فهمي محمد
لا تستطيع أي حركة إجتماعية أو حزب سياسي أو سلطة حاكمة أن تحسم معركة الحرب والسياسة مالم تكن مدركة لكيفية وأهمية أن تتحرك « في معادلة صراعها مع الأخر» في ظل وحدة القرار والقيادة والتوجه السياسي الذي ينسجم في مساره مع الهدف النهائي لها، وهذا يعني بالضرورة أن على تلك المسميات الحركية أو الحاكمة أن تتحرك في ظل إدراكها الواعي لما تريد فعله في الحاضر على مستوى واقع الناس وما تريد الوصول إليه في المستقبل.
السياسة الطيبة على حد قول السياسي الأمريكي المخضرم كيسنجر قد لا تكون مؤدية للنجاح المؤكد لكن سوء ممارسة السياسة حتماً يؤدي في كل الأحوال إلى الفشل المؤكد، وتلك معضلة سياسة الشرعية وأحزابها، لاسيما فيما يتعلق بإشكالية المسار السياسي المعني بأن يجيب على سؤال ماذا نريد في حاضرنا وفي المستقبل، سيما ونحن نخوض معركة المواجهة مع الحركة الحوثية التي لم تنقلب على السلطة والسياسة بل تعمل ايديولوجياً وثقافياً على سحب المجتمع اليمني إلى عصر ما قبل الدولة والديمقراطية والمواطنة.
من سذاجة الإعتقاد «بشكل مطلق» بأن إقدام الحركة الحوثية على قتل الرئيس السابق على عبد الله صالح الذي تحالف معها، كان بدافع الإنتقام الشخصي والثأثر لمقتل زعيم ومؤسس الحركة الحوثية حسين بدر الدين الحوثي فقط « كما يعتقد الكثيرون حتى الأن » خصوصاً وأن الرواية تقول أن حسين الحوثي قُتل على يد القائد العسكري ثابت جواس بعد أسره بدون أمر من الرئيس صالح، كما أن المعروف عن سياسة الرئيس صالح هو توظيفه الشديد والذكي لصراع المتناقضات السياسية والأيدلوجية وحتى المسميات الحزبية والجهوية واستثمار ذلك في صالح سلطته، ما يعني أن الرئيس صالح لم يكن يومها حريص من باب السياسة على تصفية الرجل خصوصاً مع تحول حزب الإصلاح من بعد حرب 94 « تدريجياً » إلى خصم سياسي منافس للرئيس صالح على السلطة والثروة، بعد أن أدى هذا الحزب الدور السياسي المطلوب منه في توظيف الوجدان الديني في صراع المتناقضات السياسية والأيدلوجية ضد شريك صالح وحزبه في دولة الوحدة اليمنية ={ الحزب الإشتراكي اليمني } منذ عام 1990.
إقدام الحركة الحوثية على قتل صالح كان يعني لها بدرجة رئيسية توحيد القرار والقيادة والتوجه السياسي والأيديولوجي نحو هدفها الذي تحركت من أجله من داخل صعدة في 2014، ناهيك أنها كانت تخوض معركتها العسكرية والسياسية مع سلطة الشرعية والتحالف الذي تدخل بعد سقوط صنعاء تحت مسمى دعم الشرعية، لهذا نجد الحركة الحوثية رغم أنها تحركت من صعده في ظل تحالفها الغير معلن عنه مع صالح سيما وقد اعترف صالح بوجود هذا التحالف، بل أكد في خطابه بأنه هو من استدعى تدخل إيران وليس أنصار الله، وبغض النظر عن مبالغة صالح في مسألة الإستدعاء لإيران، مع حقيقة تحالفه مع الحركة الحوثية إلا أن الحركة الحوثية مع وجود هذا التحالف تحركت عسكرياً من صعدة بشكل يؤسس عملياً للقضاء على التحالف مع صالح وحزبه أي تحركت بدافع القضاء على ثنائية القرار والقيادة والتوجه السياسي الذي كان سيطفوا عاجلاً أم آجلاً على سطح المشهد في صنعاء،
هذا يعني أن الحركة الحوثية كانت مدركة بشكل مبكر لأهمية أن تخوض غمار الإنقلاب وحتى معركة المواجهة في ظل وحدة القرار والقيادة والتوجه السياسي لهذا كان مقتل صالح يشبه مقتل – كش ملك – في لعبة الشطرنج بعد أن يكون الخصم قد أكل كل قطع الشطرنج الخاصة به من الوزير وحتى الجندي ولم يبقى سوى الملك على رقعة الشطرنج، يومها كتبت مقال على صفحتي تحت عنوان مقتل صالح تحصيل حاصل ولن يغير في موازين القوى لصالح الشرعية في حين أعتقدت الأغلبية العظمى أن الحركة الحوثية ارتكبت حماقة وخطأ كبير سوف يضعفها سياسياً وعسكرياً وهو مالم يحدث لأن الحركة الحوثية لم تقتل صالح بشخصه ولذاته بدافع الثأر بقدر ما عملت في مناطق سيطرتها على وحدة القرار والقيادة والتوجه السياسي والايديولوجي، بمعنى آخر نستطيع القول أن الإنقلاب نجح في إسقاط سلطة الشرعية التوافقية لكن من سوف يحكم صنعاء كان مرهون بالإجابة على سؤال ماهو المطلوب في الحاضر وماذا نريد في المستقبل بالنسبة لإدارة معركة المواجهة وقد أجابت الحركة الحوثية على ذلك .
فهل أدركت الشرعية وحتى تحالف دعم الشرعية في 2022 بعد سبع سنوات عجاف فطنة الحركة الحوثية في عام 2017 ؟ ما يعني أن تشكيل المجلس الرئاسي هو مجرد انعكاس سياسي لذلك ؟