المواطن/ تعز – مكين العوجري
في الأشهر الأولى من الحرب، منتصف العام ٢٠١٥، كانت قلعة القاهرة الشامخة -أبرز المعالم الاثرية بمدينة تعز- ومواقع أخرى كانت هدفًا لقذائف الحرب وتجار الخراب.
يقول أحمد جسار مدير عام الاثار بتعز: “تعرضت القلعة لعدة ضربات جوية أصابتها وبما تحتويه من متحف يشمل كميات كبيرة من القطع الأثرية والتي تعود إلى ما قبل الإسلام”، مشيرًا إلى أن حصن العروس في جبل صبر والذي عاصر ما قبل الاسلام، هو الآخر لم تستثنيه الضربات الجوية فقد أصابه الدمار وخراب مساحات كبيرة منه.
لم تكن القذائف أو الغارات الجوية وحدها من تمارس الإجرام بطمس تاريخ المدينة بل أصبح بعض المسؤولين من أبنائها خطرًا أكبر يهدد عمقها الحضاري وذلك من خلال أعمال البسط على مواقع أثرية والسطو على قطع عريقة.
يؤكد مدير الآثار في حديثه لـ”المواطن” أن المواقع الأثرية تتعرض للتخريب والدمار تارة وأعمال السطو والبناء عليها من قبل متنفذين بالمدينة تارة أخرى، مشيرًا إلى أن حالة تدهور أصابت قطاع الآثار جراء الإهمال وعوامل التعرية وأيضًا بسبب الإهمال من قبل السلطات السابقة.
ضربات جوية وقذائف حوثية
مع اندلاع الحرب مطلع العام 2015م في محافظة تعز شهدت المعالم والمواقع الأثرية دمارًا هائلًا خاصة مع تعرضها لعوامل التعرية والإهمال، في ظل تجاهل كبير من السلطة المحلية بالمحافظة.
لا توجد احصائية رسمية لعدد المعالم الاثرية بالمحافظة، وبحسب توقعات إدارة الآثار بتعز فإنها تزيد عن 200 معلم، فيما يبلغ عددها في نطاق المدينة ما يقارب 60 معلمًا تاريخيًا، وتضرر منها ما يزيد على 15 معلم.
ضربات طيران التحالف المساند للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا استهدفت متحف قصر صالة ما أدى إلى تدميره بشكل كامل، ويعود تاريخ القصر إلى عهد الدولة المتوكلية إذ انشأه الامام احمد بن يحي حميد الدين بعد تولية مقاليد الحكم بتعز.
وتعرض المتحف الوطني لعدد من القذائف التي أدت إلى انهيار الركن الجنوبي الغربي لمتحف الموروث والذي تعرض لحريق نتج عنه إتلاف كل ما يحتويه من قطع أثرية.
منارة مدرسة ومسجد الاشرفية استهدفتها قذائف متنوعة ما تسبب في إحداث فجوات فيها وميول جزئي للمنارة وتعرض بعض قباب المسجد لفجوات عميقة، وتعتبر مدرسة الاشرفية درة معالم دولة ملوك بني رسول بروعة الطراز المعماري والزخارف الجصية والنقوش والالوان حيث انشأها الملك الاشرف اسماعيل بن العباس سنة 802 هجرية ويقدر عمرها حوالي 800 عام. كما تضررت قبب ومدرسة المعتبية بسبب القذائف ويعود تاريخها إلى عهد الدولة الرسولية.
قبة الحسينية ايضا تضررت، بتشققات كبيرة في جدرانها وذلك بسبب الارتجاج الذي أحدثته الصواريخ اضافة إلى عوامل التعرية التي أصابتها منذ فترات طويلة، ويبلغ عمرها 400عام بناها العثمانيون اثناء سيطرتهم على بعض مناطق اليمن.
جماعات متطرفة
لم تسلم المعالم الاثرية من ارهاب التطرف الديني والعقائدي فقد تم تفجير بعضها من قبل جماعات متطرفة، من تلك المعالم مسجد الشيخ عبدالهادي السودي والذي بناه العثمانيون وهي اكبر قبة كانت في الجمهورية تم تفجيرها بالألغام، وكذلك استراحة الملك المؤيد الرسولي وهي قبة مفتوحة من الجهات الأربعة بعقود من الياجور وأمامها بركة كبيرة من المياه العذبة وتقع أسفل قلعة القاهرة من الجهة الغربية يبلغ عمرها ٨٠٠ عام وقد تم تفجيرها بالغام من قبل الجماعات المتطرفة.
