المشاهد – مكين العوجري
يتعامل الكثير من الذكور مع المرأة على أنها وعاء خدمات مجردة من الحقوق والمشاعر، لذا أضحت المرأة الريفية مجموعة أشلاء تكابد أتعاب الريف ومشقة الحياة المثقلة بقساوة المعيشة وغياب الخدمات الأساسية.
وأن تكون المرأة سياسية أو فاعلة مجتمعية في الريف، فهي في نظر الكثير من ذكور الريف اليمني، امرأة خارجة عن المألوف وغير ملتزمة ومشكوك في شرفها، حيث يناهضون فكرة انخراط المرأة في العمل السياسي، حسب إيمانهم القاطع المستمد من الموروث الاجتماعي المتطرف، كما جاء في استبيان استهدف أشخاصًا من مناطق ريفية في بعض المحافظات اليمنية.
نساء ريفيات يقلن إنه لم يُتح لهن المشاركة في أي نشاط سياسي أو اجتماعي أو التعبير عن الرأي سياسيًا في النطاق العائلي، ويرغبن في ذلك بشدة، إلا أن بعضهن لديهن خشية من القمع والرفض أو السلوك الذي قد يؤذيهن من قبل أفراد الأسرة أو المجتمع، وبحسب استبيان أجراه معد التقرير، فإن أخريات استطعن تجاوز تحديات الموروث الاجتماعي الذي يحرم المرأة من حقها في العمل السياسي والاجتماعي.
ويؤكدن لـ”المشاهد” أن أفراد المجتمع يتعاملون مع من يحاولن النشاط في مجال السياسة، بالصد وعدم التقبل والاحتقار، وتشير “ل.م” إلى أن الرجل الريفي دائمًا يسعى إلى إحباط المرأة، ويوجه لها التوبيخ والتنمر في حال فتحت نقاشًا سياسيًا، وقد يصل الأمر إلى القمع والأساليب التي تؤذي مشاعرها ونفسيتها.
وتروي “ع.س” لـ”المشاهد” بعض ما تعانيه المرأة الريفية من صور نمطية رسمها الموروث الاجتماعي، ومن ذلك الرفض القطعي من قبل الرجل الذي يرى أن المرأة الريفية ليس لها الحق في العمل السياسي والاجتماعي، لأن ذلك يخص الرجل فقط، وتعتقد أن تلك النظرة تعبر عن مدى تحجر العقلية الذكورية في الريف، وتأمل أن يتغير هذا المفهوم للرجل الريفي، وأن يسمح للمرأة بالمشاركة والتعبير برأيها.
وأجرى معد هذا التقرير استبيانًا استهدف 37 امرأة ريفية من محافظات يمنية عدة، حيث أظهر الاستبيان أن 40% منهن لم يسبق لهن المشاركة السياسية أو الاجتماعية في محيطهن الاجتماعي، فيما 60% سبق لهن العمل السياسي والاجتماعي، بينما 94% لديهن حق التعبير مع أسرهن، و6% لم يستطعن التعبير.
ووفقًا للاستبيان، فإن 85% لديهن الرغبة في النشاط السياسي، و15% لا يرغبن بذلك، أما 63% من النساء اللواتي استهدفهن الاستبيان، فلم يتعرضن للقمع أو المنع من أي نشاط سياسي، و37% تعرضن للقمع والتوبيخ والتهديد والتحريض.
مبررات الحرمان
وأجرى معد التقرير استبيانًا لأخذ رأي الذكور الريفيين المتعلمين من مناطق مختلفة في اليمن، حيث يرفض 26% منهم تأييد مشاركة المرأة الريفية في العمل السياسي، و74% يشجعون مشاركتها في شتى مناحي الحياة، وبحسب الاستبيان، فإن 7% يعارضون نشاط المرأة في الأعمال المجتمعية، و93% ليس لديهم أية مشكلة في مشاركتها في خدمة المجتمع.
