المواطن نت- كنابات- فتحي أبو النصر
في فضاء السياسة اليمنية المزدحم بالتناقضات، تبرز شخصية الدكتور عبد الرحمن الأزرقي كإحدى المحطات النادرة التي تجمع بين السياسة كفعل نضالي مستند إلى الفكر، والإنسانية كممارسة يومية تجسد أخلاقيات المقاومة.
هذه الثنائية تجعل منه استثناء في المشهد السياسي والاجتماعي، فهو يمارس السياسة كفعل غير محترف لكنه احترافي في الحرفنة والتكتيك، كما وصفه أحد رفاقه في الحزب الاشتراكي اليمني. سكرتير أول منظمة الحزب الإشتراكي اليمني في تعز الرفيق باسم الحاج.
الأزرقي، عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، شغل في وقت سابق موقع سكرتير أول منظمة الحزب في تعز، وهي المدينة التي تعكس تاريخيا روح المقاومة اليمنية في مواجهة الاستبداد والهيمنة. لكن ما يميز الأزرقي ليس فقط انتماؤه السياسي، بل طريقة تعامله مع السياسة بوصفها ممارسة فكرية قائمة على رؤية مستدامة، بحيث يرى أن القوى السياسية والمجتمعية هي المحرك الحقيقي لأي مقاومة ناجحة.
صرح في إحدى مداخلاته: “كانت القوى السياسية والمجتمعية في تعز هي المولد الحقيقي للمقاومة”، مؤكداً أن هذه المقاومة ليست وليدة العنف فقط، بل سبقتها سنوات طويلة من النضال السلمي. هذا التصور يعكس فلسفته في العمل السياسي كفعل جماعي يستند إلى وعي تنظيمي مدروس، وليس مجرد رد فعل عاطفي.
ينظر الأزرقي إلى تعز كرمز وطني يتجاوز الجغرافيا، حيث يقول: “مصالح ومكانة تعز تكتسب بعدا وطنيا… فهي حاملة لمشروع اليمن الديمقراطي الموحد”. هذا التصور يجعل من تعز نموذجا لرؤية سياسية قائمة على خيار الفيدرالية كسبيل لتحقيق العدالة والتنمية، وكمخرج وحيد لتجنب السيناريو الكارثي لصوملة اليمن.
لكن الأزرقي لا يكتفي بطرح الرؤى فهو يدرك أن التحديات على الأرض تتطلب خطوات عملية. حينما شغل منصب مدير عام المستشفى الجمهوري في تعز خلال الحرب، واجه القصف والقنص بحضور فعلي في الميدان، مما جعله نموذجا للمقاومة العملية. تحت قيادته، ظل المستشفى يقدم خدماته للمرضى والجرحى رغم الحصار، ليصبح أيقونة للصمود في وجه الانقلابيين.
كذلك في زمن الحرب، تُختبر معادن الرجال، والأزرقي أثبت أنه يحمل مشروعا إنسانيا بقدر ما يحمل مشروعا سياسيا. لم تكن مهمته في المستشفى مجرد إدارة للمرافق الطبية، بل كانت امتدادا لمشروع وطني أوسع. فقد ظل، كما وصفه شهود، يلطف من آلام المرضى، يعامل البسطاء دون تمييز، ويكتب الوصفات الطبية بابتسامة تزرع الأمل.
ربما تلخص هذه المشاهد فلسفة الأزرقي في التعامل مع الإنسان كغاية نهائية، وليس كوسيلة لتحقيق غايات سياسية. ففي مجتمع يعاني من الانقسامات الحادة، تمكن الأزرقي من تجاوز الاختلافات الأيديولوجية، وكان يستوعب حتى أشد المختلفين معه، لينخرط معهم في حوار يعكس روح التسامح.
والأزرقي يدرك أن السياسة ليست مجرد شعارات، بل هي عمل يومي يتطلب النقد والتصحيح. يقول: “سأكون متسقا مع ما قلته بشأن ممارسة النقد، باعتباره أداة لتصحيح الواقع وكشف عيوبه”. هذه الرؤية تجعله واحدا من السياسيين القلائل الذين يمتلكون الجرأة للاعتراف بنقاط الضعف، مثل غياب القيادة الموحدة للمقاومة في تعز، وعدم وجود غرفة عمليات مشتركة. لكنه لا يكتفي بالنقد، بل يدعو إلى إعداد رؤية مشتركة بين القوى السياسية والمجتمعية، لقطع الطريق أمام من يسعون لاستمرار حالة اللادولة.
ان هذا النقد البناء يعكس وعي الأزرقي بأن المقاومة ليست فقط مواجهة العدو، بل هي أيضا بناء البديل الوطني القادر على استيعاب تطلعات الشعب. ويرى أن وثيقة مخرجات الحوار الوطني تمثل نقطة إجماع يجب التمسك بها، مشددا على أن التراجع عن هذه الوثيقة يعني الدخول في جولة جديدة من الصراع.
