المواطن / قصة قصيرة _نصر عبد الرحمن
قبل المعتقل
كان عالما صناعيا تعلم على يده مئات المهندسين الأكفاء يمكنهم أن يبنوا من العدم أمة قوية ضاربة التطور، كان رب عشرات المشاريع الضخمة ستحرر وطنه من التبعية والخضوع لقوى الاستعمار والقوى العالمية.
بعد المعتقل
في عز النهار تحت سياط الشمس الحارقة رأيته من بعيد متشردا بجسد هزيل نصف عاري، يكسو رأسه ووجنتيه وصدره شعر أبيض كثيف طويل، يبعثر النفايات، يتمرغ بالتراب، يجثو على الأرض، يزحف، يحدق عاليا، يجلس القرفصاء في زاوية من زوايا المكان قبل أن يعاود نشاطه بنفس الطرق، يختلف ترتيبها ومكانها وزمنها في كل مرة كما فهمت لاحقاً.
تساءلت عن من يكون ذلك الشخص؟ وما الذي يبحث عنه في تلك الأماكن وبتلك الجدية وذلك الإصرار؟!! دنوت منه بخطى متثاقلة ونفس قلقة مضطربة مع رغبة بغض النظر عنه والفرار بعيداً،، لكن رغبتي في معرفة الشخص وما يفعله نجحت في دفعي إليه رويدا رويدا حتى صرت في مواجهته.
يضج ويزدحم رأسي بالأسئلة المتدافعة والغموض الكثيف أهذا هو؟!!!! نعم.. لا..لا يمكن.. نعم، أهذا أنت دكتور؟!! دكتور هذا أنت حقا ؟!!! وبعد عراك شديد بين القبول والنفي اخضعتني ملامحه التي لم تفارق مخيلتي وأيقنت هذه الحقيقة الماثلة أمامي ناصعة السواد، إنه هو!!! يا للهول ماذا حدث؟!!! غير معقول كيف يمكن هذا ؟!!.
بعد شرود لدقائق كان قد ابتعد وصار يقوم بعمله وبحثه الجاد على بعد عشرات الأمتار، هرولت إليه رغبة في كشف الغموض وانتزاع إجابات أسئلتي التي تكاد تفقدني عقلي وتسلب روحي، دكتور ماذا حدث؟!! عما تبحث ؟!!. ودون أن يلتفت أو يرد يواصل بذل المزيد من الجهد والبحث،، صمت للحظات فخرق أذني صوت منخفض باهت لا يخلو من الشدة والغضب والحزن العميق، يردده دوماً، ويحمل كلمات اصابتني بالذهول والخيبة وقتلت مني شيئأ لم أعرف ما هو،، لقد سمعته يردد ضاع الوطن… لقد ضاع… اين الوطن… أمي…
ذهلت واسدل الستار على حواسي ووعيي، وحين افقت أدخلني في غيبوبة أخرى صوت أحد أبناء الحي خاطبني دعك من هذا المجنون!!… ماذا تريد من رجل بلا عقل؟!!.