فهمي الصبري
في اليوم العالمي للمعلم الـ 5 من أكتوبر أستذكر لحظات فارقة في مسيرتي الدراسية دفعتني للأفضل:
كانت أول لحظة في حياتي أعرف بها عظمة المعلم ومقامه الرفيع مع الأستاذ علي عبدالوهاب قائد علي، المعلم الذي ألهمني شَكّلَ فرقًا بين حياة التلبد التي كنت أعيشها قبل أن يمد يد العون لي وبين حياة التعافي التي أخرجني إليها من تلبدي.
أتذكر في الصف الثالث ابتدائي حين قلت له بأني خصصت دفتر للدروس وآخر للواجبات فأشاد بهذه الخطوة وشجعني حتى أن حياتي الإملائية تغيرت خلال نصف ساعة من درسه لي بعد التشجيع، حيث حصلت على درجة 10 من 10 بأول نشاط إملائي أقوم به في ثاني يوم دراسي أحضر له بعد أن كنت أحصل على صفر 0 من 10 قبل تشجيعه لي.
بعد تلك اليوم وإلى اليوم وأنا أتصدر المراتب الأولى بالإملاء، وأنا ممتن كثيرًا له ولن أنساه ما حييت..!
الأستاذ أحمد عبدالرزاق والأستاذ هاشم عبدالله قائد معلمو التربية الإسلامية في الصف الرابع أساسي، كل واحدٍ منهما في جزء، أتذكر تشجيعهما لي وتحفيزي، ولم أخيب ظن أحدٍ منهم، فقد تصدرت المراتب الأولى مما ضاعف تشجيعهم لي.
الأستاذ سعيد عبدالودود معلم اللغة العربية الذي علمني في الصف الخامس أساسي في المدرسة.
كان بعض طلبة الدفع التي سبقتني بالدراسة عنده يخوفونني منه ويصوروه لي “وحشًا” فلمّا وصلت القاعة واستمعتُ لما يُلقيه علينا وأسلوبه اللبن في إلقاء الدروس أحسست أنه يحمل رسالة سماوية بأسلوبه.
ذات مرة أزعجوه الطلبة مما اثار غضبه واندفع لمعاقبة الجميع.
كنت في المقدمة، بدأ بي قبل البقية، وما أن عاد من عقاب آخر طالب ليراني أبكي بشدة، لم يكن يعلم أنه عاقبني ضمن الطلبة، عاد معتذرًا لي وأشعرني بالأمان فنسيتُ ألمي وأكبرت من مكانته..!
الأستاذ عبدالله علي سيف:
في الصف الخامس أساسي جرت بين شعبتي (أ، ب) وبين شعبتي (ج، د) مسابقة، كانت النتيجة تعادل، سأل الأستاذ عبدالله فريقي عن أسماء الرؤساء الذين حكموا اليمن بعد الإماميين فأجبته: السلال، الحمدي، الغشمي، علي عبدالله صالح ونسيت الإرياني، وأعطى الفريق الثاني سؤال آخر أجابوا عليه كامل وفازوا علينا بنصف درجة، لكن الأستاذ عبدالله رفع قدري وشجعني منذُ ذلك الوقت مرورًا بالإعدادية التي كان يبدأ بالتسميع لي بمادتي القرآن والتربية الإسلامية، ليكلفني بمهمة التسميع لبقية الطلبة وتقييمهم مما أعطتني هذه التحفيزات الثقة بنفسي واعتبرتها بمثابة جرعة معنوية تساتد في تحفيزي نحو الأفضل، فسلامٌ له في الأولين وفي الآخرين.
في الصف السادس أساسي الكل كان يعتبر الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني قدوته محاولًا تقليده في كل شيء، مظهره الطيب، جوهره النقي، أسلوبه القريب مع الصغار ولطفه، نشاطه في المسابقات والمهرجانات، فقد كان الأبرز ولا يزال..!
الأستاذ عبدالله قائد محمد معلم الرياضيات في الصف السابع، كان مرحًا، لينًا، قريبًا منّا، حتى أشعرنا كأنه واحدٌ منّا، تحية عظيمة له.
الأستاذ علي عبده سعيد معلم اللغة الإنجليزية في الصف التاسع أنذاك، كان يحفزني ويشجعني، يعطيني الأشرطة والقواميس الإنجليزية فهو يعلم أني لن أخيب ظنه، وبالفعل حصلت على الصدارة في مادته، ولن أنسى تحفيزه لي ما حييت!
وفي الصف التاسع أيضًا كانت للأستاذ عبدالله الشعبي بصمته، حيث احتواني في منزله المتواضع ليعلمني أساسيات الرياضيات وشجعني نحو الحصول لأوائل الدرجات، وبالفعل شكل تعليمي على يديه فرقًا وذهبت عقدة الرياضيات، وأنا ممتنٌ جدًا له.
في الصف الأول الثانوي، كانت لنا ذكريات جميلة مع الأستاذ يوسف عبده سعيد معلم اللغة الإنجليزية، كان يعمل بكل جهد واقتدار ولا يزال عليها محافظًا على الدقيقة الواحدة؛ عشنا معه أجمل اللحظات وأنقاها..!
