تعز: رانيا عبد الله
لم تجعل الشابة أحلام من المسميات العنصرية حاجزاً أمام اختيارها فهي كغيرها من الناس مؤمنة أن التعايش لا يعني فقط أن تصمت البنادق بل أن يؤمن الناس بأن الحب ونبذ العنصرية أقوى ركائز السلام والتعايش في المجتمع.
لم تترد أحلام (25) عاماً من ذوات البشرة البيضاء (القبائل) كما يسمون في اليمن وسليمان (26) عاماً من ذوي البشرة السمراء (المهمشين) لحظة بالاستجابة لصوت قلبيهما عندما احبا بعضهما وقررا الزواج
يقول سليمان: ” الحب لا يعرف لون أو عرق أو طبقة أو مذهب، وعندما احببت أحلام لم اتخطى حدودي بل على العكس شعرت أنى اخذت قراري بقناعة كما ينبغي أن يكون لي “.
كانت أحلام تسكن مع عائلتها قبل ان تلتقي بسليمان في مدينتها لتنتقل معه إلى مدينتة بعد أن تكلل حبهما بالزواج في حفل زفاف بهيج بمشاركة الأسرتين.
تتحدث أحلام بابتسامة خجولة: ” وقع قلبي في حب سليمان، وعندما فاتحني بحبه ورغبته بالزواج بي لم اتردد بالقبول ولم أفكر بكلام الناس “.
يشاركنا سليمان الحديث قائلاً: ” زواجنا لم يخضع لمعايير الناس، وسنعيش سعداء طالما اخترنا بعض عن قناعة وحب واحترام “.
فرصة للتعايش
وترى المستشارة الأسرية ـ ألطاف الاهدل ـ رئيسة قسم الخدمة الاجتماعية في مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بتعز أن الزواج بين فئة المهمشين والقبائل يقابله استياء وتذمر من قبل الكثيرين الذين يستهجنوا مثل هذه العلاقة، ذلك لأنها-من وجهة نظرهم-علاقة غير متوازنة وغير متكافئة.
تقول الاهدل: ” المهمشون يختلفون في سلوكياتهم وأساليب معيشتهم وحتى طموحاتهم وتطلعاتهم عن سواهم من أفراد المجتمع، ذلك لأنهم عاشوا فترات زمنية طويلة في عزلة كاملة عن مجتمعهم فهم لا يحضون بالتعليم ولا يحصلون على فرص عمل جيدة.”
مضيفة: ” المجتمع مارس ضد هذه الفئة العنف الفكري المبني على الإقصاء والتهميش، ولابد أن تحظى هذه الاقليات بالتعليم والتأهيل ليسهل دمجهم في المجتمع ،ان علاقة أحلام بسليمان دعوة لضرورة التعايش وخلق فرص الاندماج بين أفراد المجتمع الواحد.”
تساؤلات
لم تكن أحلام بمنأى عن تساؤلات الكثيرين حول قبولها بالزواج من شاب اسمر اللون لكن ذلك لم يؤثر على حياتها الزوجية.
تقول أحلام: ” اعيش مع زوجي حياة مستقرة وانجبت منه طفلين هما كل حياتي، ولا اعير تلك النظرات الفضولية أي اهتمام واجزم انها لن تؤثر على حياتنا.”
ويقدر تعداد أبناء هذه الفئة الاجتماعية في اليمن بحسب الاتحاد الوطني للمهمشين ب (3.5) مليون نسمة يعيش الكثير منهم في تجمعات بشربة شبه منعزلة ويسكنون الصفيح (المحوى) ويعملون في أدني المهن ومازال يطلق عليهم بـ (الاخدام) حتى اليوم.
وبحسب نعمان الحذيفي ـ رئيس الاتحاد الوطني للفئات المهمشة ـ أن المجتمعات المتشظية على اساس عرقي ومناطقي وقبلي ورفض القبول بالآخر مجتمعات موزعة الطاقات وبالتالي تأتي أهمية التعايش بين مختلف مكونات النسيج المجتمعي للمجتمع اليمني والذي تمثل فئة المهمشين جزء من تركيبته الاجتماعية ويضيف الحذيفي : ” التعايش وبناء علاقات انسانية كالزواج والمصاهرة بين المهمشين وبين ما يطلق عليهم بالقبائل وغيرها من المسميات لا يمكن ان يتحقق الا في اطار دولة ترتكز على اسس ومعايير الحرية والعدالة و المساواة الاجتماعية وفرض سيادة القانون على الجميع ” .
حرمة التمييز بين الناس
ويقول الشيخ علي القاضي ـ عضو هيئة علماء اليمن ـ: “لا فرق بين أبيض أو أسود، فالشريعة الاسلامية تساوي بين المسلمين بالحقوق والواجبات، وزواج المهمشين بالقبائل بمختلف طبقاتهم لا يعتبر مخالف للشرع فالإسلام جاز للمسلم أن يتزوج نصرانية أو يهودية، فلا مانع أن يتزوج القبيلي بمهمشة او العكس”.
مضيفاً: “على المجتمع أن يشجع هذا الزواج وهذا الاندماج كونه لا يخالف الدين ولا الشريعة الاسلامية “.
دمج المهمشين في المجتمع أمر في غاية الاهمية، منذ القدم منعزلون عن بقية المجتمع فقد حرموا سابقاً وحتى اليوم من التعليم والكثير من الخدمات، كما ان الدولة لم تقم بواجبها تجاه هذه الفئة كما ينبغي ليحصلا على المواطنة المتساوية فأحلام وسليمان نموذجان للدمج والتعايش المجتمعي فهل سينظر المجتمع لأولادهما نظرة عنصرية هذا ما يخافه سليمان وهل سيحصلان على حقوقهم في التعليم والصحة وغيرها من الخدمات.
أحلام وسليمان نموذج للتعايش والاندماج المجتمعي، غير أن لدى سليمان بعض القلق من نظرة المجتمع لأطفالهما غدا، هل تعزز الاندماج أم تعود وجهة الماضي.