المواطن / نصر عبد الرحمن
على هامش الحرب التي تعيشها اليمن منذ قرابة ست أعوام، ثمة معركة أخرى، تدور رحاها في مدينة تعز، بين العلم والسلاح والمال، فمن سيطرة القوات العسكرية على عديد مؤسسات تعليمية كليًا أو جزئيًا، إلى استشراء التعليم الخاص، وارتفاع أعداد الجامعات الخاصة، والتي تشهد هي الأخرى صراعًا مستمرًا بينها وطلابها لإقرارها رفع الرسوم على الطلاب رغم القرارات الحكومية الموجهة بعدم الرفع.
إغلاق المؤسسات التعليمية
كغيرها من المناطق اليمنية، تأثرت مدينة تعز بالحرب المستمرة منذ ست سنوات، وتوقفت الأعمال فيها وحولت الكثير من المؤسسات الحكومية، أبرزها التعليمية، إلى ثكنات ومقرات عسكرية، جرى لاحقًا إخلاء بعضها كليًا أو جزئيًا وتسليمها لأصحابها، فيما لا تزال الكثير من المدارس والمعاهد الحكومية جزئيًا أو كليًا خارج الخدمة بسبب سيطرة قوات عسكرية وأمنية تابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا عليها حتى اليوم.
في مقابل هذا التعطيل لمؤسسات التعليم الحكومي، فتحت الكثير من المدارس والجامعات الخاصة أبوابها وتزايد عددها، وتقدم خدماتها التعليمية بتكاليف باهظة الثمن!!
المعهد التقني الوحيد
المعهد التقني الصناعي ومقره الحصب غرب المدينة، واحدٌ من تلك المؤسسات التعليمية الحكومية التي توقفت عن العمل وتشرد طلابه، ورغم أنه المعهد الوحيد من نوعه في المدينة إلا أنه مازال يتخذ مقرًا عسكريًا لقوات الشرطة العسكرية بالمحافظة، رغم الضغط الشعبي والإعلامي والتوجيهات الحكومية والتي لم تسفر سوى عن تسليم 15-20% من مباني المعهد، بحسب عميده، فيما الجزء الأكبر لم يتم تسليمه بعد.
تعمل خمسة أقسام فقط من أصل 18 قسمًا تقنيًا ومهنيًا كان يحتويها المعهد التقني الصناعي بالحصب، بسبب سيطرة قوات الشرطة العسكرية عليه!
كان المعهد التقني، قبل الحرب، يحتوي على 18 تخصص تقني ومهني، ويستوعب قرابة 2300 طالبٍ وطالبة، وفقًا لعميد المعهد المهندس جميل الأهدل، لكن الحرب وسيطرة القوات العسكرية عليه تسببت بتشرد الطلاب منذ أكثر من ستة أعوام، البعض أضطر للالتحاق بالجامعات الخاصة لاستكمال تعليمه بذات التخصص أو في تخصص آخر ارغمته الظروف على تقبله، فيما البعض الآخر لم تمكنه ظروفه المادية من الالتحاق فتوقف عن التعليم في منتصف الطريق يحدوه الأمل بالعودة إذا ما تحسن الوضع.
وضع مؤسف ومطالبات مستمرة
سنوات مرت وطلاب المعهد يخرجون بتظاهرات ووقفات احتجاجية مطالبين باستعادة معهدهم واستكمال دراستهم، مناشدين قيادة المحافظة والحكومة لكن المماطلة والتهرب سيد الموقف.
عميد المعهد التقني لـ”المواطن”: “فتحنا أربعة تخصصات تقنية وتخصص مهني واحد، ولا يتجاوز عدد الطلاب الذين يدرسون فيها 400 طالب وطالبة رغم أن المعهد كان يستقبل 2300 طالب سنويًا”.
يقول رئيس اللجنة الطلابية للمعهد محمد عبده قائد، لـ”المواطن”: “خرجنا بمظاهرة عندما كان العميد جمال الشميري قائداً للشرطة العسكرية، فتجاوبوا معنا وسلموا لنا جزء من المبنى، واليوم نطالبهم بالخروج من باقي المعهد والذي يحتوي على الورش الصناعية والتكييف والتبريد، إذ يوجد عدد من الطلاب تبقى لهم شهرين للتخرج واستلام شهاداتهم والذهاب لسوق العمل”، وأضاف: “خسرنا عدد من الفرص لترميم المعهد بسبب تواجد الشرطة”.
من جهته؛ أوضح عميد المعهد جميل الأهدل، أنه تم تسليمهم قبل عام ما نسبته “15_20%” من المعهد فقط، مضيفًا لـ”المواطن”: “فتحنا أربعة تخصصات تقنية وتخصص مهني واحد، ولا يتجاوز عدد الطلاب الذين يدرسون فيها 400 طالب وطالبة”.
