المواطن/ تقرير: محمد هائل السامعي
انهيار العملة اليمنية أمام العملات الأجنبية خلال الفترة الأخيرة، ظل أمرا متوقعا منذ بداية الحرب، فلا يوجد بلدا شهدت حربا ولم تعاني من انهيار عملتها، وللحرب طرق كثيرة في الوصول إلى مبتغاها، كأداة قتل وتخريب وتجويع هائلة.
هذا لا يعني أنه من الصعب تقديم تفسيرات علمية للانهيار المتسارع، والذي يأتي بمثابة تتويج لعوامل كثيرة، بعضها سابق للحرب، وجزء كبير تولد من رحمها. إذا كانت الحرب هي التعبير الأدق عن فشل السياسات وفي مقدمها السياسات الاقتصادية، فعندما تصبح سائدة فإن استمرارها يظل مرهون بمزيد من الانهيارات. وهذا ما يحدث تقريبا في الحالة اليمنية.
لم يكن إجراء رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية في 2014, المفروضة من قبل البنك وصندوق النقد الدوليين، بقصد إصلاح وضع الاقتصاد اليمني كما قيل، وإنما كانت عبارة عن ورقة سياسية رابحة لجماعة الحوثي – صالح مكنتهما من استثمار سخط الجماهير المفقرة، وتحشيدها للتصعيد ضد الحكومة، وقادة انقلاب على المسار الثوري، ثم الاستيلاء على السلطة ووضع اليمن على طريق التدمير الشامل.
في 2015 بعد السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء من قبل تحالف الثورة المضادة (الحوثي وصالح) دخلت البلد في أزمة اقتصادية كبيرة، اختفت الأوراق النقدية التي كانت البنوك التجارية والمصارف تشكوا من تكدسها، بسبب فساد الحكومات السابقة عندما كانت تغطي عجز موازنات خزانتها المالية بطباعة مزيد النقد المحلي.
مع اندلاع الحرب بشكل رسمي في منتصف مارس من ذات العام، واشتراك التحالف العربي بقيادة السعودية فيها، تمكن البعض من أصحاب المال من سحب أرصدتهم المالية من البنوك وتحويلها إلى ذهب أو عملة صعبة أو حتى تخزينها في المنازل، خوفا من تصاعد وتيرة العنف.
قسم من هذه الأموال، استغل حالة الهلع في أوساط الناس والتي نجم عنها انخفاض اسعار العقارات، وبدأ الاستثمار فيها، لكن إقدام الانقلاب على تعويم أسعار النفط وما تلا ذلك من إجراءات جعل السوق مضطربة على الدوام، وبدأ عهد اقتصاد الحرب والسوق السوداء في الازدهار. حيث أدى تعويم سعر النفط، إلى فتح السوق أمام أصحاب الأموال إلى الاستثمار في هذا القطاع، حيث باتت 75% من الكتلة النقدية تذهب إلى سوق المضاربة على النفط وتمويل الاستيراد، بالطبع الى جانب ازدهار عملية تهريب العملة الصعبة وكذلك غسل الأموال، في استغلال لغياب الرقابة وتضاؤل دور البنك المركزي الى حدود غير مسبوقة.
شكل ما سبق ذكره أزمة في السيولة النقدية مما دفع البنوك التجارية تحديد سحب مبالغ عملائها المودعيين بمبلغ (500) دولار فقط في الأسبوع الواحد، وحددت شركات الصرافة مبالغ التحويلات. وصل الحال بمليشيات الانقلاب في 2016، إلى نهب ما تبقى من الاحتياطي النقدي، بما في ذلك مبلغ (244.1) مليون دولار من الودائع والارصدة المستحقه للغير لدى البنك المركزي. نهبت الاحتياطي من النقد الأجنبي المقدر بحوالي 5.2 مليار دولار، وذهبت في مغامرتها دون أدنى مسئولية إلى طباعة مزيد من العملة تقدر ب(400)مليار ريال يمني لتغطية العجز.
الحكومة الشرعية تنبهت متأخرة إلى خطورة استمرار بقاء البنك المركزي تحت قبضة الانقلاب واستمرار تلك السياسات، فأصدر الرئيس هادي قرارا في 18/ سبتمبر من العام 2016، يقضي نقل تعامل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن، بعد الفشل الذريع للمليشيات في تحيد عمله.
إذن الكارثة الاقتصادية التي وصلت إليها البلد، هي مجرد نتيجة من بين نتائج كثيرة ترتبت على الجريمة الأكبر وهي الانقلاب على السلطة الشرعية وإدخال البلاد في أتون حرب لا تزال تعد بالكثير من الخراب. والحديث عن معالجات دون آخذ الجانب العسكري على محمل الجد، سيبقى أمر بلا جدوى، حتى إذا نجحت هذه المعالجات في التخفيف الآني من الكارثة، سيبقى هناك عوامل عدة ستأخذ دورها في تغذية حالة التدهور القائمة والعمل على تفاقمها.