أبرار بجاش
تعد الشابة “يسرى إسحاق“، التي درست إدارة أعمال، واحدة من صانعات الأفلام الوثائقية في اليمن؛ البلد الذي يعيش حربًا منذ سبع سنوات، واعتزمت خوض التجربة عبر تأسيسها لشركة أفلام قمرة، وأكاديمية قمرة، بالإضافة إلى أنها أحد مؤسسي شركةYEMEN ART BESE ، وهي أول قاعدة بيانات للفنانين اليمنيين.
“يكفي أن يتوفر فيكِ الشغف والرغبة في إيصال قصص ما، والقصة ليست، بالضرورة، أن تكون بعيدة عنكِ؛ بل من الممكن أن تكون قريبة منكِ، وممن حولك”
انطلقت يسرى في هذا المجال كمنسقة لمشاريع إعلامية، وبعد الحرب، بدأت بالنزول الميداني إلى أماكن التصوير، وتخصصت في صناعة الأفلام الوثائقية، كما ركزت في رسالتها على صنع محتوى مستقل بعيدًا عن أي انحياز، أو انخراط في السياسة؛ الأمر الذي ميزها إلى حد كبير.
وليس من السهل أن تخوض شابة يمنية في مجال صناعة الأفلام الوثائقية المستقلة بكل مهنية في ظل الانقسام الذي تعيشه البلد؛ إذ يعتبر عدم الانتماء لأي جهة، بحد ذاته، تحدي، وخاصة أن اليمن تمر بمنحى بالغ التعقيد، وعلى كافة المستويات.
صورة إيجابية
تقول يسرى إنها عملت على إنتاج أكثر من 250 فيلمًا وثائقيًا وتقارير قصيرة؛ وإنها حريصة على نقل صورة إيجابية لليمن من خلال أفلامها، “أحاول تغيير الصورة النمطية عن اليمن؛ فقد عُرفت، في الخارج، بكونها بلد مليء بالفقر، والجوع، والحروب، ولا يُعرف شيئًا عن قصص الأشخاص الذين يسكنونها، والمناطق المميزة التي لم يتم تسليط الضوء عليها”.
فكرت يسرى في التخصص بهذا النوع من الأفلام الوثائقية؛ لكونها تحب أن تكون صوتًا مستقلًا، تساهم في إيصال صوت صانع الأفلام نفسه
وتركز يسرى على حياة الفرد اليمني البسيط، والحياة العامة لليمن بشكل عام، “أحب إيصال الجمال اليمني بدون تكلف؛ لأن هناك قصصًا تستحق السرد. ترى شخصًا ما يعبر الشارع، وخلفه قصة تستحق أن تُروى”، وتضيف: “مهما أتعبتنا الحرب، وجعلنا الفقر أشخاصًا أنانيين، يبقى معدن الشخص اليمني نقيًا، وهذا ما أحاول قوله في أعمالي”.
صوت مستقل
وتؤكد يسرى على ضرورة أن يكون الإعلامي عمومًا، وصانع الأفلام بشكل خاص، مستقلًا، وبعيدًا عن أي انتماءات سياسية؛ كي تصل رسالته لكل الأفراد بمختلف توجهاتهم، وهو ما حاولت إسحاق التمسك به من خلال أفلامها، ونشر ثقافة الأفلام المستقلة بعيدًا عن أي أجندة أو توجهات لجهات، أو أطراف؛ فهي تعمل جاهدة على “إظهار صوتي أنا، وليس صوت أي جهة معينة”.
فكرت يسرى في التخصص بهذا النوع من الأفلام الوثائقية؛ لكونها تحب أن تكون صوتًا مستقلًا، تساهم في إيصال صوت صانع الأفلام نفسه؛ “فالأفلام الوثائقية المستقلة تساهم في إعطائنا مساحة خاصة في التعبير عمّا نحن فيه”، منوهة بالقول: “أحيانًا أعمل على أفلام تابعة لجهة أو منظمة ما. رسالة الفيلم، هنا، تعبر عن الجهة نفسها، وليست عني”.