وأكد: “طلابنا عالقين بالترم الرابع من العام 2015م، يناشدونا باستمرار، يريدون أن يتخرجوا وإلى اليوم لم نستطع أن نفعل لهم شيئًا خاصة طلاب التخصصات التي لا تزال مبانيها تحت سيطرة الشرطة العسكرية”، مشيراً إلى أنه تم توزيع عدد من الطلاب العالقين على بعض المحافظات فيما عدد كبير منهم لا يستطيعون الخروج خارج المحافظة وما زالوا ينتظرون الفرصة للتخرج، وحتى طلاب الأقسام الموجودة حالياً لا يتمكنون من تنفيذ التدريبات العملية، كون المعامل والورش مع الشرطة العسكرية والمحور”.
تعطيل
وعلى الرغم من ترميم السلطة المحلية بالمحافظة للمقر الرئيسي للشرطة العسكرية، إلا أنها لم تنتقل لممارسة عملها منه وما زالت تستولي على الجزء الأكبر من المعهد التقني، وترفض تسليمه رغم التوجيهات المتكررة من المنطقة العسكرية الرابعة ومجلس الوزراء، متذرعة بأن مقرها الرئيسي غير آمن، وتطالب طلاب المعهد أو من يطالبها بتسليمه أن يوفروا لها بديل آمن، متهربة بذلك من معالجة مشكلتها دون اكتراث بمشكلة للطلاب.
وفي ذات الشأن حصل “المواطن” على نسخة من تقرير أعده مكتب التعليم الفني والمهني بالمحافظة، في 10 نوفمبر 2020م حول نتائج متابعة إخلاء مكتب ومعاهد التعليم الفني من قوات الجيش والأمن والاضرار الناتجة عن التأخير، متطرقًا لقرارات وتوجيهات السلطة المحلية بالمحافظة ورئيس الوزراء ووزير التعليم الفني، ومذكرات المتابعة من مكتب التعليم الفني بالمحافظة منذ نهاية العام 2017م وحتى تاريخ كتابة التقرير.
وأشار التقرير إلى تهرب قيادة الشرطة العسكرية من تنفيذ كل تلك القرارات والتوجيهات، بل أنها قامت بطرد لجنة الاستلام والتسليم المشكلة من قبل محافظ المحافظة مطلع أغسطس 2018م، ومنعها من العمل في نوفمبر 2019م.
وأفاد التقرير أن نتائج المتابعة تمثلت بإخلاء اثنين من المباني وهما مبنى الفصول الدراسية وعمادة المعهد فقط بتاريخ 6 نوفمبر 2019م وتبقى 22 مبنى وورشة مازالت مع الشرطة العسكرية والمحور.
كما حصل “المواطن” على مذكرة من محافظ المحافظة لقائد المحور وجهه فيها بإخلاء مبنى المعهد دون قيد أو شرط لزوال المبررات.
طالب: “برفضهم تسليم المعهد هم فقط يريدون إجبارنا على الذهاب للتسجيل والدراسة في الجامعات الخاصة التي يملكون بعضها والبعض الآخر نسبة منها”
وفي الصدد قال أحد طلاب المعهد: “إذا كانت قيادة الشرطة تشعر بأن عودتها إلى مقرها الرئيسي تشكل خطرًا عليها كما تقول؛ فبإمكانها أن تجد بديلًا أفضل غير المعهد، بديل لا يمثل ضررًا على مصالح الطلاب أو المواطنين، والبدائل كثيرة لكننا لا نعلم السبب الحقيقي وراء رفضها تسليمنا المعهد”.
وهذا ما استغرب منه طالبًا آخر بقوله: “نستغرب أن يشكل ضررًا علينا وعلى مصالحنا من خرجوا لحماية حياتنا ومصالحنا من خطر الانقلابيين الحوثيين!!”، مضيفًا: “برفضهم تسليم المعهد هم فقط يريدون إجبارنا على الذهاب للتسجيل والدراسة في الجامعات الخاصة التي يملكون بعضها والبعض الآخر نسبة منها”.
جامعات خاصة بأسعار جنونية
وفي مقابل هذا التعطيل لمؤسسات التعليم الحكومي، فتحت الكثير من المدارس والجامعات الخاصة أبوابها وتزايد عددها، وتقدم خدماتها التعليمية بتكاليف باهظة الثمن أرهقت الطلاب وأسرهم خاصة في ظل تردي الأوضاع المعيشية وتدهور العملة الوطنية وارتفاع الأسعار وغياب الخدمات العامة وازدياد الأمراض وارتفاع معدلات البطالة والفقر.
إذ أقدمت الجامعات الأهلية مع نهاية العام 2020م برفع أسعار صرف الدولار للرسوم الدراسية من 300 ريال يمني للدولار الواحد إلى 400 ريال، وهو ما لم يتقبله الطلاب وخرجوا في تظاهرات رافضة له.
وقد أسفرت هذه الاحتجاجات بصدور قرار وزير التعليم العالي الدكتور خالد الوصابي، بتاريخ 12 يناير من العام الجاري، قضى بعدم رفع الرسوم على الطلاب الذين يدرسون في الجامعات الأهلية من قبل صدور قرار الرفع، فيما يعتمد على الطلاب الجدد (بعد قرار الرفع)، إلا أن الجامعات لم تنفذ القرار وهو ما دفع بالطلاب إلى تصعيد احتجاجاتهم.
