فهمي محمد
المواطن – تحليلات
لاشيء أشد سوءً وخطراً على مستقبل البلدان والمجتمعات من إندلاع الحروب الداخلية فيها ، فبقدر ما نجدها دائماً عاجزة عن بناء الاوطان نجدها دائما تدمر ماتم بناءه عبر قرون وفي لمح البصر ،
فالحروب دائماً لا تكتفي بأن تعيد الأوطان والمجتمعات الى الوراء عقود من الزمن بل نجدها توفر المناخ المناسب لبيع الاوطان والمتاجرة بمعاناة الإنسان على يد حفنة من تجار الحروب اوساسة مقامرين تصادر الحروب ضمائرهم تدرجيا حتى يفقدون الاحساس ليس بقيمة الاوطان وكرامة الانسان من موقع مسئوليتهم ، بل وحتى باوجاع المواطنيين الذين يدفعون وحدهم ثمن الحروب من دمائهم وامنهم وارزاقهم وحتى اعراضهم التي لا تخلوا من الانتهاك .
لم تعد الحروب كما كانت في صدر التاريخ عبارة عن منازلة في ارض المعركة يتقاتل فيها الشجعان بعيداً عن الديار والاحياء السكنية ، ويدفع ثمنها كل من يحمل سيف ويشترك فيها بمعزل عن المدنيين او النساء والاطفال .
فالحرب في الماضي رغم قبحها كانت في كل الاحوال قادرة على انتاج ابطال وفرسان وقادة واخلاق وتصنع حتى امبراطوريات ، اما اليوم فالحرب تتحرك بوحشية على اوسع نطاق وتمس كيان الفرد والمجتمع بشكل عام ،
تمسهم في الأمن والاستقرار والنظام والقانون والاقتصاد والاخلاق ، تؤثر في كل شيء ولا تعرف حدود للتوقف ، فهي لا تتوارى أن تنسف كل الاصول الثابته في المجتمع لاسيما عندما تكون حروب داخلية بين ابناء البلد الواحد .
لبنان البلد الجميل بكل معنى الكلمة ، قبلة السائحين والزؤار ، جحدا أبناءه يوماً بنعمته وسحر جماله وتقاتلوا خمس عشر سنه وفي خضم هذه الحرب فتح لبنان وسيادته الوطنية على مصرعيه امام دول الاقليم التي جعلت من ارض لبنان الجميل مسرح لتصفية الحسابات وميدان لاستعراض فائض القوى لديها، وبعد ان توقفت الحرب وانهك المتقاتلين والسياسين افاق اللبنانييون ووجدوا انفسهم بعد خمس عشرة سنة من الحرب بلا وطن وبلا سيادة وطنية ،
رغم طول الحرب وعظيم الثمن المدفوع لم ينتصروا البنانيين للوطن في لبنان بل انتصروا للطوائف والمذاهب الساكنة في عقول من لا يدينون بمفهوم الوطن .
وحتى اليوم يظل المستقبل في لبنان مفخخاً وغير آمن لان الحرب بكل ادواتها عمقت الشرخ وانتجت معادلة سياسية بعيده عن مفهوم الوطن والمواطن في هذا البلد الجميل والأنيق، ربما كان السياسي والصحفي كريم بقردوني اشجع من عبر عن مأسات هذه الحرب في كتابه المطبوع تحت عنوان لعنة وطن .
العراق بلد الرافدين وماضي الأشورين العريق مخترعين الحروف والكتابة ، يعيش اليوم حروب تستهدف في الاساس الهوية الوطنية للعراق ، وتؤسس في الواقع لمعادلة سياسية طائفية ومذهبية تتقاطع مع مفهوم الوطن والمواطن واكثر من ذلك تجعل مستقبل هذا البلد العريق والغني في الجغرافية والتاريخ على حد سوى على كف عفريت مذهبي وطائفي يرى في حدود المذهب او الطائفة اكبر من العراق الحضارة والتاريخ والانسان .
اليمن السعيد بلاد الإيمان والحكمة تعيش اليوم اخطر حروبها الداخلية عبر التاريخ، ليس لكون هذه الحرب مست وبشكل عميق وجذري كل مناحي الحياة ودمرت كل الاصول الثابته في حياة الفرد والمجتمع الذي زاد فقراً فوق فقره وظلمات فوق ظلماته ، ولا لكونها أي الحرب اسقطت السيادة الوطنية وسيادة الدولة وعمقت حالة الانقسام الاجتماعي والسياسي وحتى الثقافي ، ولا لكونها انتجت تجار حروب وساسة بلا ضمائر ، بل لما هو اكثر من هذا وذلك في واقعنا اليمني فالحرب في اليمن تستهدف في الاساس مفهوم الوطن والمواطن ومفهوم الهوية الوطنية الجامعة التي تتجاوز الهويات الجزئية ولذلك بدأت بتقويض مشروع الدولة المتوافق عليه في مؤتمر الحوار الوطني ،
والاخطر من ذلك ان تنتهي بفرض معادلة سياسية مذهبية او طائفية تحكم مستقبل اليمن على غرار ماحدث في لبنان والعراق او ان يستسلم اليمنيين لذلك تحت ضغط الحاجة الى السلام .
2018/9/6