ويؤكد جسار أن أعمال سطو وبناء تستهدف حرم اغلب المواقع والمعالم الاثرية وتزايدت خلال الفترة الاخيرة، مشيرًا إلى أن متنفس قلعة القاهرة تم الاعتداء عليه وقيام حوالي خمسة أو أربعة أبنية بداخل الحديقة أو المدرجات التابعة للقلعة من قبل متنفذين وضباط يتبعون اللواء الخامس.
ويتابع مدير الآثار بالقول: “تم منعهم والإبلاغ عنهم إلى السلطة المحلية والآن القضية في النيابة ولكن دون جدوى”، لافتًا إلى أنه يتم منعهم ويستأنفون أعمال البناء في الليل وبعلم حرس القلعة والذين ينتمون إلى نفس اللواء.
وطال سور قلعة السراجيه هدم وسطو على الأحجار لبناء بيوت لبعض المواطنين والمتنفذين، والبسط على أربع (4) نوبات أو ما تسمى بأبراج الحراسة في السور واتخاذها مساكن منذ سنين.
الاعتداءات لم تتوقف وقد تعرض كلا من قبة الحسينية بجانب الباب الكبير وباب موسى التاريخي، وذلك من خلال لصق البناء أو نصب البسطات بالزنج أو البردين من قبل نافذين في الأمن والجيش، وذلك لبيع الالعاب النارية والذخائر والأسلحة، وقد تم ازالة بعضها، كما إن الاعتداءات طالت مساحات بجانب المساجد التاريخية والاضرحة والقباب مثل مسجد الشويطر وغيرة حيث يتم استقطاع بعض من مساحات الاضرحة والمساجد وضمها الى المنازل المجاورة لها.
جهود ذاتية
يلفت أحمد جسار أن مكتب الآثار عمل على اعداد الخطط والبرامج الكفيلة بحماية المعالم الاثرية والمواقع بقدر الامكان وبجهود شخصية في اغلب الأحيان وذلك في ظل انعدام أي نفقة تشغيلية مخصصة للمكتب، مشيرًا إلى إن الخطة تتمثل في عملية التوثيق لبعض المعالم الأثرية الأيلة للسقوط كخطوة احترازية، حتى يتسنى للمكتب اعادة ترميم تلك المعالم بنفس الكيفية والانماط والتفاصيل الدقيقة للمعلم وذلك في حالة السقوط.
ويتابع جسار: “قمنا بالبحث عن دعم من بعض المكاتب ذات العلاقة لإعداد الدراسات الأثرية والهندسية لبعض المعالم المتضررة أولًا بأول حسب الأولوية”، مؤكدًا أن مكتب الأوقاف بتعز له الفضل كونه عمل على تمويل الدراسات الأثرية والهندسية لبعض المعالم والمآثر الدينية والتاريخية بالمدينة مثل قبة الحسينية وجامع المظفر ومنارة مدرسة الاشرفية.
ويشير مدير الآثار إلى أن المكتب نجح في الترويج لدعم عملية ترميم المعالم الأثرية وذلك من خلال مناشدة المنظمات العالمية المعنية بحماية الأثار والمعالم التاريخية لسرعة التدخل لإنقاذ المعالم والمواقع الأثرية في المحافظة، مؤكدًا أن الصندوق العالمي للحفاظ على الآثار WMF الفرنسي عبر المجلس البريطاني وافق على التدخل وانقاذ بعض من المعالم الأثرية والتاريخية في مدينة تعز، ومنها ترميم المتحف الوطني والمجمع المتحفي بشكل كامل وقبة الحسينية وترميم حمام المظفر الاثري.
وأضاف: “الآن مكتب الآثار بصدد الترويج والبحث عن منظمات داعمة لتمويل أعمال الترميم لمعالم أثرية أخرى في مدينة تعز الحالمة وإن شاء الله سوف تكلل جهودنا بالنجاح.”
وأشاد جسار بجهود وزارة الثقافة والسلطة المحلية بالمحافظة اتجاه الآثار وتذليل كافة الصعوبات أمام المنظمات والجهات الداعمة وتسهيل مهامهم في تعز لإنجاز أعمال الترميم للمعالم الأثرية، معربًا عن شكره لوزير الثقافة مروان دماج إزاء الجهود التي يبذلها في توقيع الأتفاقيات وإبرام المعاهدات الدولية لاسترجاع القطع الأثرية المنهوبة والمهربة إلى خارج البلاد تمهيدًا لاستعادة آثارنا وتاريخنا الثقافي.