احتجاجات
وفي هذا السياق قام طلاب جامعة العطاء بالإضراب الشامل عن الدراسة، ومن ثم نصب الخيام والاعتصام أمام مبنى الجامعة منذ أسبوعين، مطالبين بتنفيذ قرار وزير التعليم العالي بإعادة سعر الصرف لجميع الجامعات الخاصة.
وقال أكرم المحيا، أحد طلاب جامعة العطاء، لـ”المواطن”: “خرج طلاب الجامعة رافضين القرار التعسفي الذي صدر من إدارة الجامعة برفع سعر صرف الدولار إلى 400ريال بعدما تم الاتفاق سابقاً على سعر 300ريال طوال سنوات الدراسة حتى تخرج الطالب، وتفاجئ الطلاب بالقرار التعسفي المفاجئ، بعدها بأيام أعلن الطلاب جميعاً الإضراب الشامل منذ 6 يناير الماضي”.
وتابع “بعد صدور توجيهات وزير التعليم العالي بإعادة سعر الصرف لجميع الجامعات الخاصة لم تستجيب جميع الجامعات الخاصة لقرار الوزير”، مشيراً إلى أنهم مستمرين بالإضراب حتى تنفيذ الجامعة لتوجيه الوزير.
بدوره أوضح عماد الشميري، طالب آخر بجامعة العطاء، لـ”المواطن” توقفهم عن الدراسة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، وأضاف: بعد أسبوعين من الإضراب الشامل اتخذنا خطوة تصعيدية أخرى إذ قمنا بنصب الخيام والاعتصام أمام مبنى الجامعة وقال: “إذا لم تتراجع الجامعة عن قرار رفع سعر الصرف نحن سنضطر إلى إغلاق الجامعة”.
وأكد الطالب بجامعة العلوم والتكنولوجيا الأهلية صلاح الواسعي، أن الجامعات الخاصة لا زالت ترفض تطبيق قرار وزير التعليم العالي الذي أصدره مؤخراً بعدم رفع الرسوم على الطلاب ولا تزال ترفض المذكرة التي اصدرها محافظ المحافظة نبيل شمسان مؤخرًا، مؤكدًا استيائهم من رفع الرسوم الدراسية ورفض الجامعات تطبيق قرارات الدولة.
ولمعرفة مواقف الجامعات تلك ومبرراتها تواصل “المواطن” مع نائب رئيس جامعة العطاء ورئيس جامعة الوطنية لكنهما تهربا من مقابلة الصحفي والتصريح بذرائع مختلفة.
الوزير في خانة الاتهام!
استغرب طلاب الجامعات الأهلية بتعز من رفض الجامعات تطبيق قرار الوزير، وعدم تحرك الوزير تجاه هذا الرفض حيث قال عماد الشميري: “عدم تنفيذ قرار الوزير دليل على هشاشة منصبه وضعف شخصيته وعدم أهميته لدى الجامعات، أو أن له نصيب ما من الجامعات”.
وأفاد الواسعي لـ”المواطن” أن “قرار رفع الرسوم الدراسية في الجامعات الأهلية كان بعد اجتماع ضم الجامعات مع نائب وزير التعليم العالي سابقًا الوزير حاليًا وهو من أعطاها الضوء الأخضر برفع الرسوم، الأمر الذي جعله اليوم في موقف صعب”.
وللمعرفة أكثر بهذه القضايا والاتهامات، تواصل “المواطن” مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي أ. د. خالد الوصابي عبر تطبيق الواتس اب، لكنه لم يرد هو الآخر طيلة أربعة أيام من المراسلة والمتابعة.
تحرك محلي
أمس الأثنين، ومع استمرار اعتصام طلاب جامعة العطاء، وجهت السلطة المحلية الجامعات الخاصة بمنع زيادة الرسوم الدراسية على الطلبة الملتحقين فيها.
مصدر في السلطة المحلية قال إن وكيل المحافظة عارف جامل عقد اجتماعًا موسعًا برؤساء الجامعات الخاصة، ناقش حل مشكلة زيادة الرسوم على الطلاب في الجامعات الخاصة.
وأكد الاجتماع على تنفيذ توجيهات وزارة التعليم العالي ومذكرة محافظ المحافظة بمنع فرض زيادة الرسوم الجامعية، والعمل بما تم الاتفاق عليه بين الجامعات والطلاب بداية الالتحاق بالجامعة.
ويأمل الطلاب أن يحقق هذا التحرك الرسمي حلًا لمشكلتهم ليعودوا مطمئنين إلى كراسي الدراسة لإكمال عامهم الجامعي الذي توقف في منتصفه.
قضايا التعليم في مدينة تعز لا تنتهي، والتوجه لخصخصته مستمر، وهو ما يدعو للقلق على حلم مجانية التعليم الذي ينشده اليمنيون. فإلى متى يستمر العبث؟!