الحديدة – أفراح بورجي
تعاظمت المشكلات التي تسبب بها فيروس كورونا (كوفيد-19) في كافة المجالات والأنشطة عالميا، ولكن تأثيره على المجال الصحي كان الأكبر من بينها، ففي اليمن شهد القطاع الصحي تراجعا كبيرا، وازدادت نسبة الوفيات، وتفاقم الوضع الصحي لدى كثير من المرضى، ومن بينهم مرضى السرطان، الشريحة الأكثر حاجة للرعاية الصحية.
معاناة لا تنتهي
سعاد حسين (19 عاما)، واحدة من مرضى سرطان الثدي المسجلين لدى وحدة الأمل لعلاج الأورام بالحديدة، تشرح معاناتها إثر دخول وباء كورونا قائلة: (قبل انتشار كورونا كنت أذهب لأخذ الجرعات بصعوبة بالغة؛ كوني أسكن في إحدى القرى النائية في محافظة الحديدة، والتي تبعد عن المدينة كثيرا، حيث نسافر أكثر من خمس ساعات، ناهيك عن طول المسافة بعد انقطاع خط كيلو 16، والارتفاع الباهض في أجور المواصلات، والتي كان يدفعا أبي من حصاد ثمار الأرض المصدر الوحيد لدخلنا، وما أن جاء فيروس كورونا لم نستطع الذهاب بسبب حظر التجول الذي جعل حالتي تسوء يوما بعد يوم).
جاء وباء كورونا ليضاعف معاناة الناس فوق معاناتهم جراء الحرب والحصار، ليصيب الكثير من الناس بحالة هلع وخوف مرتقبة من انتشاره؛ فتم فرض حالات الطوارئ ومنع التجوال في العديد من المناطق اليمنية، لاسيما المدن والمناطق الحضرية؛ فكانت سعاد نموذجا من للكثير من المرضى الذين عانوا في ظل هذا الوباء.
تضيف سعاد: لقد مرضت كثيرا واشتد مرضي عندما أصبت بالفيروس، نقلني والدي للمشفى وأنا شبه ميته، وبسبب عدم أخذي لجرعات السرطان ساءت حالتي أكثر، ولولا لطف الله لكنت الآن في عداد الموتى، والحمد لله حاليا أذهب لأخذ جرعات العلاج بصورة مستمرة.
أرقام وإحصائيات
بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2120م، بلغ عدد الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بالسرطان على مستوى العالم 19.3 مليون شخص، مع زيادة عدد الوفيات إلى 10 ملايين وفاة.
وبحسب الوكالة الأممية المعنية بالصحة، كان هناك 2.3 مليون حالة سرطان ثدي جديدة عام 2020، تمثل ما يقرب من 12 في المائة من جميع حالات السرطان، كما أنه السبب الرئيسي للوفاة من السرطان بين النساء في جميع أنحاء العالم.
عدد الحالات المسجلة لدى مركز االأمل لعلاج الأورام خلال العام 2021 في الحديدة | Flourish
بعد تفشي وباء كورونا فقد الكثير من مرضى السرطان في الحديدة والمحافظات المجاورة فرصهم في الحصول على جرعات العلاج في مراكز ووحدات علاج الأورام؛ ففي الحديدة وبحسب تقارير واحصائيات جاء بها عبدالمجيد الزيلعي مدير وحدة الاحصاء في وحدة الأمل لعلاج الأورام ، نجد أن عدد مرضى المسجلين في الوحدة تراجع بنسبة 27.3% نهاية العام 2019 مقارنة بعام 2018، وبنسبة 6.7% للعام 2020، حيث بلغ عددهم في عام 2018م ب(495) حالة، و(360) حالة عام 2019، و(462) حالة في عام 2020، بينما نجد عدد الحالات المسجلة لدى الوحدة في عام 2021م قد بلغت (513) حالة، أي أنها ارتفعت بنسبة 11.03% مقارنة بعام 2020، وبنسبة 42.5% مقارنة بعام 2019م.
هذه الأرقام والإحصائيات، تؤكد أن كثيرا من حالات مرضى السرطان لم يعودوا يتابعون أخذ الجرعات والعلاجات الكيميائية خلال عامي 2019-2020م، وهذه الفترة كانت ذروة انتشار فيروس كورونا في اليمن وفي معظم دول العالم بشكل عام.
عدد مرضى السرطان المسجلين لدى وحدة الأمل منذ العام 2014 حتى 2021 م | Flourish
كيف واجه مرضى السرطان كوفيد 19؟!
صراعات مريرة مع المرض، ومعاناة مضاعفة فوق معاناتهم جراء الحرب، فترة قاسية عاشها الكثير من مرضى السرطان في ظل انتشار الوباء الأكثر شيوعا في العالم، البعض منهم توقف عن أخذ العلاج، منهم من وافته المنية، ومنهم من تلطفت به العناية الإلهية وبقي حيا يصارع آلام هذا المرض العضال.
“ما قدر يتنفس ولا قدرنا نسعفه سريع” هكذا بدأ حديث (والد) الطفل حسام الرسام الذي ظل يعاني من مرض السرطان ثلاث سنوات قبل وباء كورونا.
يقول والد حسام: “ذهبت بولدي إلى مستشفى الأورام السرطانية في الحديدة لأخذ الجرعات في نهاية شهر ديسمبر/تشرين الأول 2019م، ولكن كانت هذه آخر جرعة يأخذها ولدي، حيث جاء وباء كورونا وجاء معه الخوف، أصبح كل شيء يمر ببطء، كنا في البيت لم نسمح له بالخروج لأي مكان خوفا عليه، ولكن الإنسان ضعيف وكون حسام مريض سرطان فالمناعة لديه معدومة حتى أنه سريعا ما يصاب بأي مرض”.
وواصل والد حسام: “لقد كان حسام هو أول من أصيب بالوباء، وازدادت حالته بالسوء بسبب أننا لم نستطيع الخروج خوفا عليه من زيادة الاختلاط، لقد ظننا أنه يعاني بسبب مرضه من السرطان، ولكن الأمر كان قد تخطى ذلك، وأضيف فوق كاهله مرض آخر، وهو إصابته بفيروس كورونا”.
وأضاف والد حسام: “عندما ساءت حالة حسام، نقلناه للمستشفى؛ كونه لم يكن قادرا على التنفس، وما أن وصلنا إلى المستشفى، كان حسام قد فارق الحياة”.
هكذا أنتهى حديث والد حسام، وانقطع حديثه بسبب بكائه على ولده، مثلما انقطعت أنفاس حسام عند موته، لنشهد مأساة طفل فقد حياته وهو في الـ13 من عمره جراء مرض السرطان الذي ضاعفت حدته إصابته بكورونا.
في هذا السياق تقول الاخصائية مها عبدالله – اخصائية اورام سرطانية: إن معاناة مرضى السرطان في وباء كورونا كانت معاناة صعبة جداً ومؤلمة، لأن العالم أجمع كان منشغلا بالوباء، وذلك ادى إلى إهمال مرضى السرطان بشكل جزئي، وإهمال احتياجاتهم ورعايتهم بالشكل اللازم”.
وأضافت الاخصائية (مها): “إن هذه المعاناة لمرضى السرطان أدت إلى نتيجة عكسية في بعض الحالات لم تكن في الحسبان، حيث كثرت الوفايات بين المرضى؛ كون مرضى السرطان تكون المناعة لديهم قليلة ومعدل الإصابة تكون أعلى من غيرهم”.
أنتجت هذه المادة بالتعاون مع شبكة صحفيي البيانات في اليمن