السفير/ ياسين سعيد نعمان
وبسبب هذا التهريج ، الذي روجت له ، وتمسكت به ، قيادة صنعاء يومذاك كإطار عام لعلاقتها بالشريك القادم من الجنوب ، تعثر برنامج بناء دولة الشراكة الوطنية ، واصطدم بعقبات حقيقية جعلت الفترة الانتقالية تمر دون القيام بأي خطوات جادة لتنفيذ اتفاق الوحدة الخاص باستكمال أسس بناء الدولة ..وعوضاً عن ذلك تم العمل على تصفية دولة الجنوب وأجهزتها ومؤسساتها ومنجزاتها وثقافتها ، وتكريس نظام دولة الشمال بأجهزته ومؤسساته وثقافته وخيباته .
كانت هذه العملية هي أبرز تجليات الصيغة الإلحاقية التي انقلبت على الوحدة ، وعلى بناء دولة الشراكة الوطنية . كان التمسك ببنائها يعني إعادة هيكلة النظام السياسي على أسس مختلفة تتواءم مع الأهداف التي قامت على أساسها الوحدة ، وهو أمر لم تكن لتسمح به قيادة صنعاء ومتنفذو النظام السابق للوحدة ، والذين ظلت لهم اليد الطولى في تفريغ كل القرارات الوحدوية من مضمونها أو تجميد تنفيذها في أرض الواقع .
رافق كل ذلك القيام بالاغتيالات والتفجيرات ضد قيادات وكوادر دولة الجنوب والحزب الاشتراكي في موجات عنف منظم بدأت باغتيال العقيد ماجد مرشد عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي ، بعد اختطافه الى مقر الأمن المركزي وقتله هناك ، وصاحبتها حملات تكفير ، كان أكثرها تأثيراً تلك التي تتم في المساجد وفي خطب الجمعة ، أودت بحياة المئات . في حملات التكفير تم اختلاق وفبركة حوادث وأقاويل لتبرير تلك الحملات .
ويمكننا أن نورد مثالين فقط لتبيان الاختلاق والفبركة :
-في إحدى خطب الجمعة في مسجد حدة ادعى إفتراءً خطيب ، مشهور بتحريضه على العنف ، فيما اعتبر يومذاك تعدٍ على الذات الإلهية أن رئيس مجلس النواب الدكتور ياسين سعيد نعمان قال “إن الحكم للقاعة (أي لقاعة المجلس) وليس لله” ، وكان ذلك ادعاءً لا يستند على أي دليل ، ولم يصدر مني مثل ذلك القول الملفق سوى أن عدداً من أعضاء المجلس ناقشوا معي في لقاء خاص مسألة عرض الموضوعات قبل إقرارها من قبل المجلس على “العلماء” ليقولوا رأيهم فيها ، وهو ما اعترضت عليه لأنه يتعارض مع وظيفة المجلس التشريعية وحتى لا يضع أحد نفسه فوق إرادة المجلس ، وما يخص القضايا الشرعية فهناك لجنة تقنين احكام الشريعة الاسلامية . ويبدو أن هذا الموقف لم يرق للبعض ، وكانت الخطبة التي صبت في مجرى الخطة التي قصد بها ملاحقة القادمين من الجنوب ، ووضعهم في وضع الاتهام بالالحاد والتي سهلت فيما بعد عملية الاغتيالات وقصف المنازل بالقذائف الصاروخية .
-تقدم أكثر من خمسين عضو من أعضاء المجلس جلهم من أعضاء كتلة المؤتمر الشعبي العام في المجلس بطلب الى رئاسة لعرض ومناقشة مشروع قانون التعليم الذي كان قد أعدته لجان الوحدة ، وحاولت إقناعهم بتأجيل الموضوع لمعرفتي بحساسية كثير من قضايا الخلاف والتي ستؤدي الى تعقيدات الوضع العام ما لم يكن هناك اتفاق سياسي بشأنها . لكنهم اصروا على طرح الموضوع على المجلس الذي وافق على العرض والمناقشة بالأغلبية . ثم وجد البعض في ذلك موضوعاً لمواصلة التحريض والتكفير وقُصف مسكني في شارع نواكشوط في صنعاء بقذيفة صاروخية أدت إلى تدمير الطابق الأعلى منه ، وبعدها بشهرين تم القاء قنبلة يدوية امام المسكن ادت الى مقتل أحد جنود الحراسة .
ملاحظة :(لم تتوقف التلفيقات عند هذه المحطة القديمة ، بل استمرت في ظروف أخرى حينما أخذ البعض يروج لكذبة تافهة وحقيرة أخرى ، وبنفس الروح المتهالكة على البغضاء والذم ، وهي أن الدكتور ياسين الامين العام الحزب الاشتراكي قال إن دخول الحوثيين صنعاء هي “عملية قيصرية” .. صناعة الكذب لتبرير حملات التشويه والتكفير ظلت رائجة في سوق السياسة المشحون بأيديولوجية الكراهية والموت ) .
وكانت صنعاء قد شهدت تفجيرات واسعة استهدفت كثير من القياديين القادمين من الجنوب أو المحسوبين على الحزب الاشتراكي .
لقد ولدت هذه الأعمال مزيداً من الاحباط العام ، واتسعت معها الثغرات على جدار الوحدة .
في هذه الأجواء طرحت فكرة دمج الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي ، وكان واضحاً أن فكرة الدمج كانت هي المحاولة الأخيرة لقتل مشروع بناء دولة الوحدة على أسس ديمقراطية ، أي أن المرتكز الأساسي لقيام الوحدة ، وهو الديمقراطية ، سيتم نسفه بهذه الخطوة التي كادت أن تحدث شرخاً في الحزب الاشتراكي ، وأدت إلى جدل واسع انتهى برفض الفكرة من قبل أغلبية اللجنة المركزية والمكتب السياسي ، وهو ما يؤكد أن الأزمة التي نشأت بين طرفي الوحدة كانت تدور حول مسألتين جوهريتين :
١-شراكة السلطتين ، أم
٢-شراكتين الدولتين .
لقد كان رفض الحزب الاشتراكي لعملية الدمج منسجماً مع موقفه الرافض لفكرة شراكة السلطتين على حساب الشراكة الحقيقية المتمثلة في أن يكون الجنوب شريكاً كاملاً بسكانه ومؤسساته وجغرافيته ، ولو أنه قبل بالشراكة نيابة عن الجنوب لجاز اتهامه بالتخلي عن الجنوب مثلما حاولت الحملات السياسية والاعلامية يومذاك أن تكرسه في وعي الجنوبيين الذين أخذ الإحباط يتسرب إليهم ، مما جعل نشر هذه الروايات على نطاق واسع يؤثر في الوعي على نحو ملموس .
إن موقف الحزب هذا هو أهم معيار في فهم رؤية الحزب للوحدة ، ويمكن بواسطته أن نعرف ما إذا كان الحزب قد هرب إلى الوحدة كما يروجون ، أو أن الوحدة بالنسبة للحزب كانت مشروعاً استراتيجياً في صلب نضاله الوطني .