وسام محمد
لم يكن محمد ناجي أحمد سيضطر لكتابة منشوره الأخير (مرفق في الصورة) وهو في قلب المعاناة جراء حادثة الدراجة النارية التي تعرض لها يوم 27 ديسمبر الماضي في منطقة الحوبان، لو أنها حادثة عرضية. ولكنه بكلمات شاقة وأحرف ناقصة أراد أن يقول أن الحادثة مدبرة.
كما هو موضح في منشوره، فقد عاد من صنعاء إلى تعز لكي يقوم بترميم منزله، لكن دراجة نارية صدمته بالقرب من نقطة أمنية في منطقة الحوبان الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي وفر سائقها ولم يتم التعرف عليه بالرغم من وجود النقطة الأمنية وبالرغم من وجود كاميرات مراقبة في أحد المحلات القريبة. لا أحد يعرف أصلا ما إن كان هناك تحقيق في الحادثة من الأساس!
ومن المؤسف أن كل النعي الغزير لم يتطرق للحادثة التي أودت بحياة الكاتب والأستاذ محمد ناجي.
بالطبع كان الأستاذ محمد ناجي يعيش في صنعاء، وكان يكتب ضد جماعة الحوثي الطائفية والعنصرية ليس فقط بشجاعة ولكن بحدة مخيفة. وكأنه كان يعرض نفسه للخطر لكي يكفر عن خطيئة انسياقه تدريجيًا خلال سنوات الحرب الأولى ليصبح في فترة ما منحازًا لجماعة الحوثي.
كان يقول في التعليقات على منشوراته للمستغربين من كتاباته الحادة: انا أكتب من صنعاء وأعرف أنهم سيغتالونني إن ارادوا ولكني لا أخافهم. لكن الجماعة الطائفية والعنصرية والتي بحكم طبيعتها لا تتسامح مع من يؤيدها ثم ينقلب لمعارضتها، لن تقدم على اسكات الأستاذ محمد ناجي أو حتى تأديبه طالما وهو يعيش في صنعاء. لأن أي محاولة من هذا النوع ستجعلهم محل اتهام مباشر، لهذا انتظرت أن يغادر صنعاء ويعود إلى تعز وكلفت الدراجة النارية لتقوم بالمهمة.
الجماعات الدينية والعصبوية يمكنها أن تتجاهل المعارضين لها، لكن المؤيدين الذين ينشقون عنها لا يمكنها التسامح معهم. لطالما أقترب منهم وعرف حقيقتهم فإن قرار الابتعاد لوحده كافيًا لتصفيته ما بالكم وقد تحول من التأييد إلى المعارضة. وفي عقر دار جماعة الحوثي.
عادة ما يتم التشكيك بموقف أي شخص انشق عن جماعة أو كان قريب منها وتحول إلى معارض لها، لكن مع محمد ناجي أحمد الأمر مختلف. فتبدل موقفه كان نابع عن قراءة عميقة جعلته يدرك حجم الخطأ الذي وقع فيه. وهو ما كان واضحًا في كتاباته.
هناك أيضا عدد من الصحفيين والكتاب والمثقفين كانوا في بداية الحرب وقبلها مع الحوثي وصالح، ثم تبدلت مواقفهم إلى الضد، دون أن يقدموا للناس مجرد توضيح بسيط كيف حدث ذلك. لكن محمد ناجي احمد ربما كان الوحيد من بينهم جميعًا من قام بعمل مراجعة نقدية لمواقفه السابقة ولم يلذ بالصمت كما فعل اخرون كما لم يبحث عن السلامة الفردية أو عن مصالح ذاتية.
ما أريد قوله هو أن هناك مقدمات واضحة تجعل الأستاذ محمد ناجي أحمد مستهدفًا من قبل جماعة الحوثي. وهناك حادثة هي أقرب إلى كونها مدبرة من أن تكون عرضية.
معرفة الحقيقة مسألة صعبة للغاية. لكن علينا احترام الرجل ووضع موته المؤلم والمبكر في سياقه الصحيح. كما فعل الناس من قبل مع جريمتي اغتيال عبدالحبيب سالم وعبدالله سعد، اللتان بالرغم من الحبكات ظل نظام صالح متهمًا بارتكابهما حتى آخر يوم من حياته.