كتابات – فهمي محمد
على إثر توقف معركة الحديدة التي بدت فيها قوات الشرعية من خلال تقدمها العسكري وهجومها المكثف عازمة على انتزاع الحديدة وميناءها من قبضة الحركة الحوثية، ذهب الأطراف بعد تدخلات خارجية ضاغطة إلى مشاورات ستوكهولم المنعقدة في الفترة مابين 12/6 الى 2018/12/13/ م في السويد ، وهي المحطة الرابعة التي تقابل فيها اطراف الصراع في اليمن – شرعية وإنقلابيين – ومن ورائهم دول داعمة، وضابطة في نفس الوقت لإقاع فعالية الحوار في هذه المشاورات = { السعودية وإيران } .
في المرحلة الأولى من معركة الحديدة ={ 13- 12 يونيو 2018/ } وكذلك الثانية ={ 9- 19 سبتمبر 2018 } كانت السعودية قادرة على مواجهة تلك الضغوطات الدولية – المطالبة بتوقيف الحرب بدواعي إنسانية- انطلاقاً من المعطيات السياسية القائلة أن مسألة القضاء على سلاح الحركة الحوثية الانقلابية وعلى بسط سيطرتها على المدن اليمنية تنسجم بطبيعة الحال مع قرارات الأمم المتحدة، ومع أهداف التحالف المعلنة = { استعادة سلطة الشرعية } ناهيك عن وجاهة الإحتجاج بالدفاع المشروع عن الأمن القومي السعودي الذي أصبح مهدداً في ظل تنامي النفوذ الإيراني – المسلح – داخل الجيوسياسية المجاورة للأنظمة المتحالفة تأريخياً مع أمريكا وبريطانيا، كما أنها كانت قادرة على تذكير المجتمع الدولي بالقول أن الحركة الحوثية بعد أن أسقطت العاصمة صنعاء بدأت في إستقبال السفن الإيرانية على وجه السرعة عبر ميناء الحديدة، في الوقت نفسه الذي لم تتردد طهران عن التصريح بسقوط العاصمة العربية الرابعة في فلكها .
لكن أحداث الجولة الثالثة من معركة الحديدة ={ 1- 13 نوفمبر 2018 } والتي بدت حاسمة في كسر الحوثيين كانت تجري رحاها بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي وتحديدا بعد أن اعترفت السعودية بمقتله داخل سفارتها في تركيا ، ما يعني أن المعركة كانت تجري في الوقت الذي كان فيه الأمير بن سلمان يتعرض لهزات سياسية وأخلاقية، وحتى دبلوماسية بدت وكأنها تعمل على قطع طريقه نحو عرش المملكة خصوصاً وانه من جهة أولى لم يكن قد تخلص من صراعاته الداخلية مع الأمراء المناوئين لمسألة تسلمه اللا مشروع إلى ولاية العهد، ومن جهة ثانية فإن واقعة مقتل خاشقجي بتلك الطريقة، قد تحولت إلى ملف سياسي في صراعات الداخل الأمريكي، حيث أتخذ الديمقراطيون من هذه الواقعة فرصة للضغط على الرئيس ترامب الذي كان متهماً بعلاقاته الحميمة مع محمد بن سلمان الذي استقبل قدومه بكرم الدفع مقابل الحماية الأمريكية، وهو ما جعل الرئيس ترامب يعول على هذا السخاء في تحسين الوضع الاقتصادي في الداخل الأمريكي.
حتى المقولة السياسية العقلانية التي أريد لها أن تنسجم مع القيم الأمريكية، والتي تحدثت بها بعض النخب في أمريكا حول ضرورة الفصل ما بين العلاقة التأريخية للولايات المتحدة الأمريكية بالمملكة السعودية وبين واقعة مقتل خاشقجي وعلاقة ذلك بمحمد بن سلمان ، كانت تعني أن مستقبل هذه العلاقات يقتضي إزاحة محمد بن سلمان، حتى لا تصاب هذه العلاقات بأي إحراج من الزاوية الحقوقية والأخلاقية، ناهيك عن حجم الضغوطات التي مارستها دولة بحجم تركيا بعد أن اقدمت على تسريب محتوى التسجيل الصوتي لجريمة الإغتيال إلى مسامع العديد من زعماء الدول .
