمات والأحزاب السياسية البروليتارية تحت يافطة الشيوعية والاشتراكية كغايات مستهدفة لكن في إطار نظري مبرقش من طوباوية اشتراكية مضببة ورومانسية حالمة فمنقشعة وميكانيكية جمودية تقليدية وفوضوية راديكالية متفلتة فشيوعية أو اشتراكية أولية الذي انعكس في ميلاد الطابع التاريخي الخامس للبشرية في مضمار التفكير العاكس للسيكولوجية الجديدة النوعية البروليتارية الحاثة نضالياً في اتجاه بروز وتبلور الفردية البشرية الجديدة القادرة بأصالة على التضامن الطبقي والإنساني المبدع بحرية والذي يرث خبرات النضال البشري وعلومه منذ فجر الصراع الطبقي لنشوء الدولة الضابطة أو الملطفة المحتوية له إلى حين فمنجرات ايجابية بهذا المستوى أو تلك للتفكير الأربعة للبشرية: الأسطوري الخيالي المشاعي, التأملي النظري العبودي, الركودي المتكلس الاقطاعي, الوصفي التصنيفي البرجوازي في اتجاه الفكر المفتوح الحر اللامتناهي فكر الانسان المبدع المقارب أبداً للحقيقة وبأصالة غير محتكرة لها إنه فكر الحرية فكر الابداع وفكر الاقناع المبرهن على الصعيدين الحسي والمنطقي إنها المادية الديالكتيكية والتاريخية الجوهرية في اشتراطاتها الراهنة البالغة التأنسن وبعيداً عن الحروب والثورات المضادة والتمردات وسائر الثورات لصالح السلم الأهلي والعالمي المتموضعين والدافعين للبناء الموضوعي التراكمي الجاد والمسؤول المفضي حتماً في الظروف الراهنة لحركة نضج البنية المنظومية الكونية إلى تغيرات نوعية كيفية شتى ضداً من أزمة الاحتكارات المعيقة لذلك والتي لم يعد لها مبررات الاستمرارية السيرورية وبسببها المتأزمة نفسها وغير القادر بالتالي في التبلور الفاشي السلطوي الجماهيري لأسباب كثيرة متعددة, أهمها: اتساع وتعمق الحرية المعممة أنشطةً واعلامياً نافذاً في ظل استشعار فتأكد الشعوب المتزايد بوجود ونمو البديل الحضاري التاريخي للاحتكارات وذلك في نسق الرخاء الوليد القائم على تعقد وتطور وتعمق الاتمتة السبرانيتيك فبقاء وترسخ وتعمق الحرية وهو ما يجعل التدافع الجماهيري الديمقراطي السلمي الانتخابي غاية كل النضالات الراهنة علماً بأن هذا التفكير المؤنسن قد بشر بذلك منذ زمن ممتد وبات الآن يعكس مصالح ووجدانات وغايات المواطن ــ الانسان ــ العالمي أي في كل مكان كما ينقسم هذا التفكير المؤنسن متسلسلاً متخصصاً إلى سائر الأقسام العلمية المتنوعة الشاملة والمؤثرة مباشرة في مضامين كل العلوم وسائر أفهام المعارضة بمستوياتها المتفاوتة في العمق والاتساع لاسيما مع البيروستريكا الثالثة للحزب الشيوعي (جورباتشوف) الذي فرض الانفراج العالمي لصالح تعضيد الأفضليات ودرء السلبيات إن وجدت وما هو اهم من ذلك من مرامي غاية التشعب والتفرع أهمها كسب الزمن المقارن الذي يستحيل معه كبح هذا الانفراج في ظل نمو التخثر المتزايد للسياسة الاحتكارية الناجم عن التعمق الجوهري النهائي لأزمتها كما تحقق ذلك في سيناريوهات وبلهوانيات بوريس يلتسن عامل البناء المستدام والخشن والمكتسب النافذ لحركة الزمن الفارضة لحركة هذا المجرى الكوني المنهجي التغييري الراهن الذي لايُقاوم في ظل الاقلاع النهائي الحر للديالكتيك كقوانين موضوعية وكمفاهيم ومقولات نافذة بل وفي أشكال وطوابع تضايفية وجوبية لحركة السياسة وملزمة للساسة بما فيهم المأزومين الملفسين ولا محيص.
إن كل تلك الحيثيات قد انعكست في تطور ودقة هذا التفكير البشري التاريخي الخامس والأخلد الذي بات يصرخ في وجه الطابع البربري القديم للصراع الطبقي من الطرفين والذي يقوم على الحث المرفوض على تأجيجه في وجه الاستكبار والاستغلال المحلي والدولي لصالح التدافع الشرعي وصولاً لصندوق الاقتراع على طريق تجاوز إشكاليات الطغمة المالية بالغة المحدودية وإمكاناتها المعاقة قياساً بالبشرية التقدمية الغفيرة الكوكبية الكونية وأثر هذا التفكير المؤنسن المنسجم والمتناغم في ترسيخ أولويات الحرية والسلام فالعدل داخل نضج البنية المنظومية الكونية والمسار الموضوعي العام لحركة العلم المنجز والتكنيك المشغَل والمصمم المبدع فالتفرغ الجاري واللاحق للعمال للعلم والثقافة والتصاميم والرياضة.
