المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
لم يتوقف إنتصار المخترعة الهادوية بقيادة إمامها المتطرف “سلالياً” عبد الله ابن حمزة على فرقة المطرفية عند حدود القضاء المادي على وجود هذه الجماعة المتنورة – وهو ما كان يعد في حقيقة الأمر إنتصار سياسي لمشروع السلالة السياسية – بل ذهب هذا الإنتصار للنيل من إعضاء هذه الجماعة على المستوى الإجتماعي ومكانتهم الإجتماعية، بحيث تم تصنيفهم بعد ذلك بكونهم كانوا من أسافل القوم بهدف خلق فجوة كبيرة بينهم وبين القبيلة التي كانت ومازالت تستغرق بنية المجال الإجتماعي للمكون الزيدي في شمال اليمن هذا من جهة أولى ومن جهة ثانية فإن تاريخنا العربي والإسلامي يقول أن الإنتصار العسكري على أي حركة تنويرية أو ثورة تنادي بالعدالة يعقبه ضخ إعلامي ممنهج يهدف إلى النيل منها حتى بعد أن يغادر أفراد هذه الجماعة عالمنا إلى العالم الآخر، كما حدث على سبيل المثال وليس الحصر مع ثورة الزنج بقيادة علي بن محمد أو حركة القرامطة بقيادة علي إبن الفضل التي قيل فيها مالم يقل مالك في الخمر،
فالصراعات السياسية في المجتمعات التي لا تعرف معنى التسامح أو ثقافة القبول بالآخر يستمر فيها عقاب المنتصر عسكرياً ويلاحق المغلوبين حتى قبورهم بعد الموت = ( هشام ابن عبد الملك أخرج جثمان زيد بن على من القبر وصلبه، والعباسيين أخرجوا جثث الاموين من القبور وعاقبوهم وقد صاروا عظام ورميم !!! ) ففكرة العقاب وثقافة الإنتقام تتحول إلى قضية ومشروع سياسي للمنتصر يتغنى به في كل مناسبة وعيد وبشكل يخفي فشله في صناعة المستقبل وتحقيق العدالة والأمن للمحكومين في الحاضر .
كانت سلطة الإمامة الزيدية الهادوية ={ سلطة السلالة السياسية } لا تملك جيش نظامي عقائدي يتكفل بحماية مشروعها السياسي في حكم اليمن، لذا كانت القبيلة الزيدية هي القوة الضاربة التي منحت السلالة السياسية، مسألة الديمومة السياسية في تولي الحكم، منذ القرن الثالث الهجري إلى اواخر القرن الثالث عشر الهجري، ما يعني في النتيجة أن مسألة ولاء شيخ القبيلة من عدمه كان كفيل بشكل رئيسي بتحديد عمر دولة هذا الإمام أو ذاك، لاسيما حين يحدث صراع مسلح بين أبناء السلالة السياسية على إستحقاق لقب الإمام وهو ما ساهم بشكل كبير في مسألة بقاء القبيلة قوية ومتماسكة في هذه المساحة الجغرافية من اليمن،
فقد ظلت القبيلة طوال هذه القرون الطويلة من حكم السلالة، حاضرة تمارس دورها التأريخي والوظيفي بالمعنى الذي يجعل منها حالة إنتماء وهوية مواكبة لحاضر الفرد وهذا ما جعل إمام السلالة مضطراً إلى الحفاظ على مصالح شيخ القبيلة، لاسيما وأن هذا الأخير يعمل على تسخير إمكانية القبيلة في الدفاع عن سلطة إمام السلالة، في حين رأى شيخ القبيلة في إمام السلالة مخرج من دائرة الصراع على السلطة السياسية بين شيوخ القبائل اليمنية، لكون إمام السلالة السياسية يظل طرف محايد في إنتمائه القبلي ما يعني أن السلطة السياسية لم تعد بيد قبيله من القبائل وهذا مخرج مقبول في نظر القبائل المتصارعة على حكم السلطة السياسية، بل أن البحث عن هذا المخرج هو الذي دفع القبائل اليمنية في القرن الثالث الهجري إلى دعوة الهادي ابن الحسين للمجي إلى اليمن وصعده على وجه التحديد .
يتبع ….