المواطن/ خاص
مثل اعلان تشكيلة الحكومة الجديدة، صاعقة على رؤوس القيادات والناشطات النسويات في اليمن، بعد تأكيده التسريبات السابقة التي اثارت غضبًا في أوساطهن وأوساط مناصري المرأة اليمنية من عدم اشراكهن في الحكومة الجديدة وسط تساؤلات عمن يتحمل المسؤولية في ذلك وعن دور الأحزاب السياسية في تمثيل المرأة اليمنية؟َ!.
مخرجات على المحك
وفي الوقت الذي استندت فيه التشكيلة الجديدة إلى مخرجات الحوار الوطني، تم تهميش واقصاء المرأة منها، والتي نصت المخرجات ذاتها على أن تمنح حق الكوتا بنسبة 30%، في تعارض فج بين الاستناد إلى المخرجات والتنكر لها في آن واحد.
ودعت الناشطة وعضوة لجنة صياغة الدستور في مؤتمر الحوار الوطني ألفت الدبعي: “كافة أعضاء الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار للاحتجاج، رسميًا على إقصاء النساء من تشكيلة الحكومة المعلنة في مخالفة صريحة لأحكام المخرجات؛ وهو ما يعد انقلابًا صريحًا وواضحًا على مركزية مخرجات الحوار كإطار مرجعي تلتزم به الشرعية”.
يوم بلا نساء
واطلقت مجموعة من الكيانات النسوية الدعوة إلى حملة احتجاجية على خلو التشكيلة الحكومية من النساء تحت وسم “يوم بلا نساء”، مطالبة النساء في اليمن بالتزام منازلهن ليوم واحد وعدم القيام بأي مهام مناطة بهن، كرسالة احتجاج على حرمانهن من حقهن في المشاركة في الحكومة.
وصعدت ناشطات وصحفيات يمنيات من خطابهن عقب تأكد عدم تمثيل النساء في الحكومة الجديدة، إذ قالت الناشطة السياسية ورئيس فريق قضية صعدة في مؤتمر الحوار الوطني نبيلة الزبيري: “مشاركة النساء في الحكومة استحقاق للوطن قبل أن يكون استحقاقا للنساء” مضيفة: “غريبة تلك الهجمة على النساء المدافعات عن هذا الاستحقاق الوطني. الأغرب أن تشارك في هذه الهجمة نساء عولنا عليهن كمدافعات عن حقوق النساء وعن الاستحقاقات الوطنية. وغرابة ليس أقل منها؛ من نخب نعدهم بمثابة العلم في ميدان النضال الوطني”.
وأوضحت الزبير في منشور على “فيسبوك”: “الشراكة ولنقل الاعتراف بالنساء ليس شأنا “نسونجيا” كما يذهب إليه البعض ساخرا ويوصمه بـ التهافت، إنه استحقاق وطني وخطوة لا ينبغي التراجع عنها في المضي لدولة المستقبل. دولة الإنسان، دولة المواطنة”.
عجائب الأحزاب اليمنية
ثلاثة أحزاب يمنية من الاحزاب المشاركة في الحكومة كانت قد ارسلت رسائل مساندة إلى شبكة التضامن النسوي تؤيد فيها دعمها لمطالب تمثيل النساء في الحكومة الجديدة، لكن الغريب في الأمر أن هذه الأحزاب لم تقم بترشيح أي امرأة في قائمة مرشحيها للتشكيلة الحكومية.
وقال منسق فريق نساء تعز من أجل الحياة الناشط والصحفي حمدي رسام: ” في الخطابات النساء أولًا وفي المناصب لا شيء سوى الرجال”.
وأضاف رسام في منشور له على “فيسبوك” رصده “المواطن”: “بغض النظر عن المرحلة أو الظروف أو الطريقة التي شكلت بها الحكومة، كان على الأقل تمثيل النساء بمقعد واحد في الحكومة من باب إبعاد الحرج عن رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وأيضا الأحزاب السياسية”.
وأكد: “أما الأحزاب يحضر لديها تمكين المرأة في الأحاديث والخطابات السياسية لكن في الواقع تنال المرأة فقط التهميش حتى على مستوى مراكز القرار داخل الأحزاب نفسها”. موضحًا: “نطالب الأحزاب التي طالبت الرئيس في هذه المذكرات بضرورة إشراك المرأة والتي يظهر فيها حرصها على تمثيل النساء وترمي الكرة في ملعب الرئاسة وكأنه لا ناقة لها ولا جمل فيما حدث؛ أن تعمل على رد الاعتبار من خلال تمكين النساء من الوصول للمراكز الأولى في قيادة الأحزاب حتى نصدق انها فقط كانت مجبرة ولا قدرة لها على تخصيص مقعد واحد من حصتها للنساء”.
ومع حمدي يتفق الناشط الإعلامي نايف الوافي والذي كتب قائلًا: “على النساء أن تستقيل من الأحزاب لأن الاختيار والتمثيل في الحكومة تمثيل سياسي حزبي وتمثيل مكونات”.
نظرة أخرى
وفي نظرة مختلفة للحدث كتبت الناشطة وميض شاكر منشورًا قالت فيه: “لم توجب مخرجات الحوار الوطني الكوتا -وفقًا للنصوص- في ظروف الحرب بل في مرحلة بناء الدولة، اذن هذه المرجعية لا يعتمد عليها في الوقت الحالي”.
