المواطن – د. ياسر حسن الصلوي
أستاذ علم الاجتماع السياسي والحوكمة المساعد كلية الآداب – جامعة تعز
صعود نجم مواقع التواصل الاجتماعي فتح الباب للتساؤل عن دورها في مختلف المجالات، لا سيما تأثيرها في الرأي العام الجماهيري؛ كونهم الشريحة الأكثر تعرضا لهذه المواقع، وقبل الحديث عن هذا الدور يجدر بنا إيضاح المقصود بالرأي العام، وهو أنه” الرأي السائد بين أغلبية الجمهور الواعي في فترة معينة بالنسبة لقضية أو أكثر يحتدم فيها الجدل والنقاش وتمس مصالح هذه الأغلبية أو قيمها الأساسية مسا مباشرا” ( )، فالرأي العام إذن هو خلاصة آراء مجموعة من الناس، أو إجماع الآراء، أو هو الاتفاق الجماعي لدى غالبية فئات الشعب تجاه أمر ما، أو موضوع أو ظاهرة أو قضية من القضايا الخلافية، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم ثقافية أم اجتماعية، ويمثل أيضا خلاصة الآراء الناتجة عن المؤثرات وردود الأفعال المتبادلة بين أفراد الجماعة التي تتقسم اتجاهاتها بين مؤيد ومعارض أو محايد تجاه القضايا المطروحة في المجتمع().
ويصنف الرأي العام إلى أنواع ومستويات وأشكال وفق معايير وأسس مختلفة، منها تقسيمه إلى بحسب المعيار الجغرافي إلى أربعة أنواع هي: “الرأي العام الوطني”، ويقصد به الرأي العام الذي يرتبط بالدولة وتستند إليه السلطة القائمة، و”الرأي العام الإقليمي”، هو الرأي السائد بين مجموعة من الشعوب المتجاورة في فترة معينة نحو قضية ما، وهو يأتي في موقع وسط بين الرأي العام الدولي والرأي العام الوطني، و”الرأي العام العالمي”، وهو كل تعبير تلقائي عن وجهة نظر معينة، لا تقتصر على إثبات وجودها على مجتمع معين، وإنما تتعدى الحدود بين الجماعات السياسية لتعبر عن نوع من التوافق بين الطبقات التي تنتمي إلى أكثر من دولة، وليست بالضرورة أن تكون الدول إقليمية، و”الرأي العام النوعي”، وهو المفهوم الواسع لاتجاهات الرأي التي تعبر عن قطاع معين من المجتمع السياسي الكلي، ويكون على نطاق محلي أو إقليمي().
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة مفاهيم جديدة تتعلق بنوع جديد من أنواع الرأي العام هو “الرأي العام الإليكتروني” الذي يعرفه البعض بأنه: ” كل فكرة، أو اقتراح أو رأي، أو مشاركة، يعبر عن توجه معين ويدافع عن أيدولوجيا بعينها، أو ينبع من تجربة شخصية سواء أكانت فردية أم جماعية، لتصل إلى نتيجة سياسية عامة، يتم توصيلها كرسالة اتصالية من خلال الانترنت، لتأخذ دورها في المشاهدة والاطلاع من قبل من يملك أو يستطيع استخدام الإنترنت، والاطلاع في الوقت نفسه على تلك المواقع التي يستخدمها الآخرون ليتكون ما يعرف بالرأي العام الإليكتروني”().
لقد زادت أهمية الرأي العام الإليكتروني، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منتديات وساحات يلتقي بها الجمهور من ذوي الاهتمامات المشتركة ليبدوا آراءهم تجاه قضية أو مجموعة من القضايا التي تنتمي إلى الرأي العام، وقد ساهم الرأي العام الإلكتروني في تكريس حرية التعبير التي تعد واحدة من الحريات العامة.
إن ما يؤكد اهتمام الرأي العام (الجمهور) -بما في ذلك ما أصبح يعرف بالرأي العام الإليكتروني- بمواقع التواصل الاجتماعي هو ظهور هذه المواقع أساسًا، ومن ثم فتحت هذه المواقع آفاقا جديدة للعديد من الشرائح الاجتماعية ومجموعات المصالح والنشطاء المجتمعين في جميع أنحاء العالم، كما أن ظهورها قد أوجد قنوات مباشرة للتبادل الحي والفوري لدى جماهيرها، وأعطت هذه المواقع إمكانية التغيير من جوهر النظريات الاتصالية المعروفة، ومنع احتكار صناعة الرسالة الإعلامية، وذلك بنقلها إلى مدى أوسع وأكثر شمولية، وأصبحت هذه المواقع ذات قدرة تأثيرية وتفاعلية لم يتصورها خبراء الإعلام الاتصالي انفسهم.
لقد نجحت هذه المواقع بعد أن كانت مجرد أداة للتواصل في اختراق الحياة اليومية للملايين من البشر، في اداء دور بالغ الأهمية من خلال استخدامها كقوى إقناع لتشكيل الرأي العام وصياغته، فمن جهة تؤثر هذه المواقع تدريجيا وتعمل على تعديل الاتجاهات، ومن جهة أخرى تعمل على تغييرها إذا تطلب الأمر ذلك من خلال كسب هذه المواقع لثقة الجماهير().
خلاصة القول حول الدور الذي تؤديه مواقع التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام هي أنها اصبحت تؤدي دورا بالغ الأهمية والخطورة في تشكيل الرأي العام، من خلال تعبئة الجماعات وحشدها حول أفكار وآراء واتجاهات معينة، ومن ثم أسهم الانتشار الحر للمعلومات من خلال هذه المواقع في خلق إمكانية كبيرة للتحرك الشعبي على أساس المعرفة الواسعة والدقيقة.