المواطن/ كتابات طه العزعزي
في اليوروفيجن أخيراً أتكأت أسرائيل بخيبتها واضعة ساق على ساق ومقدمة نفسها على أنها صاحبة مشروع فني وديمقراطية إلى حد ما ، فهل نجحت في خداع الجماهير والفنانيين في هذا الحفل ؟ !
الجواب على هذا السؤال يرتبط حدثاً بعدد الردود الكثيرة والأحداث التي لم يكن من المأمل وقوعها والتي بذل العدو الإسرائيلي قصار جهده لمنع ذلك ، وهي أحداث كانت قد أخذت مدىً أبعد ، خصوصاً أنّ المقاومين في فلسطين أرادوا هذه المرة تلقين العدو درساً في ” اليورفيجن ” المسابقة الكبيرة والمعروفة التي ما أن تعلن إلا ويتهافت الكثير من رواد الأغاني ورجال الأعمال والسياسين والشخصيات الكبيرة في هذا العالم الرخو لحضورها ، ولكن في ” تل آبيب ” هذه المرة لن يتحقق الهدف المنشود لكسب أكبر حشد في المهرجان ، وهذا مامثل هزيمة وخسارة من الناحية الإقتصادية التي كانت تعول عليها إسرائيل لكسب عدد من السياح ورجال الأعمال والفنانين الكبار في العالم “أوربا وأمريكا ” بالتحديد ، وكما حصل كانت النتيجة مخيبة جداً لأسرائيل فالتذاكر التي كانت تباع بثمن 100 دولار إلى 550 دولار معاملة مع كبار الشخصيات ، لم تحقق أرباحاً كبيرة كأستثمار وعائد مرجو ، وعلى نفس المنوال أيضاً تتالت الأحداث كما تتابع قدم لاعب لعبة الغميضة وهو يمضي بعشوائية صوب لامكان محدد ، ولكن هذه المرة حدثاً أصعب وصفعة مؤلمة ستوجهها آيسلندا في المهرجان نفسه وأمام الجميع من المتسابقين ورجالات ووزراء أسرائيل وسياسيها وقنوات اعلامية كثيرة وأمام صحفيين عالميين جاءوا لمشاهدة هذه المسابقة بأعين مندهشة وبفوضى الحلم والعمل الصحافي لتسجيل وتدوين وسماع مايجب تدوينه وتسجيله وسماعه في هذه المسابقة ، حيث قامت آيسلندا برفع علم فلسطين مما أدى إلى إرباك الكثير ودهشتهم ممن حضر المسابقة وشاهدها ، وإضافة إلى هذه الردود قامت مظاهرة حاشدة في قلب تل آبيب تندد بجرائم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وعلى الجانب الآخر أرادت هذه المظاهرة أن توصل رسالتها إلى عدد هؤلاء الزوار الذين جاؤا محتفلين بفنهم على جرح كبير أسمه ” فلسطين العربية ” .
وفي رد آخر ، أستطاع فنيو القرصنة الفلسطينين في أختراق بث ” اليوروفيجن ” الذي بلغ عدد متابعيه 200 مليون شخص ويعرض مباشرة على كافة الدول الأوربية ، حيث قاموا ببث صور تعرض فيها مأساة ومجزرة صبرا شتيلا الإنسانية ومواقع لقصف طيران العدوان على غزة .
تجاوزت الفرقة الآيلسلدنية هذه المسابقة إلى ماهو أعمق وأرقى ، إنها المقاومة إلى جانب الشعوب الضعيفة ومناصرتها على نحو واقعي ومناصرة الإنسان والإحساس به وبوجعه المشترك وهي دعوة كان لابد لجميع فرق الدول المشاركة في هذه المسابقة الخاسرة أن تقتفيها ، إن آيسلندا رفعت رؤوسنا عالياً ، أعلى قليلاً مما هي كانت عليه .
أيضاً في اليورفيجن هذا ، تذكرت خبراً لافتاً ومروجاً له في العالم العربي كنت قد قرأته في إحدى الصحف اليمنية بعنوان مازلت أذكره إلى الآن وهو ” درويش يطرد وزيرة أسرائيلية في حفل فني ” ، تذكر تفاصيل هذا الخبر أن وزيرة أسرائيلية تعمدت الخروج من حفل فني جمع فيه عدد من فنانين العالم والسبب أن أحد الفنانين كان قد غنى قصيدة للشاعر الفلسطيني والمناظل الكبير محمود درويش ، وعلى ذلك أكون هنا قد توصلت إلى أن أسرائيل تكره الفن وتخافه من الجانب الآخر ، وهي في الراهن تريد أن تكسبه كي لاتخافه مجدداً ، تريد أن تقول للعالم أنها ديمقراطية وحضارية وأنها تستطيع إحتواء الفن ومعانقته بذراعيها العجوزتين .
مثلت الأحداث المذكورة صفعة قوية ورد ثابت على أن هنالك مقاومة حقيقية لم تخبو أو تستسلم ، إضافة إلى أن هنالك من يساند هذه القضية الإنسانية ويناصرها ويرى بأنها قضية حقيقية وفاضحة للعدوان وجرائمه ، وهنا نتلمس معنى للمفهوم القيمي والفني ودوريهما _ إضافة إلى التفاعل الثقافي _ في إنشاء سلام حقيقي ووثيق مع شعب فلسطين المظطهد والمتألم حتى النخاع .
إن أسرائيل تخسر مجدداً ، تخسر في اليورفيجن ذاتها وفي المنع وفي الرد أيضاً ، إنها تخسر في أن تكون دولة سلام ودولة ثوابت ومبادئ وأهداف وغايات ثاقبة ، تخسر أسرائيل وتتعرى كطفل صغير في الحمام ، تخسر في كل شئ حتى في الإنتصار الذي تراه حقيقياً.
طه العزعزي .