تقرير – نهاد البحيري
هاربين من جحيم الحرب وباحثين عن لقمة العيش الحلال ، معتمرين وعائدين الى أعمالهم صف طويل يحمل مختلف الملامح ، تجاعيد حفرتها السنوات على قسمات وجوههم وبرزت أكثر في حر الشمس وذرات الرمال التي غطت منهم الكثير .
العديد والعديد من المسافرين المصطفين على الحدود اليمنية السعودية في انتظار لحظة الخلاص كما يسميها العم أحمد طوابير طويلة مُنعوا من عبور الحدود خوفاً من انتشار وباء كورونا مشترطين على جميع المسافرين حتمية أخذ اللقاح كإجراءات للحفاظ على الأمن الصحي والتخفيف من حدة انتشار covid-19
الآلاف من المسافرين وجدوا أنفسهم أمام قرار لا مفر منه .. العودة أو العودة
مسافات ليست بالقليلة قطعها المسافرون للوصول إلى الوديعة، المنفذ الوحيد الذي يربط بين اليمن والسعودية بعد إغلاق بقية المنافذ من قبل السلطات ويعتبر الطريق الأطول والأشد وعورة ومشقة على المسافرين ويبعد أقرب مركز للقاح مسافة ليست بالهينة أبدًا وخاصة أن المنفذ يقع في المناطق الشمالية التي تسيطرُ جماعة الحوثيين على أغلب مناطقها و رفض سياستها حصتها الأولية من لقاح covid-19 والمقدرة بنحو 10 آلاف جرعة للكوادر الصحية كدفعة أولى ، فيضطر المسافرين إلى العودة للمناطق الشرعية .
و تزداد حدة هذه الصعوبات مع التعقيدات التي يواجهها المسافرون اليمنيون بمختلف انتمائاتهم طوال الطريق حيث يتعرضون للسرقة في المناطق المنقطعة والعديد من المضايقات والتحقيقات التي توجه لهم من النقاط الأمنية التابعة لجماعة الحوثيين والتي تصل لحد الابتزاز المادي والاحتجاز
مع العلم أن غالبية الشعب اليمني من الطبقة الوسطى وانخفضت هذه الطبقة أثناء الحرب ليطال الفقر شريحة واسعة منهم فتصبح تكاليف العودة لأخذ اللقاح حمل ثقيل على كاهل المسافر الذي استنفذ كل ما لدية بغية السفر
حتى إشعارٍ أخر
غ.م أب لأربعة أطفال ( 40 عاماً ) عاد لليمن منذ ما يقارب عشر سنوات ومن حينها لم يرى أمه في المملكة ، تحدث بصوت يملأه الحسرة لم أستطع زيارة أمي لأعوام عديدة وحين اشتد بها المرض ساعدني أخي بمبلغ تكلفة السفر لزيارتها ، وبدلاً من التوجه للمنفذ توجه غ.م من صنعاء نحو محافظة تعز لأخذ اللقاح متحملاً مشقة السفر لمدة 12 ساعة ..
تفاصيل كثيرة سردها لم يصف بها معناته فقط بل معاناة الآلاف ممن رمت بهم الظروف خارج إطار الحياة، تفاصيل حفرت في عينيه وتسببت بلمعة حزن لن يمحوها الزمن ولن تصفها الكلمات
وأوضح مدير مركز 22 مايو الطبي الدكتور مالك الكامل
بأن الإقبال كان غير متوقع وأعداد كبيرة وصلت للمركز بمعدل 300 الى 400 ملقح يومياً ناهيك عن بقية المراكز
وأضاف د. مالك في كل يوم ومن قبل بدء موعد الدوام طوابير طويلة وتدافع أمام المدخل وخاصة أن المركز غير مصمم لاستقبال هذه الأعداد
بالإضافة لبعض المشاكل التي تمثلت بتدخلات بعض المسلحين وعدم كفاية الوقت ، مؤكداً أن 95% من الملقحين وافدين من محافظات أخرى لأخذ اللقاح من أجل السفر وختم حديثه قائلاً، لقد استطعنا تجاوز هذه المعوقات
ونتمنى من الجهات المعنية اعتماد المزيد من المراكز من أجل لقاحات covid-19 لاحتواء جميع الوافدين .