وأضافت: “بعلمي أن الحركة النسوية هي صديقة الأنظمة الديمقراطية، القائمة على حقوق الانسان، الحكم الجيد، الشفافية، الخ… وليس أنظمة وحكومات الحرب والفساد واقتصاد الحرب والمليشيات كما هو حالنا اليوم!”.
وأكدت أنه “إن كان ولابد من المطالبة بمشاركة النساء في الحكومة فيجب أن تكون الرسالة واضحة لا تقبل التأويل، مثلا مطالبة الأحزاب والقوى السياسية بترشيح نساء منهم، مطالبة الاصلاح، المؤتمر، الاشتراكي، الناصري، الانتقالي، قوى 11 فبراير، قوى هادي، هكذا بالحرف، أو المطالبة بتمكين وترقية النساء في الدولة إلى وكيلات ورئيسات إدارات ومديرات عموم، وليس المطالبة بشكل عام مبهم وعريض يخاطب عامة الناس لا الأحزاب ومتخذي القرار”.
واختتمت شاكر منشورها بالقول: “الحل الآخر لمشاركة النساء هو مراقبة أداء الحكومة واقتراح اصلاحات تنقل منظور النساء وتلبي احتياجات النساء والدفاع عنها بقوة!
اختلال في الأولويات
الناشطة والكاتبة الصحفية ميساء شجاع الدين من جهتها كانت لها قراءة مختلفة للحملة الغاضبة للنساء اليمنيات وهو ما أوضحته في منشور على صفحتها في الفيسبوك جاء فيه: “حرفت هذه الحملة الرأي العام اليمني عن جملة مشكلات كبيرة، تعاني منها هذه التشكيلة الوزارية المتعسّرة بعد أكثر من عام من المفاوضات المتعثرة والمعارك المسلحة، فالنساء اللواتي انخرطن في هذه الحملة، عوضاً عن استثمار قدراتهن في التحشيد والتنسيق لرفع مطالب الشعب اليمني أولاً”.
وأشارت إلى أنه “لا عجب أن الناشطات اليمنيات المقيمات في الخارج لا ينشغلن بقضيةٍ كهذه، وأصبحت الوزارة منصبًا لا يتطلب الإقامة في اليمن، ومسؤولياته بسيطة قياسًا بحجم المزايا. لهذا بدا لكثيرين أن دوافع هذه الحملة إما انتهازية شخصية لبعضهم، ودخل في موجتها بعض المتحمسين الحقيقيين لفكرة الكوتا النسائية، أو أنها، في أحسن الحالات، اختلال حقيقي في أولويات الحركة النسائية في البلاد، حيث فقدت الناشطات المقيمات في الخارج بوصلتهن تماما، ونسين أن دورهن الأساسي ليس المطالبة بالكوتا، بل التنسيق مع النساء في الداخل لتقديم مشكلاتهن أولوية، وهي مشكلات لا تتعلق بالكوتا، بل بقضايا تتعلق بالأوضاع الاقتصادية المتردّية وانعكاسها على المرأة”.
وأوضحت شجاع الدين: “كشفت الحملة أخيرا حالة الشللية التي صار يتسم بها العمل النسوي، وهذا طبيعي، بعد تحول العمل النسائي من عملٍ على أرض الواقع للقاءات زووم ومجموعات واتساب، برعاية الأمم المتحدة والمنظمات الغربية. وهكذا يمكن القول إن أموال دول الإقليم أفسدت السياسيين الرجال، وأموال الأمم المتحدة والمنظمات الدولية أفسدت العمل النسائي في اليمن”.
وأضافت: “كشفت هذه الحركة النسوية حجم غياب التراكم في اليمن، وقد شملت حالة الانحطاط والفساد العامة الجميع، فالبلد الذي شهد مظاهرة نسوية منذ قرابة سبعين عاماً ضد العنف المنزلي، وشاركت فيه المرأة بقوة في ثورتي سبتمبر (1962) في الشمال وأكتوبر (1963) في الجنوب، بما فيه الكفاح المسلح، ها هن نساؤه يتحدّثن عن كفاحهن في أروقة الفنادق والتواصل مع السفارات والمنظمات الغربية”.
مؤكدة: “هكذا تفقد اليمن كل ما راكمته عبر السنوات، ليس فقط لأنها شكلت حكومةً بلا امرأة لأول مرة منذ عشرين عاماً، بل إنه حتى الحركة النسوية لم تستند إلى كل ما قدّمته من تضحيات وإنجازات وصلت إليها بشقّ الأنفس، بل تم تجريف كل هذا لصالح العمل في المجال الافتراضي مع الأمم المتحدة والمنظمات، عوضاً عن النشاط ضمن المكونات السياسية الموجودة، والوعي بدورهن الأساسي جسرا يعبر بين نساء اليمن في الداخل، اللواتي يتعرّضن لمعاناة غير مسبوقة، إلى الخارج، وليس الصعود على أكتاف النساء في الداخل”.
وأختتمت ميساء منشورها بالقول: “أخيرًا، لا يجب التفريط بكل تأكيد في حق المرأة بالتمثيل السياسي، وضرورة ألا تغيب عن أي تشكيل وزاري. ولكن حتى لا تكون كلمة حق يراد بها باطل، يجب أن يعاد النظر في كيفية العمل النسائي، وطبيعة أولوياته، وقبله التفكير في مدى الجدوى منه في إطار سياسي فاسد وفاشل”.