المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
البلدان التي مازالت حتى اليوم تصنع مستقبل أجيالها بقوة الزناد وطلقة الرصاص هي بلدان سوف تظل دائماً على حافة الهاوية ، لا شيء فيها يكون قابل للإستقرار أو التطوير ، ناهيك عن حماية البديهيات في السياسة والاجتماع ، حتى عناصر القوة يتم إستهلاكها بشكل عبثي في هذه البلدان التي لا تنتمي للمستقبل ، وحتى في أحسن الأحوال يتم تدوير عناصر القوة بمنطق صروف الزمن وتقلباته ومكره بعيداً عن صيرورة التاريخ ، ما يعني أن هذا التدوير القائم على فكرة الحيازة غير المشروعة لعناصر القوة يؤسس على الدوام لمعادلة الغالب والمغلوب ، وهي المعادلة التي يعجز منطقها السياسي والاجتماعي في كل الأحوال على صناعة مستقبل الأوطان ” اليمن الحديث والمعاصر نموذجاً” .
الأوطان لا تبنى عندما تفخخ السياسية ” فكرةً وممارسة” بفعل حيازة القوة ومنطق الاستقواء والتغالب ، وعندما تفخخ السياسية بهكذا عبثية يكون مستقبل الأجيال حتماً قابلاً للإنفجار الكارثي وعندما يحدث هذا الإنفجار المؤكد يدفع الجميع ثمن ذلك بلا استثناء ، وأول هذه الأثمان التي يدفعها الجميع تكمن في اتساع المسافة وعدم التطابق اللامتناهي بين واقع بلدانهم وفكرة الأوطان ، ومع هذا الاتساع يظل الجميع مسافرين في حقل ألغام غير آمنين غالبين ومغلوبين ، حتى أولئك الذين يحسنون انتهاز الفرص ويتعاملون مع نتائج الإنفجارات ومجمل التقلبات بفكر سياسي لصوصي ، يمكنهم من حيازة القوة وعناصرها ، يظلون أقوياء مؤقتاً لأن صروف الزمن كفيلة بأن تقلب الطاولة عليهم.
الوعى بالمستقبل وحده الكفيل بتأسيس المستقبل والوعي بمفهوم الوطن وحده كفيل بتأسيس الوطن والوعي بفكرة الدولة وحده كفيل بتأسيس الدولة ، ما يعني في النتيجة أن معركتنا مع فكرة الخلاص في اليمن تظل بدرجة أساسية معركة تأسيس لوجود حالة من الوعي الاجتماعي وحضوره في معادلة الصراع السياسي وبشكل فاعل في سبيل المستقبل.
الوعي هو الحلقة المفقودة على الدوام في مسار التغيير في اليمن، لا سيما وأن الحائزون على عناصر القوة هنا أو هناك “ونتيجة لغياب هذا الوعي الإجتماعي المتجذر” يظلون قادرين على تجيش الجماعات وأفرادها والذهاب بهم إلى معارك يكون الإنتصار فيها لا يعني سوى أن ينتصر الإنسان على مستقبل أبنائه أو يقاتل من أجل بقاء عبوديته ، ولهذا قال أفلاطون قبل الميلاد ” لو أمطرت السماء حرية لرأيت بعض العبيد يرفعون المظلات ” وإذا كان عدم الوعي في اليونان قبل الميلاد بقرون قد جعل من بعض العبيد يرفعون المظلات على حد وصف الفيلسوف أفلاطون ، فإن انعدام هذا الوعي في اليمن قد جعل من معظم اليمنيين في القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد يرفعون المظلات ويقاتلون من أجل أن تظل مرفوعه على الدوام ، ولهذا يسهل إستدعاء النماذج التاريخية أو الإنتصار لها على حساب المسقبل في اليمن !!!