على أن هذا التفكير الذي تبلور أولياً في الأعوام 1839م ــ 1844م قد تكامل في طابع ومضمون (كلاسيكيته) وأقسامها المطردة التعمق والتطور والمتوالية في ترابطاته المتسلسلة فالمتخصصة الشاملة حيث نشوء الظواهر فالتكوينات الجديدة وتعميماتها المادية التطويرية فالمنهجية المنطقية في اتجاه الآفاق النوعية المنظومية ومنها السياسات الجديدة حيث كان لها أثرها في الانتصار النهائي لفكر الانسان, فكر الحرية المفتوحة والابداع المبتكر والاقناع الحضاري, المبرهنات راهناً بأفق التعمم الحادث موضوعياً ومنطقياً.
على أن (كومونة باريس) كانت مظهرها التجسيدي التطبيقي الوطني والأممي الأول رغم عدم تكامل مضمونها المنهجي السياسي النضالي علماً وخبرةً فتجربة فتضحيات جسيمة لها التي أفضت إلى الابادة الشاملة للثوار الذين مع ذلك قد أوقدوا الرعب في قلوب وعقول الطفيليين الأمر الذي فرض شيئاً فشيئاً الأشكال الأولى لاحترام وتقدير العمال والعمل فالحوارات المسؤولة مع هيئات وأحزاب العمال بمطالبهم النقابية فالسياسية وإن استمرت قليلاً حركة اغتيال الطلائع العمالية بين الفينة والأخرى حتى توقفت مع حلول النصف الثاني من الخمسينات والستينات وصعوداً وذلك في العالم الصناعي كله. وهذا فيما كانت ثورة اكتوبر البروليتارية العظمى التالية ذات التأثيرات الكونية الجبارة شكلت أساس وفاتحة لنشوء الثورات الجوهرية الجديدة في تاريخ العالم المعاصر إذ حققت انتصاراً تأسيسياً نوعياً كيفياً تاريخياً متموضعاً للنضال العمالي والشعبي الجديد في اتجاه تجسيد تاريخ حضاري جديد راهناً وتالياً والذي يلف الآن وصعوداً واقع الكوكب كله بإذن الله بعد التبلور النهائي لنضج البنية الكونية المنظومية وحراكه الدستوري التوافقي المكفول والمضمون داخلياً واقليمياً وعربياً وأممياً بعيداً عن الانقلابات أو الثورات المضادة, إنه تجسيد فاعل للمفهوم الراسخ المستقر الكامن في مقولة البشرية التقدمية المفتوحة على التطوير الجوهري المنهجي السياسي الشامل والمتفق عليه في كل مكان بعيداً عن سور برلين أو الستار والحصار الحديدي أو فرض الرأي والاتجاه الواحد أو أي ممانعة قادرة على الحد من صيروراته التحويلية التحولية.
على أن ثورة أكتوبر السوفياتية العظمى قد تعرضت لاضطرارات قصوى زمكانية داخلية وخارجية مؤدية إلى فرض (الجتمعة) و(مجتمع الثكنات ــ علب الساردين) الناجمة عن ذلك أي عن النتائج البربرية القاسية للحرب العالمية الأولى والاستبداد القيصري الأوتوقراطي المنهار والفشل البرجوازي الراديكالي البني الاستبدادي الذي ارتد وتراجع فانهزم لصالح نجاحات الثورة العمالية حيث كانت البيروستريكا الأولى للينين الكامنة في السياسة الاقتصادية الجديدة قد أدت إلى تلبية الكثير من المصالح المشروعة والانتقالية حينئذٍ فتفتح التنمية الجديدة الاشتراكية الجوهر فترسخ وإعادة ترسخ تحالف الشعب العامل تحالف العمال والفلاحين القائم على التحقق الأولي للترابطات الاقتصادية التجارية والعلمية التكنيكية على صعيد أوروبا والمستوى العالمي في إطار (وحدة لا تفارق صراع الضدين) أي إطار التدافعية السلمية وهو ما لم يستفد منه الفولاذي المبدئي ستالين قائد الحزب الشيوعي الأوحد والمعبود لاحقاً فالعسكرية الشيوعية البنية المفتقرة حتماً وإلى حد كبير إلى الخصوبة النظرية العميقة والاستراتيجية المقنعة لا القسرية فالتكتيكات السياسية المرنة الموحدة للنضال العام على الصعيد الداخلي والعالمي والمستفيدة من طاقات جميع جميع بل كل الرفاق كما كانت جميع ممارسات كلاسيكيينا العباقرة ماركس وانجلز ولينين وغيرهم من مؤسسي السياسة العمالية العالمية ذات الأفق الحضاري البعيد وذلك فضلاً عن حقوق وواجبات المواطنة المزدراة وإثر التسريع العسكري الشيوعي الستاليني (البني) فالتعبئة الروحية العقائدية النضالية للعسكرية الشيوعية والارادوية الايديولوجية والعملية على اطراد البناء الاشتراكي العاصف في غضون عقد واحد من الزمن حيث انتصرت العلاقات الاشتراكية تماماً في انحاء الاتحاد السوفياتي لا مجرد روسيا السوفياتية دون تطابق مع اشتراطات القوى المنتجة المطابقة حتماً مع هذه العلاقات الطبيعية مما استوجب نشوء واستمرارية الدكتاتورية العسكرية الشمولية الاكراهية تحت شعار (ديكتاتورية البروليتاريا) المشوهة حينئذٍ والمتحققة إلى حد كبير مع البيروسترويكا الثانية للحزب الشيوعي (خروتشوف) حتى السقوط الراهن لهذا الشعار الكبير إلا في حالات إسقاط الاحتكارات الدموية للدستور إثر ارتدادها التبلوري الفاشي شبه المستحيل بل المستحيل راهناً.
