فهمي محمد
يخبرنا التاريخ أن الإنسان اليمني لم يخضع في الماضي كأصل ثابت لوجود سلطة سياسية واحدة فرضت سيادتها على كامل التراب اليمني وان حدث ذلك فهو من قبيل الاستثناء، كما أن الجغرافية السياسية هي الأخرى تشهد قيام دويلات وسلطنات ومشيخيات حكمت وتصارعت وتقاتلت في وقت واحد على حكم هذه الأرض التي تحمل اسم اليمن منذ فجر التاريخ،
وإذا كانت الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هما الأقل عددا في مسألة اقتسام حكم اليمن بين دولتين لا ثالث لهما. فإن يوم الـ22 من مايو 1990م هي اليوم العظيم الذي تحقق فيها ( بطريقة سليمة وتوافق سياسي) قيام دولة واحدة وعلم واحد وسلطة واحدة فرضت سيادتها الوطنية على كامل التراب الوطني في اليمن.
مشروع الـ22 من مايو 1990م، هو المشروع السياسي الوطني الذي لم تشهده اليمن من قبل رغم إيمان اليمنيين بأنهم شعب واحد منذ أن وجدوا على هذه الأرض، كما أن الـ22 من مايو هو اليوم الذي اجتمع فيه شتات الجغرافية السياسية، وانتصر فيها التاريخ كصيرورة سياسية واجتماعية، وأكثر من ذلك انسجم فيها جمع شتات الجغرافية السياسية والانتصار التاريخي مع مفهوم الهوية اليمنية والانتماء الوطني الواحد للمكون الإنساني في اليمن.
وإذا كان الـ22 من مايو هو اليوم الذي كان وسيظل خالداً لليمنيين، فإن أهمية خلوده بقدر ما يأتي من كون ماضي التاريخ اليمني والجغرافية السياسية اليمنية خاليان من حدثها الوطني، بقدر ما يعني في حسابات المستقبل ومتطلباته أن الـ22 من مايو هو الحدث التاريخي الذي كان كفيلاً بأن يجعل اليمنيين قادرين بمشروع الوحدة على تحويل بلادهم الى وطن، لولا أن سلطة العقل السياسي التاريخي في صنعاء تمكنت من ضرب مسار الحدث التاريخي “عسكرياً” ومن ثم الإنقلاب السياسي على المرجعيات السياسية للوحدة اليمنية بعد حرب صيف 94.
صحيح أن التاريخ يخبرنا بوجود سلطات يمنية حكمت معظم تراب اليمن بقوة السلاح والغلبة، إلا أن الوحدة اليمنية (وهذا ما يميزها) قد تحققت سلمياً بعد ثورة سبتمبر واكتوبر وبعد نشأة العقل السياسي الحزبي الذي شكل نظام ثقافي معرفي يتجاوز العقل السياسي التاريخي، لا سيما وهو الذي تعاطئ ثقافياً وأصل معرفياً وسياسياً لمفهوم الجمهورية والديمقراطية كنظام سياسي وكذلك للفكرة الوطنية التي شكلت إطارا سياسياً جامعاً لثقافة الهوية والانتماء اليمني للمكون الإنساني في الشمال والجنوب، الأمر الذي جعل الوحدة اليمنية حالة وجدانية لكل اليمنيين ،
ناهيك عن تحولها بفعل العقل السياسي الحزبي إلى مسألة نضالية لدى عامة الشعب والمكونات والنخب السياسية التي كافحت منذ سبتمبر واكتوبر وقدمت مشاريع ورؤى سياسية من أجل تحقيق الوحدة اليمنية بين شمال اليمن وجنوبه وفي مقدمة ذلك الحزب الاشتراكي اليمني الذي نشأ على أساس اندماج مكونات سياسية أتت من شمال اليمن وجنوبه ما يعني أن توحيد فصائل اليسار في الشمال والجنوب تحت مسمى الحزب الاشتراكي كان ناتجا عن إيمان قاطع بوحدة الأرض والإنسان والتاريخ.
ما يعني أن الوحدة مع هذه التحولات ارتبطت سياسياً بالفكرة الوطنية والتداول السلمي للسلطة.
لكن هذا الإيمان القطعي والنضال الوحدوي وحتى المشاريع والرؤى الوحدوية، ناهيك عن تأخير تحقيق الوحدة اليمنية عملياً وواقعيا منذ سبتمبر واكتوبر حتى عام 1990 في ظل تباين فلسفة النظامين السياسيين السابقين وصراعهما، كل ذلك كان يعني أن تحقيق الوحدة اليمنية كدولة واحدة حاكمة على كامل التراب في اليمن بحاجه الى قائد سياسي قادر على أن يلعب دور الفرد في صناعة التاريخ.
