بقلم فهمي محمد
المواطن – كتابات
تقول المعطيات خامساً أن صالح عندما وقع على المبادرة الخليجية كان مازال يملك عناصر القوة والمال وجهاز السلطة العميق ، وانه كان قادراً على استخدام العنف في وجه شباب الثورة وسفك المزيد من الدم الحار والثائر في عموم الساحات وفي ميادين الاعتصام ، لكن الدرس المستفاد من جمعة الكرامة في صنعاء واحراق ساحة الحرية في تعز ، جعله يحجم عن استخدام خيار القوة المفرطة في تلك الايام !
فالشباب الثائرين واجهوا آلة القتل بكل شجاعة وبمزيد من التضحيات وهو ما كان يعني من جهة اولى ان صالح غير قادر على الاستمرار في قتل الشباب العزل لا سيما ان الفعل الثوري اندلع في عصر اصبح فيه الاعلام مفتوح على مصرعيه والعالم لن يظل صامت ويسمح بمزيد من الدم ، ومن جهة ثانية لم يوفق صالح بضربه واحدة عندما حرك آلة القتل في انزال الرعب بقلوب الثوار
فلم يتحقق الهدف في تفريغ الساحات كما كان متوقع ولم يتم عسكرة الثورة وتسليح الثوار حتى يستطيع إشعال الحرب بين اطراف مسلحة ( وقد يكون ذلك محسوبا لقيادة احزاب المعارضة لاسيما وان احداث الحصبة كانت خطوة ناجحة من قبل صالح نحو اشعال فتيل الحرب وعسكرة الثورة ) بل ما حدث هو العكس تحول الدم المسفوح على صدور الثوار بفضل وسائل الاعلام الى مشاهد مروعة قادرة على استقطاب زخماً ثورياً جديداً يهز اركان النظام الحاكم من الداخل ويفقد المزيد من شرعيته ومصداقيته على مستوى الخارج ، الامر الذي اصبح لابد منه في حسابات صالح وحليفه الملك عبدالله هو تاجيل استخدام القوة الى الوقت المناسب وضرورة العمل اولاً على إمتصاص غضب الفعل الثوري وإفراغ الساحات من جموح الشباب العزل الذين استطعوا بصمودهم السلمي حشر نظام صالح العسكري في زاوية مغلقة رغم إمتلاكه عناصر القوة والدعم الاقليمي .
وتقول المعطيات سادساً أن المبادرة الخليجية أتت في الوقت المناسب ، فهي من زاوية اولى انقذت النظام الحاكم ومنحت صالح الوقت المناسب لترتيب اوراقه بعيد عن ضغط الثورة ثم انها من زاوية ثانية نقلت المزاج العام في اليمن من الحالة الثورية التي ترفع شعار سقوط النظام الحاكم وتقدم التضحيات في سبيل ذلك الى الحالة السياسية التي تتحدث عن مشاركة النظام في السلطة الحاكمة ، وخطورة ذلك تكمن بكون عملية الانتقال من الحالة الثورية الى الحالة السياسية حدثت قبل ان يتمكن الفعل الثوري من اضعاف صالح ونزع قوته الممانعة لعملية التغيير فمازال يومها قوياً يملك كل عناصر القوة والتأثير هذا من جهة ، ومن جهة اخرى اعترفت الثورة من حيث لا تدري بمشروعية النظام ومنحته نصف السلطة بينما كان في الواقع يملك كل مفاصل السلطة لأن الفعل الثوري لم يتمكن بعد من دك مراكز القوة لديه والتي بنيت من ثلاثة عقود
فالمبادرة الخليجية اصبحت وكانها فصلت في الاساس على مقاس احتواء العملية الثورية وآية ذلك انها لم تورد لا في دباجتها او نصوصوها او حتى في آليتها التنفيذية كلمة ثورة ولم يوجد في سياقها ما يعترف بوضع ثوري في اليمن لإن هدفها احتواء الفعل الثوري وازاحته من معادلة الصراع لصالح بقاء النظام الحاكم ، صحيح أن المبادرة أقصت صالح عن رئاسة الدولة وذلك شيء مهم والفضل في ذلك يعود لشباب الثورة الذين لم يكونوا ليقبلوا بماهو اقل من ذلك ، لكنها في الواقع ابقت على كل قوته الممانعة للوقت المناسب حتى يتمكن من الانقضاض مجدداً ، وفي المقابل صادرت قوة الفعل الثوري وزخمه الجماهيري ونقلت المزاج العام من الحالة الثورية والنضالية الى الحالة السياسية التي تم بموجبها إفرغ الساحات من الفعل الثوري وقوته ، فالمبادرة الخليجية تعاطت مع الاحداث في اليمن بكونها ازمه سياسية بين نظام حاكم واحزاب معارضة وحل الازمة يكمن في اقتسام السلطة بين الطرفين وهو ما كان يعرضه صالح في بداية الثورة حين رفع مصحف عمرو بن العاص .
