أ.د محمد علي قحطان
تعرف الدولة بمفهومها التقليدي المعاصر بأنها إقليم بحدود جغرافية محددة وعدد من السكان يتبعون هذه الدولة يسمون مواطني الدولة وسلطة حاكمة تحافظ على سيادة الإقليم وتدير شئون السكان وتحافظ على حقوقهم الحياتية وكرامتهم الإنسانية وتستمد شرعيتها من قدرتها على تحقيق العدل والمساواة والأمن والاستقرار والسكينة العامة وتوفير الخدمات العامة والحفاظ على عيش كريم ومواطنة متساوية لرعاياها كما تحمل مسئولية الحفاظ على حقوقهم العامة والخاصة.
وبناء على ذلك يمكننا قياس وجود الدولة كدولة فاعلة أو فاشلة.
كما يمكن أن نحدد وجود سلطة سياسية لليمن حاضرة وفاعلة بالاستناد إلى فعاليتها فيما هو مخول لها من صلاحيات ومسئوليات مستمدة من كونها السلطة السياسية الممثلة لنظام الحكم القائم
واستنادا على ما سبق نستطيع تحديد ماهية الدولة اليمنية حاليا وما مستوى شرعية السلطة الحاكمة. ..
للإجابة على السؤال الأول والممكن صياغته على النحو الآتي:
هل الدولة اليمنية الحالية فاعلة أم فاشلة؟ ينبغي عرض الوضع القائم للعوامل الأساسية لوجود الدولة الفاعلة المتمثلة في: الجغرافيا والسكان والسلطة السياسية الحاكمة وذلك على النحو الآتي:
أولا: الجغرافيا:
كما هو معلوم بأن مساحة اليمن تقدر بنحو 555 الف كيلومتر مربع بدون صحراء الربع الخالي التي ظلت مساحتها مجهولة حتى الآن.. وبعد انقلاب 21 سبتمبر 2014 واندلاع الحرب القائمة منذ مارس 2015 وتدخل ما اسمي بتحالف الدول الداعمة للشرعية يمكن القول بأن الجغرافيا اليمنية توزعت على أربعة مكونات عسكرية أساسية هي:
– ما يعرف بمكون الجيش واللجان الشعبية بقيادة الحركة الحوثية المسمى بأنصار الله. ويسيطر هذا المكون على جغرافيا ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية قبل تحقيق الوحدة باستثناء أجزاء من بعض المحافظات (مأرب، تعز، الحديدة، صعدة والجوف).
– ما يعرف بمكون القوات المشتركة بقيادة عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق محمد عبدالله صالح وتسيطر على مساحة واسعة من الشريط الساحلي للبحر الأحمر تمتد من خارج مدينة الحديدة وحتى باب المندب.
– ما يعرف بالجيش الوطني ويسيطر على أجزاء من محافظتي مأرب وتعز كما ينتشر بعض الويته العسكرية في المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن.
– ما يعرف بقوات المجلس الانتقالي الجنوبي ويسيطر على محافظات عدن، لحج، أبين، الضالع وسقطرى ويتناوع في السيطرة على جغرافية بقية محافظات جنوب اليمن مع الجيش الوطني.
ثانيا: الديمجرافيا السكانية:
يتوزع سكان اليمن حاليا حسب التوزيع الجغرافي للمساحة بين المكونات العسكرية الأربعة سالفة الذكر، وبالتالي فإن جزءًا من المساحة الجغرافية تحت سيطرة قوات ما يسمى الجيش واللجان الشعبية التابعة للحركة الحوثية وجزءا آخر تحت سيطرة قوات المجلس الانتقالي والجزء الثالث تحت سيطرة الجيش الوطني والرابع تحت سيطرة ما يسمى بالقوات المشتركة.
وبناء على ذلك فإن الديمجرافيا السكانية لليمن ممزقة بين كيانات عسكرية مختلفة في التوجهات السياسية ومن الصعب القول بوحدة الجغرافيا السكانية في الوقت الحالي.