وعطفاً على ذلك فقد كان السيد على سالم البيض هو السياسي الشجاع الذي لعب دور الفرد في صناعة تاريخ الوحدة اليمنية فهو الذي اخرج ( من داخل نفق جلدمور ) دولة الوحدة اليمنية إلى حيز الوجود في اتفاق عدن 1989م.
مفهوم الوحدة اليمنية بمعنى إلغاء التشطيير أو الحدود السياسية أو إعادة اللحمة اليمنية بين شمال اليمن وجنوبه على حد وصف المناضل ياسر عرفات لم تكن يوما من الأيام محل خلاف أو اعتراض، لكن الخلاف كان حول طبيعة دولة الوحدة اليمنية التي سوف تحكم اليمنيين بعد قيام الوحدة، وهو خلاف تعكسه فلسفة النظاميين وطموحهم السياسي والايديولوجي وحتى المشاريع المتباينة المقدمة من قبلهما منذ 1972 وحتى 1989م،
وكما هي العادة في 1989 كاد اتفاق عدن الذي أنشأ دولة الوحدة اليمنية أن يفشل بعد أن تمسك وفد الشمال ووفد الجنوب بمقترحاتهم المقدمة بخصوص قيام دولة الوحدة اليمنية، وكما يذكر الاستاذ على الصراري في كتابه الحزب الاشتراكي والوحدة اليمنية، أن أحد أعضاء وفد الشمال اقترح على زملائه مغادرة عدن والتوجه إلى تعز لتناول الغداء والقات هناك.
وهذا يعني أن الطرفين كانا قد قدما كل ما لديهما ووصلا إلى طريق مسدود ساد مع هكذا حال اليأس والإحباط بخصوص عدم القدرة على إنجاز اتفاقية تتعلق بقيام دولة الوحدة في الـ30 من نوفمبر 1989م
وحتى لا تأخذ الزيارة طابع الفشل النهائي كما يقول مؤلف الكتاب، كان لابد أن يتوجه البيض وصالح إلى افتتاح أو زيادة نفق جلدمور وعندما وصل الاثنان إلى نفق جلدمور، التفت الجماهير تهتف باسم الوحدة اليمنية، الأمر الذي دفع الأمين العام للحزب الاشراكي اليمني السيد على سالم البيض إلى الحديث مع الرئيس صالح بالقول إن هذه الجماهير المحتشدة لم تأت لتحيتي أو لتحيتك بل أتت لتحي الوحدة اليمنية فهل لنا أن نخرج الوحدة اليمنية من هذا النفق ؟
رد صالح بالقول لقد قدم كل واحد منا ما لديه.
ومع هذا الانسداد السياسي اقترح على سالم البيض أن تقام دولة الوحدة اليمنية على مسودة دستور عام 1981 التي كانت بين الرئيس صالح والرئيس على ناصر محمد مع أن البيض كان ملزما بالتمسك برؤية الحزب الاشتراكي.
وافق الرئيس صالح على مقترح البيض وتم استدعاء العرشي من الشمال وراشد محمد ثابت من الجنوب لصياغة اتفاقية عدن وسط ذهول وفد الشمال والجنوب على حد سواء، لا سيما وأن اتفاقية عدن ليست اتفاقية منشِأة للوحدة بل هي اتفاقية تنفيذية تتعلق بقيام دولة الوحدة اليمنية وإخراجها إلى حيز الوجود، الأمر الذي استدعئ اجتماع المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الاشراكي اليمني للوقف على ما اقدم عليه الأمين العام على سالم البيض.
حضر الأمين العام على سالم البيض اجتماع اللجنة المركزية ودافع عن قراره الشجاع قائلا بانه يتحمل مسؤولية القرار وانه قد حان الوقت لإخراج الوحدة من نطاق الشعارات والمزايدات إلى حيز الواقع وان وحدة اليمن اذا لم تتم اليوم لن تتم بعد ذلك، خصوصا اذا انتهت دول الغرب بقيادة أمريكا من ترتيب أوضاع العالم بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي.
ولأن الوحدة اليمنية هي مشروع نضالي لهذين الحزبيين اليساريين فقد رفع كل عضو من اعضاء اللجنة المركزية بطاقة الإنتماء السياسي والتنظيمي للحزب الاشتراكي اليمني وصوتوا لصالح قرار السيد على سالم البيض، ثم ذهب الجميع إلى عاصمة الوحدة اليمنية للمشاركة في بناء دولة الوحدة.
ذهبوا إلى صنعاء التي اغتالتهم، واغتالت ثلاث ثورات ووحدة !!! ={ احلام اليمنيين }
وحدة الرفيق صالح منصر السيلي الذي تحفظ قائلا أنا مع الوحدة اليمنية لكني متحفظ على قرار البيض الذي تجاوز رؤية الحزب الاشتراكي اليمني وإن قرار البيض يحتاج إلى مؤتمر حزبي.