وتقول المعطيات سابعاً ان الفعل الثوري حين تم ازاحته عن المشهد السياسي العام بفعل المبادرة الخليجية كان من جهة اخرى قد خلق الفرصة التاريخية السانحة امام اليمنيين للوقوف امام صياغة مشروع التحول التاريخي في اليمن ، وهو ما حدث في مؤتمر الحوار الوطني ، فامخرجات الحوار الوطني لا تكمن خطورتها بكونها تؤسس لاول مره لوجود الدولة الضامنة في اليمن الموحد بعيداً عن سيطرت المركز المقدس وعن قيمه العصبوية والقبلية فحسب ، بل لما هو اهم من هذا وذاك والذي يعني ان عملية التحول في اليمن تحركت نحو المستقبل بإرادة الجماهير وبفعل الفكرة الثورية ، وذلك بالطبع لم يكن مقبولاً في دول الجوار لاسيما السعودية ( فمن السذاجة بمكان ان يصدق العقل التحليلي كذبة بحجم سفورها وسذاجتها حين تقول ان الانظمة الملكية او المشائخية المستبدة تدعم ثورات التحرر التى تؤسس لمستقبل الحقوق والحريات او حتى تحميها من السقوط ) وبنفس القدر نجد ذلك غير مقبول للقوى الممانعة في المركز المقدس التي لا ترضا بأقل من حكم اليمن والسيطرة على ثرواته ، فالمركز المقدس كان في الماضي ويجب ان يظل محور السلطة والثروة في اليمن الموحد ومعارضة تلك الحتمية المتعالية في المركز اومحاولة الخروج عنها لا يتم تصنيفها من قبيل الموقف السياسي المعارض لتلك الهيمنة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية بل تعد خروج عن الدين والمعتقد ذلك ماتقوله الفتاوي الدينة في حقل السياسة في اليمن منذ الامام المتوكل على الله اسماعيل الى حرب 94 / وهي اليوم على نفس المنوال تواصل دورها في تناول مشروع الدولة الاتحادية ومخرجات الحوار الوطني بهدف الحفاظ على محورية المركز المقدس .
وتقول المعطيات ثامناً أن الثورة في اليمن لم تكن استثناءً من حيث وجود صورة نمطية تعبر عن تصدر أحزاب الاسلام السياسي للمشهد الثوري وذلك حقهم المشروع ، واذا كان الحديث عن اسباب وعوامل هذا التصدر للمشهد الثوري غير مهم في هذه المقالة فإن الحديث عن التحولات الاستراتيجي في العلاقة الاقليمية لهذا التيار السياسي والديني هي المهم ، بل والمعنية في الحديث عنها بكونها احد المعطيات التي تقدم دليل منطقي يدين السعودية في انقلاب اليمن ، وعطفاً على ذلك ، فإن النظام الحاكم في دولة قطر التي تشهد صراع له اسبابه مع السعودية من قبل احداث الربيع العربي ، اصبح عملياً هو الراعي والحليف السياسي لاحزاب الاسلام السياسي ، في الوقت الذي تصدعت علاقة هذه الاحزاب مع النظام الحاكم في السعودية الى درجة الصفر ، وتحديداً المحسوبين منها على حركة الاخوان ، وذلك أمر له مخاطره لمن يدرك اغوار الصراع وتأثيرة وانعكاساته في تفكير هؤلاء الملوك على مستقبلهم السياسي لاسيما وان هذه الاحزاب اصبحت مرشحة يومها لحكم اربع دول عربية كبيرة اذا نجحت ثورات الربيع العربي دون تدخل.
فذلك واقعاً لم يكن مقبولاً في المطلق لدى النظام الحاكم في السعودية ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر هل من الطبيعي والمسموح به عند الحكام في السعودية ان تصبح دولة قطر قادرة على التأثير او صناعة القرار السياسي في دولة مصر بكل ثقلها الدولي، ناهيك عن اليمن الدولة المجاورة .
لهذا وذاك قرر الملك عبدالله مواجهة هذه الاحزاب التي تصدرت المشهد الثوري في زمن الربيع العربي ، فساهم ونفذ ودعم في كل مايلزم في سبيل اسقاط نظام مرسي في مصر ، وفي المقابل قرر جرف الوجود السياسي المؤثر لحزب الاصلاح في اليمن ، لاسيما وان هذا الاخير تخلا عن اسلوبه البرجماتي في التعاطي مع الدور السعودية حيث بدأ بعض قاداته واعلامه مهاجمة الدور السعودي على غرار التدخل في مصر .