ثالثا: نظام الحكم والسلطة السياسية الحاكمة:
افرز الانقلاب والحرب القائمة انهيارا لنظام الحكم المتولد من المبادرة الخليجية بعد ثورة فبراير 2011 ووجود سلطتين أحدهما في شمال اليمن وتتخذ من صنعاء عاصمة لها والأخرى في جنوب اليمن وتتخذ من عدن عاصمة مؤقتة لها وهي السلطة الشرعية المعترف بها دوليا، وقد عملت سلطة صنعاء على فرض أمر واقع لسلطتها على كافة مجالات الحكم بالدولة في إطار سيطرتها الجغرافية بقوة السلاح، وعملت سلطة عدن على استعادة مؤسسات الدولة إلا أنها مع مرور أكثر من سبع سنوات لم تنجح في استعادة مؤسسات الدولة لأسباب عدة… أهمها من وجهة نظرنا مايلي:
– غياب القيادات السياسية الوطنية الفاعلة لقيادة مهام استعادة الدولة مع استمرار الحرب.
– ضعف الإرادة السياسية لدول التحالف الداعمة للشرعية.
– تعدد الأجندات السياسية لمكونات الشرعية المناهضة لانقلاب الحركة الحوثية.
وبناء على ذلك فقد أصبحت اليمن بتوجهات سياسية مختلفة تتصارع مع بعضها البعض، الأمر الذي مكن الدول الإقليمية والاجندات الدولية الراعية من اعتبار اليمن بمكوناتها السياسية المختلفة عبارة عن حلبة صراع إقليمي ودولي يتم توظيف قواه السياسية والاجتماعية باتجاهات مختلفة ليس لها علاقة بخدمة اليمن ومواطنيها ما عدا ما يحقق اجنداتها ومصالحها المختلفة.
ونستخلص مما سبق بأن الدولة اليمنية حاليا دولة فاشلة ومنهارة بكل المعايير وللوصول إلى استعادة كيان الدولة ومواجهة مظاهر فشلها وانهيارها فينبغي أن ينتهي الحرب ويتحقق السلام بجلوس كافة المكونات السياسية والعسكرية على طاولة حوار بإرادة وطنية خالصة للاتفاق على أسس تحقيق السلام الدائم وإعادة بناء الدولة بالاستناد إلى ما تم التوافق عليه في مؤتمر الحوار الوطني المجمع على وثيقة مخرجاته… ونرى أن يكون مرتكزات الحوار ما يلي:
أولا: الإيمان بأن اليمن غير ممكن أن تستقر ويعاد بنائها وحكمها من مركز واحد.
ثانيا: تحديد سبعة مراكز للحكم، سته محلية والسابع مركزي، وليكن الأساس في التوزيع الإقليمي لمراكز الحكم المحلية السته وثيقة مخرجات الحوار الوطني، حيث تضمنت ستة مراكز للحكم المحلي والسابع مركزي وأعتقد بأن التسميات المناسبة لمراكز الحكم الستة هي:
1) صنعاء
2) عدن
3) تعز
4) الحديدة
5) حضرموت
6) مأرب
ويتم الاتفاق على تحديد المقر المناسب للحكومة المركزية بناء على معايير جغرافية، اجتماعية، تاريخية، سياسية واقتصادية مع مراعاة البعدين الأمني والدولي لمقر الحكومة المركزية للدولة والذي من شأنه خدمة قضايا الحكم المركزية والإشراف على اداء الحكومات المحلية في أقاليم الدولة الستة.
ثالثا: يرأس كل مركز من مراكز الحكم الستة أحد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي مع أهمية إفساح المجال لمكون الحركة الحوثية، إذ من الممكن أن تعطى الحركة مقعد أو أكثر في مجلس القيادة الرئاسي.
رابعا: يحدد مقرا مؤقتا للمجلس القيادي الممثل لمراكز الحكم الستة اما في صنعاء أو في عدن. وتكون المهمة الأساسية للمجلس هي: إنهاء الحرب، تحقيق السلام وإعادة بناء الدولة حسب ما نصت عليه وثيقة مخرجات الحوار الوطني والتوجهات السابقة.
خامسا: يشكل نواب كل إقليم كتلة نيابية يكون مقرها في مركز الإقليم، على أن يتواجد نواب كل إقليم في مكان مركز حكم الإقليم بصورة دائمة ويكون من مهام كل كتلة التحضير لانتخابات كتلة برلمانية جديدة خلال فترة زمنية محددة.
سادسا: يعاد تشكيل الحكومة المركزية بصورة مؤقتة على أساس معيارين: الأول التمثيل الجغرافي والآخر التخصص والمقدرة والكفاءة.