على أن ذلك التسريع وتلك التعبئة السالتينية قد أدى إلى تنامي الاقتدارات الداخلية المنظومية لمواجهة وتصدي النازية الألمانية والفاشية الايطالية والعسكرية اليابانية بل ومطاردتها داخل عمق أوروبا وغيرها ونتائج ذلك في تولد وبناء توازن جديد للقوى في العالم ومضامين أولية جنينية لتوازن القوى الحضارية المتعاظمة باطراد حالياً وأثر ذلك في الفترة السابقة المنوه عنها في نشوء المنظومة الاشتراكية وبروز القيادات الوطنية التحررية وانطلاق المراحل الكيفية فالنوعية للثورات العلمية التكنيكية والشروع في البناء الاقتصادي ــ الانتاجي والثقافي في كل مكان وإن انتكست الكثير نسبياً من هذه الانتصارات على صعيد البلدان المتحررة التي حققت نهائياً مع ذلك السيادة الوطنية وإلى حد كبير حيث بدا كما هو يقيني واضح.
إن تلك الاختلالات في سيرورة تلك البلدان المتحررة إنما ناجمة عن عدم حسمها التاريخي النهائي الحدي (لحركة الصيرورات الوجدانية) المنهجية الاستراتيجية ذي الأفق الحضاري للاختيارات الطبقية السيكولوجية اللامنغلقة واللاحساسة تعصبياً وبالتالي اللامرتدة وبالتالي أيضاً عدم نجاح التثبت والتثبيت الوطني فالقومي التقدمي النهائي لتلك الخيارات بسبب تلك الاختلالات أي بسبب العجز والقصور الوجداني اللاعمالي اللاعلمي بل اللاشعبي الجوهري المُتبنين وأثره الحتمي في نشوء حركة التضبب الرؤيوي والسياسي الرومانسي الميكانيكي الذي لا يزال يستشري بين بعض الرفاق الناجم عن هذا الحسم الضعيف المرتد فأشكال المغامرات المختلفة والطفولية القاتلة الناجم عن نفس السبب وهو غياب ذلك الحسم المبدئي ومنهجية تحققه واقعياً نضالياً ووجدانياً فرؤيوياً ونتائج ذلك في العجز التالي تجاه مجموع مشاكل الواقع والمجتمع في الحاضر وعلى صعيد الأفق المباشر المستقبلي على وجه الخصوص حتى وصلنا إلى ألاعيب بالغة الميكافيللية قائمة على انعكاس بؤري لتسلسل عكسي وطردي لحركة ضرب طبقة بطبقة وحزب بحزب وجبهة بجبهة وفئة بفئة وشخصية بشخصية والقوي المؤقت بالضعيف المتحول…. وصلنا إلى المستويات التكعيبية الأبعاد والهرمية التكوينات في أجواء فكرية وإعلامية غير حرة وبالغة التكثف التضليلي البعيدة عن مصالح المواطن ومجموع الناس ودلالة ذلك كله في انتفاء القدرة الموضوعية على المعالجات الجادة المسؤولة بل وتسليم الأنظمة لرموز وممثلي الاحتكارات في طبق من ذهب فيما كانت الاحتكارات قد بدأت تفقد قدراتها على استثتمارات وتمويلات مارشال الداعمة والمثبتة للأنظمة الحليفة إثر تعمق أزمتها الجذرية النهائية المركبة الرافضة بسبب ذلك ورغماً عن ذلك لحركة الانفراج الدولي أو ما يسمى الوفاق الدولي حين تتبارى الأفضليات نهاراً في أجواء سلمية حضارية وحيث كانت البيروستريكا الثالثة للحزب الشيوعي (غورباتشوف) هي الرد الموضوعي العملي الاستراتيجي على ذلك لا في اتجاه الانفراج فحسب بل وضمان حركة الصيرورات الناجمة المثمرة وإلى منطقها النهائي للعالم أجمع وبمشيئة الله.
على أني بعد ذلك سأحاول توضيح قضايا وسيناريوهات هذه البيروستريكا الابداعية الجوهرية الكبرى وأهدافها ونتائجها المحققة موضوعياً على طريق انطلاق العمليات الديالكتيكية التضايفية الحرة الحادثة الجارية للعالم التطوري الجوهري بسرعة مهولة وتسارع مهول إلى أمام وإلى الأمام فحسب.