تقرير – احمد حسين
محمد جمال غانم شاب يمني يبلغ من العمر 26 عامًا أصيب بصدمة نفسية عانى منها لفترة طويلة ورجح الطبيب المعالج أن الحالة جاءت نتيجة إهمال في الجانب النفسي وحجم التراكمات النفسية المسبقة.
ويحسب المرض النفسي واحدًا من الأمراض المعقدة في العالم ففي حين يرى بعض الناس أنهم قادرون على تجاوز كل الأزمات النفسية يعتقد الكثير من الناس في اليمن أن المرض النفسي جنونًا ليس له أي حل.
“والمرض النفسي أو العصاب”هو “اضطراب في الشخصية وهو اضطراب عصبي وظيفي غير مصحوب بتغير بنيوي في الجهاز العصبي. ترافقه في كثير من الأحيان أعراض هستيرية وحصر نفسي، وهواجس مختلفة”.
وأثرت الحرب والأزمات المترتبة عليها بالإضافة إلى الفقر والأوضاع المأساوية سلبًا على الحياة النفسية للإنسان وهذا شيء طبيعي حسب قول الدكتور عبد الله الشرعبي وهو طبيب مختص بالجانب النفسي ويؤكد أن الوضع الذي يمر به اليمن لا شك أنه سيضاعف الحالات النفسية.
اعداد مخيفة
وتشير تقديرات غير رسمية إلى نحو 1.5 مليون يمني يعانون من حالات نفسية مستعصية يعيش الكثير منهم في ظروف بيئية صعبة بعيدًا عن الاهتمام.
وتقول دراسة حديثة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري في صنعاء أن 195 شخصًا من كل ألف يمني يعانون من ضغوط واضطرابات نفسية حادة.
ويعتبر محمد نموذجًا لنحو 5 ملايين و455 ألفًا 347 من المتضررين نفسيًا بسبب الحرب بحسب الدراسة.
وفي نفس السياق تؤكد دارسة أعدها مركز صنعاء بالتعاون مع عيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا ومدرسة ميلمان للصحة العامة أن اليمني البالغ من العمر 25 عامًا عاش بالفعل 14 نزاعًا مسلحًا متفاوت التأثير في حياته وهذا يؤثر سلبًا على نفسية الشاب.
شريحة الاطفال الاكثر تضررا
تقول الدكتورة زهرة جميل إن هناك آلاف المصابين بأمراض نفسية نتيجة الحرب في اليمن وخاصةً الأطفال وتتنوع تلك التأثيرات ما بين خفيفة تبدأ بالرهاب والخوف الطبيعي وتتطور تدريجيًا حتى تصل إلى مراحل معقدة.
ومن جانب آخر أظهرت دراسة لمنظمة يمن لإغاثة الأطفال أن أطفال صنعاء وعدن وتعز وأبين يعانون من ارتفاع مهول في مشاعر الخوف وانعدام الأمن والقلق والغضب حيث عانى 31% من الأطفال في الدراسة من أعراض جسدية بما في ذلك الصداع وألم الصدر والبطن والإرهاق التي اعتبرها الباحثون مؤشرات على وجود ضائقة نفسية.
تستغل بعض العيادات الخاصة أوضاع المرضى وعدم الاهتمام بهم في ظل عدم وجود رقابة على أداء عمل تلك العيادات
وقد لاحظت دراسة المنظمة تمايزًا واضحًا في شدة الأعراض النفسية بين المحافظات يعادل تقريبًا كثافة النزاع في مختلف المناطق وبحسب إفادات لآباء فإن الآثار النفسية تختلف من طفل لآخر حيث إن 5% من الأطفال يعانون من التبول اللاإرادي و2% عادوا إلى التأتأة و47% يعانون من اضطرابات نفسية و24% لديهم صعوبة في التركيز و17% يعانون من نوبات هلع.
أسباب وعوامل
وتقول الدكتورة سعاد الرخمي، وهي أخصائية أمراض عصبية ونفسية، “نلاحظ ارتفاعا غير مسبوق لأعداد المرضى النفسيين المشردين في الشوارع خاصة في صنعاء”.