وأظهر الاستبيان أن 22% من الذكور الذين استهدفهم الاستبيان، لا يسمحون لذويهم من النساء بالمشاركة في العمل السياسي والاجتماعي مستقبلًا، و73% يتقبلون ذلك، بينما يمانع 12% منهم تمكين المرأة الريفية سياسيًا واجتماعيًا، و82% ليس لديهم أي مانع.
يقيم في الريف أكثر من ثلثي نساء اليمن، يعتمد المجتمع على أغلبهن في أعمال وأعباء متعبة، وهن مسؤولات عن تربية الأطفال وتدبير شؤون المنزل والعمل في الحقول وتربية المواشي.
وتبين من خلال الاستبيان أن 41% منهم ينتمون لأحزاب سياسية، و59% مستقلون، من بينهم لا يهتمون بالعمل السياسي.
ويقول أحد الأشخاص الريفيين الرافضين لمشاركة المرأة في العمل السياسي، ومن الذين شملهم الاستبيان، إن ارتباط العمل السياسي بالفساد الأخلاقي مبرر كافٍ لمنع النساء في الأرياف من النشاط السياسي والاجتماعي معًا، فيما يرى آخر أكثر تشددًا، أن السياسة تعد ضياعًا لكرامة المرأة في حال انخرطت فيها.
ورغم ذلك والتوصيفات السلبية، إلا أن أشخاصًا ريفيين آخرين يقولون إنه من حق المرأة الريفية أو الحضرية أن تنال حق الممارسة السياسية والانتماء الحزبي، وأن تمثل المرأة والمجتمع في شتى مناحي الحياة، ولديهم الاستعداد للإسهام في مناصرة قضايا النساء الريفيات في ظل غياب التنمية السياسية للمجتمع.
نظام أبوي
ويقول الباحث الاجتماعي عيبان السامعي إن المرأة اليمنية عمومًا تعاني من عنف هيكلي مركب؛ بسبب طبيعة النظام الأبوي الذي يلغي هوية المرأة، ويجعلها تابعة للرجل، وتمارس الهيمنة الذكورية اقصاءً شاملًا ضد المرأة؛ إقصاء اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا وسيكولوجيًا، ويحصر المرأة في أدوار اجتماعية محدودة كالعمل المنزلي والإنجاب والعمل غير المأجور.
وتعاني المرأة الريفية من إقصاء مضاعف وتمييز أشد وأقسى بحكم تجذر التقاليد والأعراف البالية في المجتمع الريفي، حد تعبير السامعي، إذ يشير إلى أن جذر استبعاد النساء من العمل السياسي يعود إلى تصور اجتماعي سائد، مفاده أن السياسة هي مهنة الرجال دون النساء.
وتعد بعض القوانين اليمنية عاملًا مساعدًا لسلب حقوق المرأة، كما هو حاصل في قانون الانتخابات، إذ يقول السامعي إن قانون الانتخابات جاء ليكرس إقصاء المرأة من المشاركة السياسية، ويدعم هيمنة الرجل على المرأة من خلال التأكيد على حق المرأة في الانتخاب، دون أن يتضمن صراحة حق المرأة في الترشح. مضيفًا: “أي أنه تعامل مع المرأة كقوة صوتية لصالح إنجاح المرشحين الذكور. ويظهر هذا الأمر بشكل أكثر جلاءً في ممارسة الأحزاب السياسية التي تعمل على تحشيد النساء في مواسم الانتخابات والمهرجانات الحزبية، لضمان تحقيق أهدافها السياسية”.
ومن منظور اجتماعي بحت، يقول إن الطبيعة التمييزية للتنشئة الاجتماعية تقوم على تفضيل الذكور على الإناث، إذ ينشأ الطفل الذكر على الاستقلالية والسيادة الذاتية، بينما تنشأ الأنثى على التبعية والرضوخ، فالبنت ما لها إلا البيت؛ وصوت البنت عورة؛ وخروجها من المنزل وممارسة العمل والنشاط العام عيب.