عقبات ومبادئ
وتؤمن يسرى أن الأفلام الوثائقية تُعتبر المادة البصرية التي تعطي الشخص فرصة ليحكي عن واقعه. ولا يخلو مجال من وجود عقبات، خصوصًا صناعة الأفلام، ومن أكثر الصعوبات التي واجهتها يسرى في طريقها عدم وجود جهات داعمة للأفلام المستقلة، وندرة الجهات الحاضنة لهذا النوع في الشرق الأوسط،، حسب قولها.
“اتجهتُ للجانب التدريبي. نحن من أوائل الجهات التي دربت شبابًا لصناعة الأفلام المستقلة، ونشر هذه الثقافة في الوسط المحلي، وهذا الأمر أسهم في تجاوز ومواجهة العوائق المادية”، تقول يسرى.
يمثل الوضع الأمني عثرة كبيرة أمام صُناع الأفلام، خصوصًا النساء
ويجهل الكثيرون مفهوم الأفلام المستقلة، خاصة المانحين، كما تقول يسرى، “نحتاج لنشر ثقافة الأفلام المستقلة التي تعتبر غير شائعة في الوسط المحلي؛ لهذا نواجه صعوبات مادية، وصعوبات أمنية، خاصة وقت التصوير”.
وتضيف: “الصدق، والشفافية المطلقة، والوضوح جزء كبير من شخصية صانع الفيلم”، وعلى الرغم من المشاكل التي وقعت فيها نتيجة لتمسكها بمبادئها، تؤكد يسرى: “أحاول جاهدة ألا أتخلى عن هذه القيم”.
ويمثل الوضع الأمني عثرة كبيرة أمام صُناع الأفلام، خصوصًا النساء؛ حيث تقول إسحاق: “من الصعب، جدًا، أن يتجول صانع الأفلام وبيده الكاميرا دون تصريح، ويتطور الأمر بشكل كبير كل فترة، دون وضع أي تسهيلات”.
هذا، وأغلقت الحرب أبوابًا في وجه فئات كثيرة، وفتحت أبواباً لفئات محدودة، كيسرى، تقول: “الحرب دافع قوي لي لتقديم رسالتي، وللعمل أكثر، ومواجهة كل الظروف، على الرغم من أن كثير من الجهات الخارجية تهتم بالجانب الإغاثي، ولكنّي حاولت، بقدر المستطاع، العمل في هذا الجانب على أن أحافظ على رسالتي، وأن أبرز هدفي”، ولاحظت يسرى بأن هناك “قلة من الإعلاميين المستقلين، رغم أن الناس تبحث عن محتوى مستقل وحقيقي؛ وهذا ما حفزني للتغلب على الصعاب والاستمرار”.
قصة قريبة
ومن خلال بعض المقابلات التي تجريها إسحاق مع الناس، تشعر كأنها طبيبة نفسية؛ فتكون “مجبرة على الاستماع إلى كل كلمة، سواء كانت لها علاقة بالفيلم، أو بحياتهم؛ فالكثير ممن قابلتهم يتحدثون بشكل طويل ومفصل دون ملل”.
وتؤكد إسحاق أن المرأة التي تود الخوض في مجال صناعة الأفلام “ليست بحاجة إلى سفر وتنقل من منطقة لأخرى؛ فقد تكونينّ أفضل صانعة أفلام من مكانكِ ومنطقتكِ، وتتناولينّ قصصًا من محيطكِ دون الحاجة لمواجهة مشقة الطرق، والحواجز الأمنية التي فرضها الفرقاء في الداخل اليمني”.
وتختم حديثها بالقول: “يكفي أن يتوفر فيكِ الشغف والرغبة في إيصال قصص ما، والقصة ليست، بالضرورة، أن تكون بعيدة عنكِ؛ بل من الممكن أن تكون قريبة منكِ، وممن حولك”.