المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
أينما يحل الظلم والفساد والإستبداد تتولد أسباب الثورات التي يعول عليها في حسم معركة الخلاص.
فالإنسان هو الكائن الوحيد من بين المخلوقات على الأرض مزود فطرياً بملكة العقل والكرامة والضمير ، زد على ذلك ان هذا الكائن الإنساني هو المناط بمسألة الكفاح الذي لا يعني سوى نضال الإنسان في سبيل عمارة الأرض، وتلك هي الغاية من خلق الإنسان = {إني جاعلاً في الأرض خليفة.
وتحقيق ذلك لن يكون إلا في مجتمع أصبح يؤمن قولًا عملًا بإعمال مبدأ العدالة بين الناس أكثر مما يؤمن بالدين كفكرة تعبدية تميز هذا الإنسان عن ذاك أو هذه الأمة عن تلك.
لذا فإن منطق التأريخ يذكرنا دائما بأن الدولة العادلة تنتصر على الدولة المؤمنة، وإن كثر في هذه الأخيرة عدد الراكعين والساجدين والخاشعين آناء اليل واطراف النهار، فالتعبد والخشوع لا يمنحا التأريخ صيرورته وتحولاته المستقبلية على هذه الأرض وإن كان له معني إيجابي في ميزان السماء، بل على العكس من ذلك تتفوق عمرانيًا تلك المجتمعات التي تسود فيها العدالة بين الناس – وإن قل فيهم التعبد أو انعدم – على المجتمعات التي يسود فيها التدين ويكثر فيها دور العبادة أو تصدح فيها المأآذن خمس مرات في اليوم.
لا يعني هذا التنكر لمسألة الدين أو لفكرة التدين بقدر ما يعني أن العدالة هي جوهر الدين وفيها تكمن أسباب التقدم والحضارة والعمران على هذه الأرض وهذا بحد ذاته سنة من سنن الخالق.
ما يعني في النتيجة أن معركتنا مع المستقبل تتطلب منا أن نُعلم ابنائنا منذ الطفولة قيم العدل والعدالة والمساواة بين المخلوقات على الأرض وكيفية النضال من أجل تطبيقهما قبل أن نُعلمهم شروط وأركان الصلاة والصيام والخشوع قِبل الخالق في السماء، لأن الخالق جل شأنه – على سبيل المثال وليس الحصر – جعل الوقوف في وجه الظلم أعظم الجهاد في سبيله، والوقوف في وجه الظلم لا يعني سواء نضال الإنسان من أجل تحقيق العدالة في الدنيا وليس في الدار الآخرة.