كذلك لا يخفي الأزرقي موقفه الحازم من السلطة الفاشلة، التي يصفها بأنها تفتقر إلى برنامج سياسي حقيقي، وتلجأ إلى أساليب التخويف والقتل وشراء الذمم. هذا النقد ليس مجرد موقف سياسي، بل هو تعبير عن إحباط أعمق تجاه منظومة تفشل في تحقيق مصالح الناس وتدفعهم نحو مزيد من المعاناة.
في هذا السياق، دعا الأزرقي مجلس القيادة الرئاسي إلى إجراء تغييرات جذرية في تعز على مستوى المحافظ والقيادات الأمنية، لإنهاء حالة الانفلات الأمني التي تهدد استقرار المدينة. هذا الموقف يعكس فهمه العميق للعلاقة بين الأمن والتنمية، حيث يرى أن بناء الدولة يتطلب إعادة الاعتبار للمؤسسات، وتفعيل دورها في خدمة المواطنين.
من هنا لم تكن مواقف الأزرقي دائما موضع ترحيب من الجميع. فقد رفض حزب الإصلاح في تعز إدراجه ضمن اللجنة الخاصة ببحث ملف المخفيين قسريا، واعتبره خصما سياسيا. هذا الموقف يكشف حجم التحديات التي واجهها الأزرقي، لكنه في الوقت ذاته يعكس إصراره على الاستمرار في مسار العدالة، حتى في مواجهة القوى التي تعرقل جهوده.
إلى جانب نشاطه السياسي والطبي، شكلت عيادة الأزرقي مساحة يومية للتأمل والحوار. كان يجلس في عيادته، ليس فقط لتقديم الخدمات الطبية، بل ليخوض حوارات فكرية مع زواره، مكرسا بذلك نموذجا للسياسي المثقف الذي يجمع بين الفكر والعمل.
في تلك العيادة، لم يكن الأزرقي يميز بين زائر وآخر، بل كان يستقبل الجميع بروح منفتحة، يزرع فيهم الأمل بغد أفضل. هذه الروح هي التي جعلت منه شخصية استثنائية في زمن الانقسامات.
وبالتأكيد فإن الدكتور عبد الرحمن الأزرقي ليس مجرد سياسي أو طبيب إنه رمز لمعنى المقاومة الإنسانية في أشد أوقاتها قسوة. ففي زمن تتسيد فيه المصالح الذاتية، ظل الأزرقي نموذجا للمثقف العضوي، الذي يمارس الفكر كفعل، والسياسة كالتزام، والإنسانية كجوهر.
وفي النهاية، يظل السؤال الذي يطرحه الأزرقي: “هل نحن متمسكون بخيارات الشعب اليمني؟” هذا السؤال ليس مجرد استفسار بل هو دعوة للتأمل والعمل، ليبقى الأزرقي صوتا يعبر عن ضمير تعز واليمن بأسرها، في زمن يبحث فيه الجميع عن البوصلة.
وأما النزاهة، الجرأة، الإيثار، والتواضع، فهي خصال ليست شائعة في المشهد السياسي والاجتماعي اليمني، لكن في الدكتور عبد الرحمن الأزرقي تجدها متجسدة بكل وضوح، كأنها مبدأ وليس مجرد وصف.
يقول عنه الرفيق باسم الحاج، سكرتير أول منظمة الحزب الاشتراكي اليمني في تعز: “جد الجد وأبو المزح”، عبارتان تختصران مزيجاً فريداً من الحزم الإنساني والروح المرحة التي تجعل منه ضمير تعز بحق.
بل إن القيمة التي يحملها الأزرقي تتجاوز حدود السياسة التقليدية، فهو ليس مجرد طبيب أو سياسي، كما اسلفنا ،بل هو نموذج استثنائي لقائد يمارس التضحية كحياة يومية، ويستلهم إبداعه من عمق القيم الإنسانية. وصفه الرفيق المنصف باسم الحاج بأنه “من أهم المخيلات السياسية في اليمن” وليس مجرد مجاملة، بل إقرار بقدرته على التجدد الدائم وتجاوز الذات، في وقت يعلق فيه كثيرون في شرك الجمود الفكري والسياسي.
ان الدكتور عبد الرحمن الأزرقي، كما يراه من عرفوه عن قرب، ليس مجرد فرد في معادلة تعز، بل هو “ضميرها”. هذا الضمير الذي يعبر عن صوت المدينة الجريحة، ويدافع عن هويتها الوطنية، ويعمل على استعادة ما فقدته في خضم الصراعات. إنه الإنسان الذي يرفض الانغلاق، ويستند إلى رؤية أوسع تتجاوز المكان، لترسم صورة تعز كحاملة للمشروع الوطني في يمن ديمقراطي موحد.