وتعزو تزايد أعداد هؤلاء المرضى إلى أسباب كثيرة أبرزها الضغوط الاجتماعية والمشاكل الأسرية والظروف المادية الصعبة واهمال الأهل وجهلهم بكيفية التعامل مع المريض النفسي وتركه للتشرد بمجرد مغادرة المنزل أو بروز تصرفات عدوانية.
ومع ذلك تؤكد أن التجارب كشفت بأن تحسن صحة هؤلاء المشردين في الشوارع عالية وأكثر بكثير من غيرهم لأن أعراض مرضهم واضحة وتحدث أحيانا كنوبات في أوقات معينة.
أضافت“فقط هم بحاجة لعلاج نفسي واهتمام من قبل أهاليهم”.
غياب الاهتمام
يفتقر اليمن إلى المستشفيات الحكومية المتخصصة بالعلاج النفسي باستثناء مستشفى الأمل في صنعاء الذي يدار بالشراكة مع القطاع الخاص، بالإضافة إلى ثلاث مصحات نفسية مهملة في محافظات الحديدة وعدن وتعز وفقًا للدكتور عبد الله القيسي وهو مسؤول التعليم المستمر بمستشفى الأمل للطب النفسي في صنعاء ويضيف القيسي أن عدد الأطباء النفسيين في اليمن لا يتجاوز الـ50 طبيبًا.
فيما تستغل بعض العيادات الخاصة أوضاع المرضى وعدم الاهتمام بهم في ظل عدم وجود رقابة على أداء عمل تلك العيادات ويقول محمد جمال (مريض نفسي) إنه ارتاد أكثر من عيادة خاصة لكن عمل العيادات تلك قائم على بيع العلاجات للأمراض والإدمان عليه وهذا يدل على أن العيادات تلك فتحت فقط لأجل الربح.
ووفقًا لمسح أجرته منظمة الصحة العالمية فإنه من بين 3.507 منشأة صحية في اليمن تبقى الخدمات المتعلقة بالأمراض النفسية غير متوافرة إلا بنسب قليلة.
الطب النفسي والشعوذة
يقول محمد جمال إنه في بداية تعرضه لتلك الصدمة النفسية استغل بعض الرقاة حالته، مُدعين أنه أصيب بحالة مس شيطاني وآخر قال إنه أصيب بعين، هذا ما قد تبين للمجتمع المحيط به واستسلم للأمر هو أيضًا.
وتمتلئ بيوت الدجالين بالمرضى النفسيين نتيجة الاعتقاد السائد بارتباط المرض النفسي بالجن والعين والحسد، حيث يفضل الكثير من المرضى التوجه للدجالين بدلًا من زيارة دكتور الأمراض النفسية ظنًا منهم أن المجانين من يقصدون تلك المصحات.
وفي السياق ذاته يقول الدكتور محمد الطشي (استشاري أمراض نفسية) إن الحسد والسحر والعين موجودة في الثقافة الشعبية والحكايات القديمة وهذا المجتمع متأثر كثيرًا بها ولا توجد أي علاقة بين المرض النفسي والأوهام الروحية، ويوضح الدكتور الطشي أن السبب وراء ذلك يعود إلى ربط المجتمع بين الأمراض النفسية والأوهام الروحية وهي عبارة عن محاولة ربط بعض الناس بين المفهومين.
أخيراً.. لا تحصد الحرب المستعرة والمتواصلة في اليمن من تصيبه القذائف والصواريخ والزنازين فحسب، إنما تستهلك طاقة البلاد وبنيتها التحية ومؤسساتها الحيوية، وتترك الفئات الضعيفة والأكثر ضعفًا بعيدون عن الوصول إلى الخدمات التي من شأنها أن تسعفهم وتنجدهم من من أزماتهم المختلفة، بما فيها الأمراض الجسدية والنفسية والعقلية.
“تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.