بشرى الحميدي
يتعرض ذوي البشرة السوداء في اليمن للعديد من الممارسات التي يمكن وصفها بأنها “عنصرية” الأمر الذي انعكس سلبًا عليهم وتسبب بحرمان أبناء هذه الفئة من التعليم كما هو الحال مع محمد الذي توقف عن الدراسة في الصف الثالث الابتدائي بإحدى مدارس محافظة تعز جنوب غرب اليمن.
“الهمز واللمز من قبل بعض الطلاب وأبناء المنطقة وإطلاق الألفاظ المختلفة عليَّ لكون بشرتي سوداء كان سببًا في توقفي عن مواصلة التعليم”، يقول محمد.
مضايقات وتسرب
ويُطلق على ذوي البشرة السوداء في اليمن تسميتي المهمشين” أو “الأخدام” وهي أسماء تحمل إهانة لفظية صريحة وذات مدلول عنصري تجاه هذه الفئة.
ويدفع تعرض الأطفال السود للتنمر والفصل عن بقية الأطفال في بعض المدارس للتسرّب من المدارس. إذ تشير إحصاءات منظمة اليونيسف إلى أن نسبة الأميّة في صفوف ذوي البشرة السوداء، وصلت إلى 90%، نتيجة تسربهم من المدارس إما بسبب المضايقات أو التنمر من قبل بعض المعلمين والطلاب، وإن 9% فقط من أبناء هذه الفئة يسجلون أطفالهم عند الولادة، ما يجعل نقص شهادات الميلاد عقبة أمام الالتحاق بالمدارس.
وتعد هذه الفئة من أشد الفئات فقرا في اليمن، وتواجه صعوبة شديدة في الحصول على الخدمات العامة. كما تتعرض للتمييز والنظرة الدونية من قبل المجتمع.
ضحية العنصرية
أصبح محمد بعمر الواحد والعشرين عامًا وبات حاليًا يعمل بالأجر اليومي في نقل الأدوات والأغراض للناس مقابل الحصول على عائد مادي.
ويشير إلى أن مستقبلة “ذهب ضحية عنصرية ابناء المجتمع الذين يشعرون بالنقص ويحاولون إكمال نقصهم على حساب المساكين”، حد تعبيره.
وكانت دراسة سابقة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد خلصت إلى أن 87℅ من ذوي البشرة السوداء في تعز يتسربون قبل الوصول إلى الصف التاسع. كذلك كانت الإناث أقل حظاً من الذكور في التعليم، بسبب احتياج الأسرة إليهن للعمل وعدم الثقة بجدوى تعليمهن.
حرمان من التعليم
كما يعتبر الأطفال من ذوي البشرة السوداء “الأكثر حرماناً من التعليم نتيجة عوامل مادية واقتصادية” بحسب الناشط في شؤون المهمشين باليمن محمد الحربي، مؤكدًا على ضرورة تشجيع الأطفال على الذهاب إلى المدرسة للحصول على أعلى مستوى تعليمي ممكن وعلى المدارس احترام حقوق الأطفال وعدم ممارسة العنف بأي شكل من الأشكال مستندا في ذلك إلى اتفاقية حقوق الطفل”.
وتنص المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت علها الجمهورية اليمنية عام 1991م على أنّ” لكل طفل الحق في التعليم”. كما تنص المادة (8) من القانون العام للتربية والتعليم اليمني على أن التعليم مجاني في كل مراحله تكفله الدولة وتحقق الدولة هذا المبدأ تدريجياً وفق خطه يقرها مجلس الوزراء، إلا أن “هذه المواد لم تراعي ظروف المهمشين وتطبق عليهم سواءً كان ذلك قبل الحرب أو بعد الحرب”، وفقًا للناشط الحربي.
ويرى أن التمييز والعنصرية ” بأنها من عوامل الحرب النفسية والاجتماعية الموجهة ضد المهمشين وضد عملية انخراطهم في التعليم حيث هناك ألفاظ توارثها المجتمع اليمني بات مجتمع المهمشين يرفض مناداتهم بها لأنها صفة انتقاص من هذه الفئة ومن السهولة مضايقتهم بهذه المصطلحات التي هي بمثابة الحرب النفسية حتى في المدارس وبالتالي يحرم المئات من المهمشين من التعليم لأسباب عنصرية، قد تصل بعض الأحيان إلى عدم قبولهم في المدارس خصوصاً في ظل الحرب والازدحام الطلابي ولأن الدولة لم تضع قانون خاص يجرم العنصرية ضد السود باليمن”.