في الصف الأول الثانوي، وبعد غيابٍ لشهرين تواجهت بالأستاذ عادل موحد، تبادلنا التحايا ثم تساءل: لا أعلم لماذا عندما تصلون الثانوية تتدنى مستوياتكم!؟
لم أبرر، وطأتُ رأسي فأنا أعلم تقصيري وهو يعلم مستواي الدراسي الذي عرفه عني سابقًا، كانت كلماته بمثابة جرعة معنوية لي، ألهمتني لتغيير حياتي للأفضل، وكان من أوائل المشجعين لي.
الأستاذ هاشم عبدالله قائد:
أثناء الامتحانات النهائية في الصف الأول الثانوي، مرَّ بجانبي، التفتَ إليَّ وقال: أعلم أنك ذكي لا تغش، فهو معلمي في الصف الرابع أساسي.
شعرت بالإحراج من نفسي حينها، كانت بحوزتي ورقة ملخص أراجعها حتى دخلت الامتحان، لكنّي كنت حافظ كل ما فيها، لكن كلامه أعطاني حافزًا واستشعرت مسؤوليتي تجاه نفسي.
وفي الصف الأول الثانوي كانت لنا ذكرى طيبة مع الأستاذ رشاد الشريحي الذي أتحفنا بلطفه وطيب روحه، فقد كان له دورًا حيويًا في تحفيزنا وتشجيعنا نحو الأفضل، وأنا ممتنٌ له كثيرًا.
في الصف الثاني الثانوي علمي، حيث الذكريات واللحظات الأجمل مع أساتذتي فهيم عبدالإله معلم اللغة العربية والأستاذ عادل سعيد علي معلم الرياضيات والفيزياء والاستاذ عبدالرزاق علي إبراهيم معلم اللغة الإنجليزية، كان لكل واحد عبقه الجميل الذي تركه في نفوسنا، فجميعهم كانوا يأتوننا “طوعًا” إلى غرف المذاكرة، لنستمدَ الضياء من أنوارهم ونهتديَ صراطًا سويًا، فلم يكونوا معلمين فحسب، بل كانوا أصدقاء إن خلت يومٌ منهم كأنه الدجى في سطوع الشمس قد حَلَكَ..!
وفي نفس الصف أيضًا بالامتحانات النهائية أخذتني العزة بالغش وتبادلت مع إحدى الزميلات الفطنات بالدفاتر، اقترب مني، قرأ الاسم في دفترها وعاد إلى دفتري، سألني: ما اسمك؟
فأجبته بالعًا ريقي شاحبًا وجهي: فلانة! لم يتماسك نفسه من ردة فعلي، ضحكَ فأعاد الدفترين لصاحبيه، وحذرنا من تكرار العملية ونخسر تحصلينا؛ مشجعًا لنا: أنتما طالبين ذكيين، فلم يسبق لي أن رأيتكما تغشان، فبُهتَ الغشاشون وبدت ملامح الحياء على وجهيهما، ومنذ تلك اليوم عاهدتُ نفسي أن أسعى في تعليم الناس حتى لا يلجأوون للغش ويخرِّبون أنفسهم وأوطانهم، فله مني خالص التحايا وعظيم الاحترام..!
في الصف الثالث الثانوي كانت الذكريات عاطرة أبقت علينا الثلاثة الأولين وأضافت إليهم الأستاذ محمد منصور معلم مادتيّ الأحياء والكيمياء والأستاذ عبدالله عبدالغني معلم الرياضيات والأستاذ عبدالواحد محمد، الذين كانوا يأتوننا طوعًا لنقتبسَ مما في عقولهم بعضٌ من النور نستضيء به لنكمل الطريق ونجتاز الصعاب.
في الامتحان الوزاري نهاية الصف الثالث الثانوي، كان بعض الطلبة يعودون بأخبار رفضي للغش من قاعة الامتحان، آثار الخبر غرابة الأستاذ هشام الحاج رحمة الله، أخبرني في مجلسه بالموضوع وأراد أن يتأكد، فأخبرته: تعال وتأكد بعينيك، فاجأني بمادة الفيزياء، أجبت عن أسئلة كثيرة، رهبة وجوده أعيتني، نسيت أحد قوانين المقذوفات الذين يأتون في منتصف المسائل، كالفأرِ الفار من قط، ألتفتُ يُمنةً ويسرةً لأسترقَ لمحة أو همسة عن القانون، قرأت ياسين والفاتحة والضحى لكن لا جدوى، استسلمتُ لواقعي وسلمتُ الامتحان متوكلًا على الله، حتى وصلتني نتيجة الفيزياء بعد شهرين بمعدل 65 واقتنعت بالحاصل، وأكبرت من شأن الأستاذ هشام وحرصه على مستقبل الوطن القائم على العلم.
رحمة الله على الأستاذ هشام فقد كان المعلم والأستاذ الملهم لنا في مسيرتنا الدراسية.
هناك معلمين مُلهِمين كُثر لم تجمعني بهم الدروس والمحاضرات بل جمعتني بهم بعض اللحظات لهم مني عظيم التحايا وجزيل الشكر ولامتنان.
وأدعو إلى تكريم المعلم ورد الفضل إليه بعد الله فيما بلغناه من العلم.