كل هذه التعقيدات جعلت بن سلمان غير قادر على الدخول في حالة من المكاسرة أو حتى الجدل الممانع لمثل تلك الضغوطات المطالبة بوقف المرحلة الثالثة من معركة الحديدة بدواعي إنسانية علماً أن مثل هذه الضغوطات لم تفلح اليوم في إيقاف الهجوم تجاه مدينة مأرب رغم تشابه الظروف الإنسانية بين الحديدة ومأرب إذ لم تكن مأرب بحكم النازحين فيها أشد مدعاة للتدخل الإنساني والضغط الدولي، بمعنى آخر كان مايهم محمد بن سلمان في المرحلة الثالثة من المعركة هو الخروج من أزمته السياسية التي لم يتوقع تصاعدها على هذا المستوى العالمي، ناهيك عن العزلة والتهميش التي بدت عليها صورة الأمير في إجتماع قمة العشرين المنعقدة في الأول من ديسمبر 2018 في الأرجنتين، وقد انعكس ذلك على موقف السعودية من سير الأحداث في الحديدة وحتى على المشاورات التي حدثت في العاصمة السويدية ستوكهولم .
وافقت السعودية على وقف إطلاق النار وبدورها ضغطت على حكومة الشرعية للقبول بذلك والذهاب إلى مشاورات السويد في وقت كانت قوات الشرعية قاب قوسين أو أدنى من حسم المعركة، وقد توجه المبعوث الأممي في كلمته بالشكر الخاص لمحمد بن سلمان ؟؟؟
كان وقف إطلاق النار يعد إنتصار معنوى كبير للحركة التي بدت مترنحة عسكرياً في الجولة الثالثة من معركة الحديدة، فهي من جهة أولى قد استطاعت أن تلتقط أنفاسها عسكرياً في الحديدة، ومن جهة ثانية كانت الحركة على المستوى العام للمواجهات العسكرية ماتزال محتاجة لسنة كاملة للوصول إلى استخدام سلاح الجو المسير الذي سوف يجعل منها حركة قادرة على مهاجمة العمق السعودي، لاسيما وقد نُفذت أول الهجمات المسيرة على السعودية في أغسطس 2019/ وثانيها في نوفمبر من نفس العام.
ربما كانت الطائرة المسيرة والصوريخ البالستية هي الخيارات الإستراتيجية التي تحدث عنها زعيم الحركة الحوثية ووعد باللجوء إليها في خطابه المتلفز بعد هزيمة الحركة ودحرها من كل المحافظات الجنوبية، خصوصاً وأن ضربة شركة أرامكو السعودية كانت هي الأشد وجعاً لكونها عطلت نصف إنتاج النفط السعودي لأكثر من شهر، وأدت إلى خسارة تقدر ب 14 مليار دولار عن كل عشرة أيام فقط من إجمالي الأيام التي توقفت فيها صادرات النفظ السعودي، ناهيك عما أحدثته الضربة من اهتزازات وردود على مستوى العالم، وذلك ما لم يكن وارداً في حسابات المملكة بعد أن سيطرت عسكرياً على سماء اليمن، وعملت على تأمين حدودها البرية بشريط مسلح من المقاتلين اليمنيين، الذين يتم استقطابهم للقتال في المناطق الحدودية للمملكة على حساب جبهات المواجهة مع الحركة الإنقلابية داخل اليمن خصوصاً وأن ما نلاحظه بين الحين والآخر أن رواتب المقاتلين في الداخل يتم قطعها الأشهر كما هو الحال في جبهة تعز في حين أن المقاتل على حدود المملكة يستلم بالريال السعودي، وهذا ما جعل المقاتل على الحدود السعودية يحترف المال .