ويرى السامعي أن العنف الهيكلي المركب هو عنف شامل يشمل مختلف مناحي الحياة، يبدأ من الأسرة، مرورًا بالنظم التعليمية والاقتصادية والدينية والثقافية والرمزية، وليس انتهاءً بالنظام السياسي، لافتًا إلى أنه يتخذ أشكالًا وصورًا مختلفة، قد يكون ماديًا يقوم على القهر والانتهاك البدني، وعنفًا نفسيًا يتعلق باللغة والمشاعر، وآخر رمزيًا يقوم على أساس تزييف واستلاب وعي الضحية (المرأة) من خلال زرع أفكار وقيم ثقافية في ذهن المرأة، تدفعها للتكيف مع وضعية القهر، وتتقبل السلطة الذكورية عليها.
تفشي الحرمان
ومن وجهة نظر نسوية وسياسية، تقول الناشطة السياسية، مدينة عدلان، رئيسة اتحاد الشباب الاشتراكي “أشيد” في محافظة حضرموت، إن الأحزاب السياسية بكافة أشكالها ركزت على استقطاب المرأة في المناطق الحضرية، وتجاهلت المرأة الريفية التي تُستخدم كصوت انتخابي وقت الانتخابات، مشيرة إلى أن تفشي الحرمان السياسي للمرأة الريفية جاء نتيجة ضعف برامج الأحزاب السياسية، والتي لم تولِ أي اهتمام بالمرأة الريفية.
وتضيف عدلان لـ”المشاهد” أن “الأمية تعد سببًا في ممارسة العنف السياسي ضدها، وإن تعلمت وأكملت تعليمها في المدينة لكي تشق طريقها، تضطر للبقاء في المدينة، ولا تستفيد منها مناطقها الريفية”، موضحة أن سبب ضعف فاعلية المرأة سياسيًا هو وجود نسبة كبيرة من النساء في الأرياف لا يُسمح لهن بالمشاركة في الحياة السياسية، مما يؤثر بشكل كبير على دور المرأة بصورة عامة.
وترى أن السبب الرئيسي هو المعتقدات القبلية والخطاب الديني الذي استهدف المرأة الريفية كونها أقل تعليمًا ووعيًا، وجعل منها وعاء يسكب فيه أفكاره التي تحرض على تحريم العمل السياسي على المرأة.
رحم الريف ليس عقيمًا
ويقيم في الريف أكثر من ثلثي نساء اليمن، يعتمد المجتمع على أغلبهن في أعمال وأعباء متعبة، وهن مسؤولات عن تربية الأطفال وتدبير شؤون المنزل والعمل في الحقول وتربية المواشي.
وتقول الناشطة السياسية الريفية رجاء عبدالمجيد، إن المرأة الريفية، بمن فيها المتعلمة، تعاني الحرمان من الحقوق، سواء في المجال السياسي أو غيره، وإذا رغبت في المشاركة السياسية ينظر لها المجتمع كأنها ترتكب جريمة وفق العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في أغلب مناطق اليمن.
وتضيف رجاء أن المجتمع الريفي يتعمد تزويج الفتيات مبكرًا، وحرمانهن من التعليم الذي قد ينهض بالمرأة الريفية، إلا أنه يراد لها أن يقتصر عملها على تربية الأبناء، وعملها في الحقل والبيت فقط.
وفي الوقت نفسه تشير إلى أن هناك بعض مناطق الريف التي تشجع المرأة، إذ “أصبحت تمارس بعض حقوقها وأنشطتها المجتمعية، وحتى شاركت نوعًا ما بالسياسة والترشيح، كما حصل في مديرية المعافر بمحافظة تعز، في آخر انتخابات للمجالس المحلية، رغم كل المعوقات التي واجهتها ما بين مؤيد ومعارض”.
نقلاً عن المشاهد نت