العم أحمد ولحظة خلاصه المنتظرة
تربوي تجاوز الستين من عمره يقول لم تصلنا أي تعليمات بوجوب أخذ اللقاح ، فقط كنا نظن بأن علينا إجراء فحص روتيني للتأكد من خلونا من covid-19 وتفاجأنا عند وصولنا للحدود بأن علينا العودة ،
العم أحمد برفقة زوجته المريضة وابنته تلك التي تحمل من أجلها مشقة السفر ، ليزفها عروس لزوجها الذي طال انتظاره في الجانب الأخر من الحدود، عاد لمدينة تعز مجبراً
ويستكمل حديثه
عندما بُلغنا بضرورة العودة لأجل اللقاح لم أعرف ما الذي يتوجب علينا فعله ، بالرغم من أن الأمور واضحة انتظرنا بعض الوقت بأمل السماح لنا بالمرور وعندما آمنت بان المعجزات لا تحدث، عدت نحو مدينتي تعز وبعد ثلاثة أيام وصلنا برفقة الكثير من المسافرين البعض لم يكن لديه أي مكان ليقضي ليلته
توجهت لمنزلي مع أسرة تعرفت إليهم أثناء السفر وبعد عدة أيام تمكنا من أخذ اللقاح، بلغت خسارة العم أحمد 300 ألف و تأجلت مراسم الزفاف حتى إشعار فرح أخر
هكذا أضحت الأفراح في وطن يفتقد فيه الإنسان أبسط حقوقه .. حتى السعادة لها مواعيد قابلة لإعادة الضبط ، ضاعف الوباء من حدة الوضع وزاده صعوبة في ضل إمكانيات شحيحة وانعدام شبه كلي للأمن الصحي ..
مدينة الفضيلة
مع الظروف القاسية التي تحيط بمحافظة تعز من مختلف الجوانب من حرب وحصار ووباء
فتحت ذراعيها لكل أبناء اليمن واستقبلتهم لأخذ اللقاح رغم الإمكانيات الشحيحة وضعف التجهيزات الطبية إلا أن وزير الصحة د. قاسم بحيح توجه بفتح مجال التطعيم للمسافرين في المحافظات المحررة كإجراءات اضطرارية رغم عدم استهدافهم بالمرحلة الأولى وقام بعدة جهود في محاولة لتخفيف معاناة المسافرين وتمثلت هذه الجهود بالتعاون مع السلطات السعودية بالسماح لليمنين بالدخول بعد أخذ الجرعة الأولى فقط من لقاح
استرازينيكا لأن الفترة بين الجرعة الأولى والثانية طويلة جداً وستسبب الإعاقة للكثير من المسافرين وسيتم أخذ الجرعة الثانية في السعودية ..
وأوضحت الممرضة نعائم عبد الله إحدى العاملات في مراكز التلقيح
بأن الحالة النفسية للمسافرين كانت سيئة بشكل لا يصدق حيث ينهار البعض من البكاء فور وصولهم بسبب التعب والبعض الأخر لم يعد يملك المال لقضاء مدة إضافية في أحد الفنادق لانتظار دورة فينتظرون عند مدخل المركز لمدة طويلة وأضافت بأن عدد المراكز في المحافظة لا يتعدى السبعة مراكز مع العلم بأن الإقبال غير متوقع ومفاجئ خاصة بعد القرارات الجديدة وعدم قدرة المراكز على استيعاب هذه الأعداد تسببت بأزمة جديدة بالإضافة لتوفر اللقاح وعدم توفر كروت التطعيم أو العكس أحيانا ً
أما آمنة سمير ذات الخمسة والعشرين عاماً
فتقول من إب حتى منفذ الوديعة ومن هناك عدنا أنا وزوجي إلى تعز بعد أن قوبلنا بقرار شهادة التطعيم وضرورة أخذ اللقاح
آمنة حامل في شهرها السادس وتحمل طفلها ذا الثلاثة أعوام بين ذراعيها تنتظر دورها بصبر لم تعد تملك منه إلا القليل و بدا هذا واضحاً على ملامحها ونبرة صوتها الأقرب للبكاء من الحديث
الآلاف من القصص تجسد معاناة شعب بأكمله تآمرت عليه مختلف الظروف لتخلق عوائق لا يمكن تجاوزها إلا بالصبر والمشقة كانت بدايتها الجهل والإشاعات المختلفة التي طالت لقاحات covid-19 وسببت عزوف وتخوف الكثيرين ليتحول هذا الركود الى سيل جارف لا يمكن صده فتصبح مراكز اللقاحات الفارغة صالات انتظار وطوابير ليس لها نهاية .. إنها معركة وعي
“تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.