تحديات وأسباب
من جهته أوضح “رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين” في اليمن والمجلس الوطني للأقليات نعمان الحذيفي: “بأن مشكلة التعليم وتسرب الكثير من الأطفال المهمشين تمثل واحده من أهم التحديات التي يواجها أولياء أمور الأطفال بل أن ذلك يمثل تحديا بالنسبة لنا كقيادات تمثل هذه الشريحة الاجتماعية في اليمن”.
وأرجع ظاهرة تسرب أطفال هذه الفئة إلى “الظروف المعيشية والاقتصادية التي يعيشونها باعتبارهم من أكثر فئات المجتمع فقرًا ناهيك عن النظرة الدونية التي يتلقاها أطفال هذه الفئة عند التحاقهم بالفصول الدراسية والظرف الاستثنائي الذي يشهده الوطن بسبب الحرب والصراع السياسي والذي تسبب بتشرد ونزوح العديد من هذه الفئة من المدن الى المناطق الريفية ما خلق حاله من عدم الاستقرار الأسري”.
ويتطلع الحذيفي إلى أن “تلعب المؤسسات الوطنية والمنظمات الإنسانية دورا في مساعدة ذوي البشرة السوداء على تجاوز كل التحديات بمختلف مناحي الحياة حتى يتمكنوا من الاندماج داخل محيطهم الاجتماعي والمساهمة في التنمية الاجتماعية الشاملة”.
محاولات إدماج
بدوره أكد نائب وزارة التربية والتعليم علي العباب، أنه في بعض المحافظات تم استيعاب ذوي البشرة السوداء ودعمهم بحقائب مدرسية وهدايا رمزية لإدماجهم داخل المدارس، حتى وصل البعض للتخرج من الثانوية العامة والتوظيف في بعض المحافظات بل أصبحوا موجهين ضمن فريق التوجيه المدرسي.
واستبعد وجود أي عنصرية ضد هذه الفئة من قبل المجتمع، لافتًا إلى أن “الوزارة تسعى مع بعض المنظمات لدعم هذه الفئة من خلال زيارة أماكن تواجدهم ووضع مدارس بجانبها ودعم الطلاب وتحفيزهم بحقائب وتغذية مدرسية لعودتهم إلى المدارس”.
وبحسب العباب فإن التعليم في اليمن يمر بمآسي جمة عند جميع فئات المجتمع في ظل الأوضاع المتردية بسبب الحرب.
ودفع الصراع الدائر منذ ثمانية أعوام البلاد إلى “أسوأ أزمة إنسانية في العالم” بحسب توصيف الأمم المتحدة، وأثر بشكل كبير على قطاع التعليم.
وقال إنه “في الوضع الراهن لا نرمي اللوم على أحد بالنسبة للقصور في العملية التعليمية ولكن عندما يتحسن الوضع سيكون هناك توجه كبير لوزارة التربية والتعليم لإدماج هذه الفئة في المدارس الحكومية”.
وضع معقد للغاية
من جانبه يصف المحامي والناشط الحقوقي علي الصراري، وضع التعليم في اليمن خلال فترة الحرب بأنه “معقد للغاية”، مشيرًا إلى أن ذلك “أثر بشكل مباشر على الأسر الفقيرة بسبب انقطاع الرواتب وتردي الوضع الاقتصادي وتهاوي العملة الوطنية امام العملة الأجنبية”.
وباتت معظم الأسر الفقيرة تعتمد على المساعدات الإنسانية التي تقدمها منظمات أممية وجمعيات أهلية.
وقال إن “هناك أسر تعاني من الأوضاع الاقتصادية في الظروف العادية وليس في الظروف الاستثنائية فحسب لنجد ابناءهم خارج اسوار المدارس، وبالتالي حرمانهم من حق أساسي كفله الدستور والقانون، وهذه الفئة بطبيعة الحال هي من فئة المهمشين، فمعظم هذه الفئة انخرطت في الأعمال والمهن التي تتعلق بالنظافة رغم الرواتب الزهيدة التي لا تكفي لإعالة الفرد الواحد داخل الاسرة فما بالكم بإعالة اسرة بكامل افرادها”.
وأضاف “تواجه هذه الفئة صعوبة في الحصول على لقمة العيش او الحصول على امتيازات اخرى، ويرجع ذلك الى عدة اسباب من ضمنها شعورهم بالدونية او بنبذ المجتمع لهم، وعليه ابتعدت عن تطلعاتها للمستقبل من خلال الحاق ابنائها بالتعليم، إلا البعض منهم”.
وقال الصراري: من الواجب على الدولة أن تضع حلولا جذرية لتدارك ما يمكن تداركه، وأن توفر لهذه الفئة وسائل الحصول على حقوقها.
أنتجت هذه المادة ضمن مشروع “تقاطعات” الذي تنفذه مؤسسة نسيج للإعلام الاجتماعي بدعم من منصة الحوار كايسيد