عبير عبدالله
“جاءت الحرب إلى مناطقنا لتمنحنا درسا في قيم السلام” بهذه الكلمات يتحدث “زكريا الصلاحي” أحد أبناء قرية عدن ديمة بمديرية مشرعة وحدنان بتعز، وهو يسرد حكاية قريته التي عانت من الحرب لتخرج منها وقد نالت جدارة الحياة في مشروع مجتمعي مبهر يستحق الوقوف أمامه بإبهار.
يقول “زكريا” في العام 2015 اندلعت الحرب التي شنتها جماعة الحوثي على مديريتنا، وعانينا كثيرا خاصة فيما يتعلق بإسعاف الجرحى وامداد السكان بأبسط الاحتياجات بما في ذلك الطعام، حيث لجأ الأهالي إلى قطع مسافات طويلة تمتد لعدة كيلومترات في طرق وعرة سيرا على الأقدام إلى منطقة أدود التابعة لمديرية صبر الموادم، ومن ثم الانتقال منها إلى المدينة لإسعاف الجرحى، وهذه المعاناة كانت نتيجة غياب الطرق التي تصل القرى ببعضها، وبعد الحرب خرج أبناء قريتنا لإستئناف العمل في مشروع الطريق الذي تعثر لحوالي 40 سنة بسبب بعض الخلافات التي نشبت مع إحدى القرى المجاورة والتي سيمر الطريق في أراضي تابعة لسكان هذه القرية”.
يضيف “زكريا” معاناة الحرب علمتنا المعاني الحقيقية للسلام وبالتالي فبعد الحرب دخلنا في صلح مع القرية المجاورة وتم التراضي وتقديم التنازلات من قبل أبناء القريتين، وأنهينا خلافاتنا معهم ودخلنا في سلام معهم، ومن ثم انتقلنا كأبناء المجتمع وفي ظل غياب الدولة لتحمل مسؤوليتنا المجتمعية في استكمال مشروع الطريق الواصل إلى قرية عدن ديمة والذي قام بشقه الأهالي بأنفسهم، والآن تم انجاز النسبة الأكبر من المشروع وما زال
العمل متواصلا فيه إلى أن يتم بشكل كامل”.
وتعود قصة طريق عدن ديمة إلى ثمانينيات القرن الماضي حين تم شق طريق مديرية مشرعة وحدنان، وكان من المقرر أن يتم شق طريق فرعي يصل الطريق القرية بالطريق الرئيسي ويمتد لحوالي 2 كم يستفيد منه أبناء القرية والقرى المجاورة، غير أن بعض الخلافات التي نشبت مع مالكي الأرض التي سيمر بها الطريق وينتمون لقرية المحرس قد عرقل شق الطريق.
بين الحين والآخر كانت الجهود المبذولة تستأنف في محاولة استكمال الشق غير أنها تتعرقل بسبب تصاعد الخلافات مع مالكي الأرض، حيث تطورت هذه الخلافات إلى ما يشبه الحرب بين القريتين “عدن ديمة والمحرس”.
العام 2015 شهدت مديرية مشرعة وحدنان الحرب بين جماعة الحوثي والمقاومة الشعبية من أبناء المنطقة، وفي العام 2019 وقع أبناء المديرية صلحا بين قريتي عدن ديمة والمحرس، لإنهاء الخلافات بين القريتين ليعود أبناء عدن ديمة لاستكمال مشروعهم التنموي كأبرز نتيجة من نتائج السلام.
وبحسب المعلومات التي مدنا بها المهندس عبدالدائم الصلاحي أحد القائمين على المشروع من أبناء القرية فإن الطريق يمتد من منطقة الثغرة إلى قرية عدن ديمة بطول 1445 متر، وبمساحة 5057 متر مربع، وعدد المستفيدين من المشروع بشكل مباشر 1500 نسمة، حيث بدأ استئناف العمل والشروع بالشق وبناء الجدران منتصف 2019 وهو المشروع الذي يعمل فيه أبناء القرية بجهودهم الذاتية وباستخدام الأدوات البدائية.
مختار العامري أحد الذين كان لهم دور في مشروع طريق عدن ديمة، قال إن توحيد طاقات المجتمع تستند على ثلاثة أشياء وهي (الأفراد – الأفكار – الموارد) وذلك من خلال قيام الأفراد بابتكار الأفكار التي من شأنها استغلال تلك الموارد بما يتضمن خدمة الجميع لأجل الجميع، فإن طريق عدن ديمة كانت بمثابة ذلك الامر الذي عزز حقيقة تلك الطاقات الإيجابية التي اثمرت في تحقيق التوجه الأمثل لها من خلال مبادرة سيكون لها أثرها الكبير على أرض الواقع، حيث خلق هذا التوجه نوعا من التكاتف المجتمعي كخدمة ستعمل على التخلص من المعاناة التي كان يكابدها سكان تلك القرى المحرومة من الطريق نتيجة لصعوبة نقل أشيائهم أو إسعاف مرضاهم دون تكبد عناء النقل”.
ويضيف “العامري” إن التكاتف والتعاون الأهلي بحد ذاته يمثل أبهى صورة للسلام الذي يعمل على خلق الألفة والمحبة والخير بين الناس. مع العلم أن مشروع طريق عدن ديمه مثل صورة حقيقية للسلام من حيث كونه كان متعثراً على مدار ما يقرب من خمسين عاماً نتيجة للخلافات بين أهالي القرى المستفيدة من الطريق وقرى مجاورة لها تمتلك الأراضي الواقعة في خط سير الطريق، إلا أن الوعي المجتمع لأهالي تلك القرى سعى إلى حل تلك الخلافات وأنهى تلك النزاعات، ولا ننسى أيضاً في ظل ظروف الحرب كان مشروع طريق عدن ديمة يعد مبادرة تعاونية أهلية شكلت صورة حقيقية للسلام وكانت بمثابة النور الذي شع في الوقت الذي حل فيه الظلام”.
وتظل طريق عدن ديمة أنموذجا لترجمة معاني السلام والتي تبرز التنمية المجتمعية في مقدمة هذه المعاني، حيث ينعكس السلام بالفائدة على المجتمع كما على الفرد.